سألني: هل تذكر أول كتاب قرأته في طفولتك؟ شعرت نحوه بالألفة فقلت فوراً: وهل تذكر كيف تنقلنا بين أنواع الكتب بمرور العمر؟ أول كتاب قرأته في حياتي كانت رواية بوليسية سرقتها من جارنا العازب.. كنت في السابعة من عمري، وكانت حلقة من سلسلة تدعى "المغامرون الخمسة".. أذكر أنني أحببتها لدرجة قررت عدم إرجاعها وأقنعت نفسي أن سرقة الكتب ليست حراماً.. وخلال الشهرين التاليين اشتريت كامل المجموعة - وما زلت أحتفظ بأعداد منها.. وفي السنوات التالية قرأت كوخ العم توم (لهيريت ستو) وروبنسون كروزو (لدانيال ديفو) وأحدب نوتردام (لفيكتور هوغو).. وتلك كانت آخر عهدي بقراءة الروايات الطويلة حيث فشلت بعد سن الابتدائية في إكمال أي رواية تقليدية.. عقلي البراغماتي لم يعد يرتاح لمتابعة قصص (غير حقيقية) لا تقدم معرفة عملية.. غير أن الأمر كان مختلفاً فيما يخص قصص الخيال العلمي التي استمررت في قراءتها حتى انتهائي من المرحلة الثانوية.. كانت استثناء لأنها تدور حول أفكار علمية رائدة وتطبيقيات تقنية واضحة.. كنت أتعلم من خلالها معارف جديدة ويسرح خيالي بفضلها بعيداً. لهذا السبب كنت (وما زلت) أشعر أنني قريب من كتاب الخيال العلمي أكثر من كتاب الروايات التقليدية.. أعترف أنني لم أقرأ شيئاً لنجيب محفوظ أو غادة السمان أو الطيب الصالح أو حتى عصفورية غازي القصيبي.. ما زلت أقنع نفسي بأنني سأقرأ ذات يوم روايات ما زالت تنتظر في مكتبتي مثل مدن الملح (لعبدالرحمن منيف) ومئة عام من العزلة (لغابرييل غارثيا) وآلموت (لفلاديمير بارتول).. وفي المقابل تعرفت مبكراً على رواد الخيال العلمي مثل جون ويلز (الذي ابتكر فكرة آلة الزمن) وجول فيرن (أول من تنبأ بالصعود إلى القمر وتحدث عن إلغاء الجاذبية) وإسحق عظيموف (الذي ألف 500 رواية وابتكر كلمة روبوت) وآرثر كلارك (أول من قدم فكرة الأقمار الاصطناعية والذكاء الافتراضي) ناهيك عن مصطفى محمود (الذي كتب رواية العنكبوت ورجل تحت الصفر) ونهاد شريف (الذي يعد رائد الخيال العربي وله الكثير من الروايات أبرزها قاهر الزمن والماسات الزيتونية).. أما أول رواية علمية قرأتها كاملة فكانت لجون ويلز بعنوان حرب العوالم (التي صدرت لأول مرة عام 1897).. ومعظمنا يعرف هذه الرواية لأنها تحولت إلى 21 فيلماً كان آخرها فيلم يحمل نفس الاسم شاهده معظمنا.. تعلمت منها لأول مرة طريقة عمل البكتيريا وجهاز المناعة وقدرة البشر على التكيف مع جراثيم الأرض.. فبعد أن اكتسحت المخلوقات الفضائية الأرض (وظن البشر أنهم هالكون لا محالة) بدأت بالموت والتساقط لاحقاً بلا سبب واضح.. كان السر أن في الأرض جراثيم لا تضر البشر (كونهم امتلكوا مناعة ضدها عبر القرون) ولكنها تعد خطيرة وفتاكة بالنسبة لمخلوقات جديدة لم تعش على الأرض منذ قرون.. لهذا السبب قلت في أول المقال: إن الروايات العلمية لا تشحذ الخيال فقط، بل وتقدم المعرفة ضمن قالب مشوق وممتع.. .. بقي أن تخبرني أنت بأول كتاب قرأته في حياتك؟. Your browser does not support the video tag.