ما زالت جدة تدفع فاتورة خسائرها المادية جراء السيول في كل من العامين 2009 و2011 م، والتي قدرها تقرير صدر عن البنك السعودي الفرنسي في 2011 بنحو 17 مليار ريال (4.5 مليارات دولار) كما قدر الحاجة حينها إلى استثمارات رأسمالية في البنية التحتية بنحو 45 مليار ريال (12 مليار دولار) وذلك لاستيعاب مواسم الأمطار مستقبلاً. وقال د. نبيل محمد علي عباس ممثل المملكة والخليج العربي بالاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين إن الحديث عن خسائر عروس البحر الأحمرجدة جراء السيول والفيضانات والأرقام الكبيرة في معدلات الخسائر البشرية والتي هي خسائر لا يوجد قيمة مالية تعوضها والخسائر المادية الضخمة يدفعنا للتذكير بأن المسببات الأساسية لتلك الخسائر الضخمة كانت بسبب تزامن الفساد والتباطؤ في تنفيذ المشروعات المهمة والضرورية وتأجيلها إلى أن تراكمت بشكل كبير. وأشار عباس إلى أن الجهود المبذولة نجحت بشكل كبير في تنفيذ الكثير من المشروعات الخاصة بالبنية التحتية ومشروعات درء السيول في مدينة جدة ويلزم أن تبقى دروس الماضي في أذهان الجميع لكيلا يتكرر الخطأ ونجد أنفسنا أمام كارثة أخرى. وبالرجوع لما تسببت فيه السيول والفيضانات بجدة في 2009 م فقد أدت إلى وفاة 116 شخصًا وأكثر من 350 اعتبروا في عداد المفقودين كما تضرر ما يزيد عن 3000 سيارة وخسائر ضخمة بالبنية التحتية إذ جرفت السيول العديد من المشروعات القائمة، وفي العام 2011 م أدت السيول إلى وفاة 100 شخص وإصابة المئات وقطع التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة من الأحياء وأعلنت الجهات المختصة حينها غرق أكثر من 40 موقعاً في المدينة، وقد نجحت الدولة بتعويض الأهالي في جدة كما قدمت العديد من المتورطين بقضايا الفساد سواء من موظفي القطاع الحكومي أو القطاع الأهلي للمحاكمة وتم تجريم العديد ممن ثبت تورطهم في تلك القضايا والحكم عليهم، كما بدأت الدولة بتخصيص أموال كافية للمدن الكبرى الأخرى في السعودية لكي لا تتعرض لما شهدته جدة . وأكد عدد من المختصين في علم الاجتماع والنفس على أن الآثار السلبية لكارثة سيولجدة تظل ذكراها عالقة في أذهان الناس وستصبح مشاهد الغيوم والتنبؤ بحالة الأمطار وصوت الرعد والبرق هاجساً يقلق مضاجعهم بالإضافة إلى أن بعض المتضررين من الكارثة ستظل مشاهد الغرقى وجرفان السيول للسيارات والممتلكات في كل مكان من أصعب المواقف التي مروا بها خاصة أن شعورهم بالظلم يغلب عليهم بسبب أن ما حدث لهم كان بسبب إهمال المسؤولين المعنيين بتوفير السلامة للأحياء السكنية. من جانبه قال طلال الناشري نائب رئيس الجمعية السعودية للخدمة الاجتماعية الصحية إن الأضرار الاجتماعية التي نجمت عن كارثة سيولجدة تأتي في مقدمتها تشتت الأسر والبعد عن أحيائهم التي اعتادوا السكن فيها وفقدان الأب والأم أو أحد الأبناء وفقدان الممتلكات ولغة التواصل فيما بينهم والأصعب فقدان الشعور بالأمان وتظل مشاهد السيول عالقة في أذهانهم وتنتابهم نوبات الخوف والهلع أثناء النوم بالإضافة إلى الفوضى والمشاهد المرعبة التي عاشوها من غرق أشخاص أمام أعينهم وجرفان السيول للسيارات وغرق المنازل. وأضاف أن سيولجدة تأثر بها الجميع دون استثناء ولا أبالغ إذا قلت إنها سلبت المتضررين الابتسامة والشعور بالأمان وبعضهم رغم مرور سنوات على الحادثة ما زال يعيش في ألم خاصة لمن فقد أهله أو عزيزاً له وكلما يتذكر الحادثة قد يفقد شهية الأكل والرغبة في العيش بسعادة، وافقدته الثقة في الجهات المسؤولة التي تسببت بالحادثة بسبب إهمالها لأخذ الاحتياطات والوسائل التي يجب أن تتوفر في الأحياء العشوائية، لافتاً إلى أن الصدمات التي تنتج عن الكوارث الطبيعية تشبه صدمة الموت المفاجئة للمتضررين وتجعلهم في خوف دائم من الغيوم وسماع صوت البرق والرعد والخوف من هطول الأمطار ويعيش اضطراب ما بعد الصدمة ولن يزول أثر الصدمة إلا بعد محاسبة المتسببين في هذه الكارثة حتى يشعر المتضرر أن المتسبب في الحادثة قد نال عقابه. وتوقع د. ماجد قنش استشاري علم النفس السلوكي أن الحالة النفسية لمتضرري سيولجدة تزول مع الدعم النفسي وجلسات المعالجة التي تساعد في تجاوز خط الصدمة الأول والأهم أن يتحلى المتضرر بالإيمان بالله وأن كل ما يحدث هو قضاء الله وقدره لافتاً إلى أن القرارات التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين بمحاسبة المقصرين ربما كانت البلسم الذي سيخفف أوجاع المتضررين وقد يكون سبباً لعودة الثقة إليهم من جديد وتأكيداً على أن هناك من سيحاسب كل مقصر في عمله وأن لا أحد فوق القانون مهما كان.