منذ البداية كانت إسرائيل تحتل عناوين الأخبار في محطاتنا، ولا تكاد تخلو نشرة من خبر يتحدث عن هذا الكيان الصهيوني وجرائم القتل والاعتقال ومختلف الانتهاكات التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، كان كل تقرير يتناول عنجهية هذا المحتل وتجاهله لكل القوانين والأعراف الدولية، وينقل تصريحات مسؤوليه وقادته العسكريين حتى أصبحنا نسمع عنهم أكثر ما نسمع عن غيرهم من المسؤولين العرب. بعض القنوات تمادت في ذلك فجعلت منهم ضيوفاً دائمين في تطبيع مفضوح تحت غطاء «الرأي والرأي الآخر». ورغم أن معظم ما يقال عن ذلك الكيان سلبي في المجمل إلا أنه لم يحرر فلسطين ولم يخدم القضية بقدر ما جعل منّا شعوباً أكثر تبلداً وأقل تفاعلاً بعد سنوات طوال من الحروب والعنف والسرقة الممنهجة للأراضي والمقدسات الفلسطينية وصولاً إلى الاعتراف الأميركي بالقدس الشريف عاصمة لهذا العدو المحتل. في العام تسعين تصدر غزو صدام للكويت المشهد الإعلامي واستمر ذلك بالتزامن مع العمليات العسكرية التي قادت إلى التحرير العام واحد وتسعين، ثم ما لبث أن عاد الشأن العراقي بقوة ليتصدر العناوين مع انطلاقة الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة لإسقاط نظام البعث في 2003 وما تبع ذلك من جرائم تصفية مذهبية وعمليات إرهابية جعلت من هذا البلد في دوامة لا تنتهي من العنف، وجعلت من نشراتنا الإخبارية وصفحات صحفنا ومجلاتنا نذير شؤم لكثرة ما تنقله من موت ومآسٍ ومن يقف وراءها من ميليشيات وإرهابيين من قاسم سليماني إلى البغدادي مروراً بالزرقاوي وغيرهم من صناع الموت. مع نهاية 2010 تكرر السيناريو مع رصد تداعيات الربيع العربي وما خلفه من دمار في العديد من البلدان التي زارها خصوصاً في سورية التي لم تفلح آلاف التقارير والتغطيات الإعلامية التي تفضح انتهاكات نظام الأسد واستخدامه المفرط للقوة العسكرية والأسلحة المحرمة دولياً بما فيها السلاح الكيماوي في تحريك المجتمع الدولي أو التخفيف من معاناة الشعب السوري المستمرة منذ سبع سنوات. والآن تحتل إيران معظم أخبارنا حتى أصبحت شغلنا الشاغل، وكل يوم ليس لنا سوى الحديث عن دعمها للميليشيات في المنطقة ووقوفها وراء الانقلابيين في اليمن وتزويدها لهم بالصواريخ لتهديد أراضينا ومواطنينا ناهيك عمّا تمارسه من قمع لشعبها التواق للخروج من سجن الملالي وأزماتها مع دول العالم بما في ذلك الملف النووي، وتهديدها للملاحة البحرية والأمن الدولي... إلخ. كل ما تقدم جعلها ضيفة ثقيلة الظل فيما نقدمه لمشاهدينا وقرائنا، ولو تأملنا جيداً لوجدنا بأن كل هذه الاتهامات التي تطال إيران ليست موضع شك إلا أن تكرارها بهذا الأسلوب سيجعل التفاعل معها أقل كفاءة وجدية على السواء لدى المشاهد العربي والغربي وهذا ما يدفعنا للمطالبة بإيجاد مقاربة جديدة للتعامل إعلامياً مع أزماتنا، ولعل التركيز على سلبيات الآخرين بهذه الطريقة سيخلق حالة غير مرغوبة من التبلد لدينا، وسيجعل من أعدائنا نجوماً منحناهم دون قصد جرعات تضخيم ومساحات أكبر على حساب بطولاتنا التي أظهرت أحجامهم الحقيقية. Your browser does not support the video tag.