من يتواجد خلف الشاشة تختلف رؤيته وأفكاره وحتى خياله عمن يتواجد أمامها، ومن يخلق المحتوى مرئياً أو مسموعاً تختلف نظرته عمن يتلقى هذا المحتوى كمنتج أخير جاهز. نجوم شبكات التواصل أو حتى المستخدم العادي لكي يصنع محتوى على هذه التطبيقات يحتاج لجهد ووقت وأحياناً مالاً لينتج محتوى قصيراً وقصيراً جداً قد لا يتجاوز حتى العشر ثوانٍ. ويحتاج لتفاصيل صغيرة ودقيقة وأحياناً غريبة لكي تخدم فكرته التي يريد تصويرها وعرضها للمتلقي. مع مرور الوقت في ممارسته لهذه الشبكات هو يخلق بوعي منه وأحياناً بلا وعي شخصية له عند جمهوره يشكلها كل محتوى يطرحه بشكل تراكمي. فإن كان المحتوى أو الشخصية التي تبناها كوميدية فلن يتقبل منه الناس محتوى هادفاً بعد أن أعجبوا بشخصيته الكوميدية وقد يكون العكس كذلك. وهذا القالب الذي وضع نفسه فيه سيكون من الصعب جداً الخروج منه فبالتالي سيستمر بشخصية جديدة ويتبناها ويعيش تفاصيلها طالما أن كاميرة هاتفه في وضع التسجيل. سيكون من المقبول تفهم هذه الفكرة ونمط الحياة هذه إذا كانت المحصلة النهائية موهبة ومصدر دخل للأشخاص مثلهم مثل الممثلين والمذيعين ومن يتواجد أمام الكاميرات بشكل دائم، لكن الاختلاف بين مشاهير ونجوم شبكات التواصل الاجتماعي وبين الممثلين المذيعين في الإعلام التقليدي. أن المذيعين والممثلين ساعات عملهم محدودة ومعروفة وبعدها يمارس نمط حياته الطبيعي ويلتقي بأصدقائه وأقاربه بشكل اعتيادي بينما الحالة مع نجوم شبكات التواصل أكثر تعقيداً وصعوبة لأنها غير مرتبطة بوقت محدد. فهاتفه بيده طول الوقت، ومطالب بتقمص الشخصية التي تبناها طول الوقت، بالإضافة إلى أن المعلنين وأصحاب المصلحة يتحكمون في نمط حياته وتفاصيل يومه وطريقة التصوير ومكان التصوير ومدة التصوير. هذا كله في كفة وتعامل هذا النجم مع بيئته المحيطة القريبة من أهل وأصدقاء بكفة أخرى. شخصياً شاهدت كثيراً من هؤلاء النجوم يلجؤون إلى السخرية من أصدقائه ويصورهم في وضع ساخر أو يخدش حرمة نومهم فقط لكي تستمر صورته الذهنية لدى جمهوره بأنه الكوميدي الأول من أبناء جيله! والبعض الآخر يتخذ من أفراد أسرته فرصة ليخلق محتوى سطحياً ضعيفاً فقط لكي يضمن استمرارية جمهوره والأسوأ إذا كان الطرف الآخر معه والده أو والدته. بخلاف هذا، لا أحد يرغب أن يقضي وقتاً مع شخص مرتبط بهاتفه طول الوقت أدمن التصوير والتغطيات. فسيتعامل مع الموجودين وكأنهم جمادات أو ممثلين كمبارص لمقاطعه. الهالة التي تصاحب بعض هذه النجوم تجعلهم في حالة تخدير كامل لا يعي يما يدور حوله، تغيب عن باله حدود العلاقات بين الأصدقاء تتبخر من عقله فكرة خصوصية الأسرة وقدسية الوالدين، تتلاشى من باله بأن مشاعر الآخرين وكرامتهم لا أحد يقبل بأن يتجاوزها. هم بلا شك مبدعون وأذكياء في الوصول ليكونوا نجوماً ويتابعهم مئات الألوف والملايين، لكنهم يحتاجون فقط أن يعرفوا المناطق التي بإماكنهم أن يتحركوا فيها دون تجاوز الحدود. ماجد الجريوي