يغادر بيروت اليوم السبت، الرئيس اللبناني ميشال سليمان، متوجهاً الى واشنطن تلبية لدعوة رسمية من الرئيس باراك أوباما الذي سيستقبله مع الوفد المرافق يوم الاثنين المقبل. ويُستدل من مراجعة برامج الرحلات الخارجية لأحد عشر رئيساً لبنانياً، أن أمين الجميل كان الرئيس الوحيد الذي زار واشنطن رسمياً بدعوة من الرئيس رونالد ريغان. ويقول مؤرخو تلك الحقبة إن الورطة العسكرية الأميركية في لبنان كانت الموضوع البارز في محادثات تكررت مرتين، خصوصاً قبل إلغاء اتفاق 17 أيار (مايو). الرئيس سليمان فرنجية سافر الى نيويورك لدعم موقف ياسر عرفات أثناء زيارته التاريخية للأمم المتحدة في خريف 1974. الرئيس إلياس سركيس تلقى دعوة رسمية من واشنطن أثناء احتدام المعارك بين الميليشيات المسيحية والمقاومة الفلسطينية، بعد تهديده بالاستقالة. ولكنه اعتذر عن تلبيتها بسبب الاوضاع الامنية. وبعد توسط عدد من زعماء الدول العربية والأوروبية، تراجع سركيس عن الاستقالة، مشترطاً تلبية دعوة واشنطن بعد استقرار الوضع الداخلي. ولكن الوضع الداخلي الأمني ازداد عنفاً واضطراباً، الأمر الذي منع سركيس من مغادرة القصر الجمهوري. زيارة الرئيس رينيه معوض السرية لواشنطن لم يُعلن عنها في حينه لأنها تمتْ على هامش اجتماعات مؤتمر الطائف. وقد اقتصر اللقاء السريع مع الضيف الذي وصل على متن طائرة خاصة، على ثلاثة من كبار موظفي الإدارة. الرئيس جورج بوش الأب استقبل الرئيس إلياس الهراوي مع رئيس الحكومة آنذاك عمر كرامي ورئيس مجلس النواب حسين الحسيني، أثناء حضورهم جلسات الجمعية العامة في نيويورك. أما الرئيس إميل لحود فقد اقتصرت زيارته لنيويورك على المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة. يُستفاد من هذه المراجعة أن دعوة الرئيس ميشال سليمان من جانب الرئيس الأميركي باراك أوباما، تندرج في خانة التعرف الى قيادات المنطقة التي تعتبر أكثر المناطق سخونة واضطراباً. صحيح أن لبنان لا يشكل حجر زاوية في عمارة دول الشرق الأوسط مثل مصر وتركيا والسعودية وسورية والعراق... ولكن الصحيح أيضاً أن دوره في مستقبل المنطقة سيكون مهماً، خصوصاً بعد التهديد الذي أطلقه بنيامين نتانياهو هذا الأسبوع، عندما وصف قوات «حزب الله» بأنها جيش لبنان الحقيقي. وقال في معرض التحذير «إن الحكومة اللبنانية و «حزب الله» تحولا الى شريكين، الأمر الذي يجعلهما مسؤولين عن أي عملية عسكرية ضد إسرائيل». هذا، وكان وزير الدفاع إيهود باراك قد هدد بتدمير البنى التحتية في لبنان مدعياً أن إسرائيل في حرب 2006 حيّدت مؤسسات الدولة واكتفت بتدمير الجسور كي تمنع وصول شحنات الصواريخ المرسلة من سورية الى جنوب لبنان. ومن المؤكد أن هذا الموضوع الخطير سيكون في طليعة المسائل المهمة التي سيبحثها الرئيسان خلال اجتماعهما يوم الاثنين المقبل، خصوصاً أن البيت الأبيض تلقى نسخة من الرسالة التي وقعها 31 عضواً في مجلس النواب والموجهة الى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وتحتوي الرسالة التي يقف وراء إعدادها «اللوبي اليهودي» بواسطة النائب الجمهوري مارك ستيفن كيرك والنائب الديموقراطي ستيف إسرائيل، على ثلاثة مطالب: أولاً – قبل نزع سلاح «حزب الله» ووقف انتهاكاته للقرار 1701، لا يجوز إرسال المساعدات العسكرية للجيش اللبناني والمقدرة بمئة مليون دولار. كما لا يجوز تمويل قوات ال «يونيفيل»، والمقدرة حصتها من موازنة سنة 2010 بنحو 210 ملايين دولار. ثانياً – كثّفت سورية تزويد «حزب الله» بصواريخ متطورة أرض – أرض، مما يزيد من فرص الصدام على جبهة الجنوب اللبناني بهدف تحويل الاهتمام الدولي عن مسألة البرنامج النووي الإيراني. والقرينة على تأكيد الاستعداد للحرب انفجارات مستودعات سلاح تابعة ل «حزب الله» في الجنوب، ومصادرة شحنة من الأسلحة الإيرانية المرسلة الى الحزب على الباخرة «فرانكوب». ثالثاً – نظراً الى احتمال حصول تصعيد مدعوم من إيران على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، يتعين على الإدارة الأميركية التدخل لمواجهة مثل هذه الأخطار، خصوصاً بعدما تسلح «حزب الله» بصلاحيات «الفيتو» على كل قرارات الحكومة الجديدة. مصادر ديبلوماسية في بيروت فسرت هذه المطالب بأنها جزء من حملة الضغط على إدارة أوباما لعلها تجمد عملية تقديم السلاح الى الجيش اللبناني. كما فسرتها الصحف الإسرائيلية بأنها تحضير إعلامي لتبرير الهجوم الانتقامي على مواقع «حزب الله»، وعلى البنى التحتية ومؤسسات الدولة كالمطار ووزارة الدفاع وشركة الكهرباء. ويلتقي هذا التفسير مع تحليلات المعلقين الفرنسيين الذين يتوقعون هجوماً إسرائيلياً جوياً على مستودعات «حزب الله» بهدف استفزاز إيران ودفعها للقيام بعمل عسكري يكون المبرر لضرب منشآتها النووية. وذكرت صحيفة «هآرتس» بالاستناد الى تقرير أعده معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن إسرائيل ستضرب ثلث المنشآت النووية الإيرانية على أمل تأخير البرنامج سنوات عدة. وفي تعليقه على هذه التوقعات، صرح وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي، أن بلاده مستعدة لتدمير المراكز النووية في إسرائيل إذا غامر نتانياهو بضرب المشروع النووي في الجمهورية الإسلامية. يتوقع المراقبون في واشنطن أن يستعرض الرئيس أوباما كل احتمالات الحرب والسلام مع ضيفه الرئيس اللبناني ميشال سليمان. وهو يتطلع الى الوطن الصغير كصاحب دور كبير يمكن أن يساهم استقراره في نشر الاستقرار داخل منطقة الشمال الغربي من العالم العربي. وبما أن السفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان أصبح مساعداً لوزيرة الخارجية، فإن مشروع تسليح الجيش اللبناني الذي عرضه سنة 2006 على قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان، يمكن أن يتحقق. وتؤكد مصادر وزارة الدفاع اللبنانية أن الوزير إلياس المر قد يسافر الى موسكو في الربيع المقبل للإشراف على تسليم عشر طائرات حربية من طراز «ميغ – 29» كانت حكومة بوتين قد أهدتها الى الجيش. من أهم المسائل المطروحة للبحث بين الرئيسين الأميركي واللبناني، مسألة سلاح «حزب الله». ومع أن مبعوث أوباما الى الشرق الأوسط جورج ميتشل قد شرح للإدارة تعقيدات الوضع اللبناني وصعوبة الطلاق بين الثورة والدولة، إلا أن المجتمع الدولي لا يفهم صيغة الديموقراطية التوافقية. وربما يضطر الرئيس سليمان الى شرح هذه الأحجية التي وردت في خطاب القسم (25 – 5 – 2008) على النحو الآتي: «ان نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة. واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها، ونجاحها في إخراج المحتل يعود الى بسالة رجالها وعظمة شهدائها. إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال يحتم علينا وضع استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازمة مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة خدمة لهذه الاستراتيجية». ولكن، هل يلقي «حزب الله» سلاحه في حال قررت إسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا؟ قبل سنة أعلنت المقاومة الإسلامية أنها لن تلقي السلاح قبل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء المحتل من قرية الغجر. ولما شعرت هذه المقاومة أن الحكومة اللبنانية قد تنجح من طريق الديبلوماسية في إجبار إسرائيل على الانسحاب، أعلن «حزب الله» أنه لن يتخلى عن سلاحه حتى لو انسحبت إسرائيل من لبنان. وبرر هذه الحيازة بالقول إن سلاحه سيحمي لبنان، وأن دوره ليس محلياً بل إقليمياً. وفسر الفريق الداعم لدور الدولة هذه الازدواجية بأنها خروج عن منطق الشرعية، وتبرير لدور يخدم مصالح إيران وسورية ويضعها قبل مصلحة لبنان. ومعنى هذا في نظر المشرّعين، أن الاحتفاظ بسلاح المقاومة الى ما بعد الانسحاب من الجولان وإنشاء دولة فلسطينية وإنتاج قنبلة نووية إيرانية وانتصار الحوثيين في اليمن... معناه العملي زعزعة الوحدة الوطنية وتدمير مقومات الدولة والعودة الى عصر الميليشيات المسلحة. وكما كانت الأحزاب اليسارية في لبنان تصنف الدول بين «صديقة» و «عدوة» قبل انهيار المنظومة الاشتراكية، هكذا صنف «حزب الله» الدول في وثيقته السياسية. وجاءت الولاياتالمتحدة في مركز الصدارة باعتبارها تحمل مشروعاً يحمي إسرائيل ويجدد الاستعمار ويقوض الإمكانات الروحية والحضارية والثقافية لشعوب المنطقة. وبحسب الوثيقة، فإن واشنطن هي أصل كل إرهاب، وصاحبة مشروع الرأسمالية المتوحشة. كذلك تضمنت الوثيقة تعاطفاً مع كل الدول والمنظمات المعادية للولايات المتحدة. وكان من الطبيعي أن يطرح توقيت إعلان الوثيقة بعض الأسئلة المتعلقة بزيارة الرئيس سليمان لواشنطن، وما إذا كانت هذه الزيارة ستتم برضا دمشق أم لا؟! الجواب تعطيه الزيارة المفاجئة التي قام بها لدمشق العماد ميشال عون، رئيس تكتل «التغيير والإصلاح». وذكرت الأخبار أن الرئيس السوري بشار الأسد بحث مع العماد عون العلاقات اللبنانية – السورية والوضع الإقليمي. وترجمت جماعة 14 آذار هذا اللقاء بلغة التدخل السافر في الشأن اللبناني بعد تدشين علاقات ديبلوماسية وصفت بأنها تؤسس لاستقلال البلدين وقرارهما الحر. ورأت أن دمشق نقضت تعهداتها بالتزام خط محايد بين القوى اللبنانية المتصارعة على الحكم. وهكذا تحولت الى فريق منحاز، علماً أن الفريق الذي تخاصمه بواسطة عون، لا يكن لها سوى المحبة والاحترام. ويرى آخرون أن عون أصبح ميزان الحرارة بالنسبة الى العلاقات السورية – اللبنانية، وأن الترحيب به في دمشق لم يكن أكثر من رسالة واضحة فهم فحواها البطريرك الماروني نصرالله صفير ورئيس الجمهورية ميشال سليمان! * كاتب وصحافي لبناني