لم يبالغ من وصف الشاعر الراحل عبدالله البردوني بمتنبئ عصره، فشعره مليء بنبوءات ظهرت، ونبوءات لم تظهر، وكثيراً ما حرك «عرّاب الأيام الخُضر» وجدان عشاق شعره بأسئلة كبرى عن الموت والولادة، وأعاد صياغات الذاكرة العربية بما يجب على الحكماء من جمع الكلمة ووحدة الصف، وما يحدث في اليمن أمس واليوم يعيدنا إلى قصيدته الاستشرافية «صنعاء والميلاد الجديد»؛ إذ يروي فيها مجريات الولادة الجديدة للعاصمة وموت ونهاية من ظنوا أنها ماتت، أو سعوا لإماتتها، ليسجل البردوني اسمه مجدداً في سفر الخلود، ويؤمن لشعب عظيم من قلائد شعره أطواق نجاة من اليأس مبشراً بولادة يمن جديد «ولدت صنعاء بسبتمبر.. كي تلقى الموت بنوفمبر.. لكن كي تولد ثانية في مايو.. أو في أكتوبر في أول كانون الثاني.. أو في الثاني من ديسمبر.. ما دامت هجعتها حبلى.. فولادتها لن تتأخّر.. رغم الغثيان تحنّ إلى: أوجاع الطّلق ولا تضجر». وترسم بشارة «الولادة البردونية» أن من أدخل معقل العرب في دوامة لم يعد أمامه إلا الفرار إلى حضن أسياده في قم إن لم يكن هرب فعلاً، ليعود اليمنيون بالأمس القريب إلى صوت البردوني المنادي لهم بالالتفاف حول راية الحق والصدق، فعادوا وقلبوا للسفاح ظهر المجن. ويؤكد الإعلامي اليمني جلال الشرعبي ل«عكاظ» أن البردوني سبق عصره بمراحل وكشف مبكراً أوراق الظلمة والخائنين لأوطانهم والعملاء ومجرمي الحرب، موضحاً أن طائفية الحوثي وجماعته تجلت من خلال روح عدوانية على مؤسسات الدولة، ومقدسات المواطنين، ليحضر البردوني مجدداً «ينبي عن مولدها الآتي.. شفق دام فجر أشقر.. ميعاد كالثّلج الغافي.. وطيوف كالمطر الأحمر.. أشلاء تخفق كالذكرى.. وتنام لتحلم بالمحشر.. ورماد نهار صيفي.. ودخان كالحلم الأسمر.. ونداء خلف نداءات.. لا تنسى عبلة يا عنتر.. أسماء لا أخطار لها.. تنبي عن أسماء أخطر». فيما عدّ الكاتب اليمني سام الغباري نبوءة البردوني خير شاهد على ما حدث، فالحوثيون أشبه بالوحوش، يمضون باتجاه إزالة أي أثر وظيفي لليمنيين في جهاز الدولة الإداري.