ويل وويل لأعداء البلاد إذا ضجّ السكون وهبّت غضبة الثار ! البردوني خطاب الشاعر اليمني عبدالله البردوني عن صنعاء لم يكن يحمل دلالة المكان فقط بل يحمل وجوهاً كثيرة، يخاطب العقل والعاطفة، يخاطب الجسد، يخاطب الإنسان والإنسانية، يستحضر التاريخ فيه ويتنبأ بالمستقبل، ويقرأ الأحداث التي مرت والتي قد تأتي إن ظلت صنعاء على وضعها ولم تتغير. والصبغة التي يحملها هذا الشعر، ليس عن صنعاء فقط، بل بشكل عام في شعره، هي صبغة السؤال الذي يعد متفرداً فيه من بين كل شعراء العربية، فالسؤال في قصيدِهِ يحمل أبعاداً مستمرة لم تتغير ويريدها أن تشعر وأن تحس بما هي فيه: أصنعا ... ولكنّ متى تأنفين يقولون قد كنت يوما منيفه؟ متى منك تمضين عجلى إليك ؟ ترين اخضرار الحياة النّظيفه أمن قلب أغنية من دموع . ستأتين ..؟ أم من حنايا قذيفه؟ ليست هذه الأسئلة الوحيدة التي يطلقها الشاعر عن هذه الخضراء، بل إنه يستبطن بأسئلته ما سيأتي: ماذا جرى ..؟ لم يجر شيء هنا صنعاء لا فرحى ... ولا آسفه!! حالة التردد التي تحدث اليوم في قلب صنعاء، ومنذ الثورة تعيش وهي في حالة من الجمود إذ إنها مشلولة لا تدري ماذا جرى؟ ولكنها تجيب في نفس الوقت فهي لم تفرح لما يحدث وفي نفس الوقت لم تأسف له، فأصيبت في مقتل جراء هذا التردد الذي لم يخرجها من الظلمات إلى النور، وكأني به يوجه رسالته وأيضاً عبر السؤال ليقول للشعب: أتدرين يا صنعاء ماذا الذي يجري تموتين في شعب يموت ولا يدري؟ وترتفع وتيرة الموت في قصيدته "مدينة بلا وجه" ويحث من يعيشون فيها على أنكم تدارون موتكم وتستحون منه ولا تريدون للعالم أن يراه، لأن هذا الموت الذي حل بكم مزري، ولا تريدون التخلص منه، ومن عبثيته، رغم أنه في أيديكم وهو طاعون يستشري فيكم ولكنكم تبقون على الأمل بين حناياكم معتقدين أن مولد النور سيأتيكم، بينما ما يحدث أمامكم هو الظلام. تموتين لكن كلّ يوم وبعدما تموتين تستحين من موتك المزري ويمتصّك الطاعون لا تسألينه إلى كم .. ؟ فيستحلي المقام ويشتري تموتين لكن في ترقب مولد فتنسين أو ينساك ميعاده المغري إن شعر البردوني الذي تركه لليمن يغلب عليه الأنين، وصرخته في قصيدة "مواطن بلا وطن" تستقرئ الحاضر عندما يقول: مواطن بلا وطن لأنّه من اليمن واليوم لم تعد له مزارع ولا سكن ولا ظلال حائط ولا بقايا من فنن فهو يصف الحالة التي تعيشها اليمن وخصوصاً صنعاءالمحتلة من قبل جماعة اتخذت من ثورة الملالي شعاراً لها، فلم تبق لأهل صنعاء وما حولها شيئاً. وها هو يقول في قصيدته "سفاح عمران" لأهل اليمن كافة أنظروا من يسرقكم ومن ينكل بكم، ومن يجوعكم؟ ويتساءل في النهاية من يا أهل صنعاء سينقذ المدينة من شرورهم: يا سارق اللّقمات من أفواه أطفال المدينه يا ناهب الغفوات ، من أجفان صنعاء السّجينه من ذا يكفّ يديك ، عن عصر الجراحات الثخينه إن جحيم الدمار الذي خلفه الحوثي في صنعاء، وتفشي الأمراض فيها يحيلنا إلى تساؤليته الكبيرة لأبي تمام التي يقول فيها: ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي؟ مليحة عاشقاها: السل والجرب ماتت بصندوق وضاح بلا ثمن ولم يمت في حشاها العشق والطرب صورة تنبئ عن أن أهل صنعاء يحبون الحياة ويريدون العيش بعيداً عن المنغصات التي هم فيها الآن فرغم الموت إلا العشق والطرب ما زال في الأحشاء.. ولهذا يُوجد الشاعر الأمل وهو يسأل أبو تمام: ألا ترى يا أبا تمام بارقنا (إن السماء ترجى حين تحتجب) وعلى الرغم من هذا التفاؤل الذي وجهه نحو "أبي تمام" كرمز لعروبة اليمن، إلا أنه يرى ببصيرة فظاعة الأمر الذي تمر به صنعاء واليمن هذه الأيام، حين يقول: فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري وهل تدرين يا صنعاء من المستعمر السري غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري ولعبة الموت في صنعاء تكررت في قصائد الشاعر وتأخذ عدة نواح، وترتبط بالزمن وبالشخص وبالمكان، وهناك انتظار دوما لميلاد جديد في هذه الخضراء التي تأبى أن تستسلم وأن تبقى على متناقضاتها دون أن تقف ولو للحظة واحدة، وقصيدة "صنعاء والموت والميلاد" تحمل دلالاتها البعد الذي يردده الشاعر وهو أن تكرار الموت والميلاد سمة قائمة في "صنعاء" ولدت صنعاء بسبتمبر كي تلقى الموت بنوفمبر لكن كي تولد ثانية في مايو ... أو في أكتوبر في أوّل كانون الثاني أو في الثاني من ديسمبر مادامت هجعتها حبلى فولادتها لن تتأخّر رغم الغثيان تحنّ إلى : أوجاع الطلّق ولا تضجر ينبي عن مولدها الآتي شفق دام فجر أشقر أشلاء تخفق كالذكرى وتنام لتحلم بالمحشر ورماد نهار صيفي ودخان كالحلم الأسمر ونداء خلف نداءات لا تنسى (عبلة) يا (عنتر) وتظلّ تموت لكي تحيا وتموت لكي تحيا أكثر وأخيرا هل سنبقى نردد مع الشاعر يا شمس صنعاء الكسول أما بدا لكِ أن تدوري أم أننا سنبقي حالة الموت في صنعاء وسنردد معه: صنعاء يا أخت القبور ثوري فإنكِ لم تثوري؟ الشاعر عبدالله البردوني محمد الغامدي