اليوم المملكة تحارب على جبهات كثيرة داخل المملكة وخارجها، لكن أخطر الأعداء هم أعداء الداخل ومن أخطرهم التطرف والفقر والفساد، والمملكة بقيادتها القوية وشعبها المخلص ستتغلب عليهم جميعاً بإذن الله.. يعد التمكين من أهم أسس الإدارة، وهو إعطاء الصلاحيات الكافية للقادة، وهو ما قام به الملك سلمان حين أسند الكثير من المهام لولي عهده الأمير محمد بن سلمان والذي بدوره أعطى من بعده من القيادات ما يلزمهم من صلاحيات لأداء مهامهم لتحقيق مرحلتي التحول والرؤية 2030 وما تتطلبه من مبادرات وتغييرات كبيرة لنقل المملكة من دولة يعتمد اقتصادها على سلعة ناضبة، إلى دولة ذات اقتصاد قوي يعتمد على مصادر متعددة من أهمها السياحة والتصنيع والخدمات، وأهمها جميعاً الإنسان. التغيير الثاني الكبير الذي تشهده المملكة هو التغيير الثقافي والفكري والذي أعلن عنه صراحة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وهو أنه لا مكان للتطرف في المملكة بعد اليوم، ذلك أن التطرف من أهم مصادر تغذية الإرهاب وعدم استقرار الدول، واختار ولي العهد بدلاً من ذلك الوسطية وهي الاعتدال في الأقوال والأفعال، وهذه مهمة صعبة وشاقة وبحاجة إلى الكثير من العمل والصبر والمتابعة. الوسطية والتسامح هو ما ضمن استقرار أوروبا وازدهارها بعد أن ملّت من الحروب الطائفية ومحاولات كل حزب أو مذهب إقصاء الآخر. المملكة ومنذ قيامها كانت حريصة على مكافحة الغلو والتطرف، لكن التطرف عاد بقوة من بوابة التعليم مع وصول أعداد كبيرة من حزب الإخوان المسلمين من مصر وغيرها من الدول العربية بعد القطيعة والدسائس التي كانت تحاك للمملكة من قبل القوى القومية، ثم تحالف الإخوان المسلمون القادمون إلى المملكة مع الفكر المتزمت الذي لا يرى سوى رأيه ولا يعترف إلا بمذهبه وأنه وحده هو من يملك الحقيقة، والأسوأ أن هذا التحالف وجد طريقه إلى التعليم وتغلغل داخل كل مفاصله، وتمكن من تغيير المناهج واعتلاء المنابر، بل وتم تصديره إلى خارج المملكة بوسائل كثيرة، وقد ازداد الأمر سوءاً بقيام حدثين مهمين هما الثورة الإيرانية والاعتداء على الحرم، ثم الجهاد الأفغاني مما جعل التطرف يصل إلى ذروته ويفرز الإرهاب وما سمي بالحركات الجهادية. اليوم المملكة تحارب على جبهات كثيرة داخل المملكة وخارجها، لكن أخطر الأعداء هم أعداء الداخل ومن أخطرهم التطرف والفقر والفساد، والمملكة بقيادتها القوية وشعبها المخلص ستتغلب عليهم جميعاً بإذن الله وخاصة مع الاهتمام بالعناصر التالية: أولاً. التعليم هو الأساس لنهضة المملكة، ومن خلاله يمكن أن نحارب التطرف ونعزز الوسطية والاعتدال، فالتعليم هو القاطرة التي تأخذ المجتمع من محطة فكرية إلى أخرى، وهو المحطة التي يمر بها كل طفل ويبقى بها ما لا يقل عن اثني عشر عاماً يمكن خلالها أن نزرع فيه ما نشاء من أفكار وعادات وقيم وسلوك، وتعليمنا اليوم لن يواكب متطلبات الغد وطموحات ولي العهد إلا بإصلاح جذري يضع أمام نصب عينيه كيف نريد أن يصبح المواطن في عام 2030 من النواحي الفكرية والمهارات والسلوك ومدى تمتعه بالصحة النفسية والبدنية، وكل ذلك يمكن أن يتحقق من خلال التعليم النوعي الذي يعتمد على تنمية القدرات بالممارسة والتطبيق وتنمية الفكر الناقد. ثانياً. الدولة الحديثة التي يضع أسسها الملك سلمان ويشرف عليها ولي العهد الأمير محمد هي دولة مؤسسات قوية، وسلطات يساند بعضها بعضاً، ومن أهم السلطات التي بحاجة إلى تقوية السلطة التشريعية والرقابية التي تتمثل في مجلس الشورى، والذي يقوم بدراسة الأنظمة بالاشتراك مع مجلس الوزراء، ومن المعلوم أنه كلما كانت الأنظمة مدروسة ومكتوبة بعناية كانت مهمة القضاء والجهات التنفيذية أسهل وأقل أخطاء، أما المؤسسات الرقابية فهي المحجم للفساد أعدى أعداء التنمية، وهي العين الساهرة على مقدرات الوطن، وضمان ردع كل التجاوزات وتعزيز الشفافية. ثالثاً. في الدولة الحديثة يصبح الإعلام شريكاً وسلطة رابعة يتم من خلاله طرح كل ما يهم المواطن ويقيس نبض الشارع ويمارس النقد البناء لكل خلل أو تجاوز، ولولا النقد البناء بحرية وتشجيع من الدولة لما كان الإصلاح، وأكثر دول المنطقة التي أصابها ما يسمى بالربيع العربي كانت تفتقد إلى الشفافية والنقد البناء المخلص. اليوم تتجه بوصلة الإصلاح في المملكة إلى أكثر من اتجاه، ففي الاقتصاد تنوع وابتكار، وفي المجال الفكري والثقافي تغيير إيجابي نحو المزيد من التسامح والوسطية وقبول الآخر، مملكة اليوم غير مملكة الأمس، اليوم يحاول قادة المملكة اللحاق بركب الأمم المتقدمة وأنا على يقين من الوصول إلى هناك بإذن الله.