لأي حراك اجتماعي، ثقافي، تقني، اقتصادي إفرازات سلبية مهما كان نوع هذا الحراك، فكيف لو اجتمعت التقنية مع الحراك الاجتماعي في نفس القالب؟! شبكات التواصل الاجتماعي أعطت الكثير لنا كمجتمعات لكنها كذلك أخذت الكثير، بخلاف الأشياء الظاهرة لنا والمتعارف عليها عند الغالبية، حيث سلبت هذه الشبكات الوقت والجهد وأحياناً المال. لكن الذي يغيب عن أذهاننا في شبكات التواصل الاجتماعي أنها سرقت منا شخصياتنا ومصداقياتنا أصبحنا نرتدي أقنعة (فلاتر) دائمة بغير إرادة منا، أصبحنا شخصيات مزيفة، وأحياناً تبدو شخصياتنا وكأنها دمى أو روبوتات ننفذ ما نتبرمج عليه من قبل المعلنين والمتابعين. لن أتحدث عن المشاهير ونجوم الشباك في هذا المجال فالحديث عنهم يطول، وقد تكون فعلاً حياتهم تغيرت رواسيها بسبب شهرتهم وحياتهم الجديدة، لكني سأخصص الحديث هنا حول الممارسين العاديين الذين يتعاملون مع شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مختلف عن استخدام المشاهير. بالتأكيد المستخدم العادي سيتابع مشاهير في هذا المجال ليشاهد ما يطرحوه بشكل يومي في مختلف المجالات. بعد فترة من المتابعة الدقيقة لروتين حياة هؤلاء الأشخاص تتولد لدى المتابع العادي رغبة بأن تكون حياته نفس حياة هذا المشهور من معرفة ومال وجمهور يقدر جهوده ومعجبين يصورون معه كل ما التقوه. هذا حق مشروع للجميع لكنه حتماً على حساب الصحة النفسية، فمتابعة المشهور الذي يطوف بلدان العالم، والمشهور الذي يستعرض بما لديه من مملكات، والمشهور الكوميدي الذي يلتقي عليه القوم في مجالسهم تجعل الممارس العادي لهذه الشبكات في حالة إحباط مزمنة بلا وعي منه. يبدأ بعدها لا شعورياً بتقمص شخصيات من يتابعهم فتبدأ شخصيته بالاضمحلال. فشخصياً أعرف بعض الأشخاص الذين لا يتابعهم الكثير وليسوا بشخصيات معروفة ولكنه عند طرحه لموضوع معين في حسابه في سناب تشات مثلاً يقول بكل نشوة " كثير منكم يسألني في الخاص من أين اشتريت هذا أو كيف تتكلم عن هذا وما هو رأيك في هذا؟" أجزم بأنه لم يسأل من قبل أي أحد من متابعيه الذين لا يتجاوزون العشرين متابعاً، ولكنه تقمص أسلوب المشاهير في ردودهم على متابعيهم. والبعض ممن يتمنى أن يكون حسابه يوماً ما وجهه للمعلنين كالمشاهير، يأخذ بالترويج لمنتج معين على أساس أنه إعلان دون ذكر التفاصيل الأخرى مما يجعل المتابع يضن أنه فعلاً دفع له مقابل هذا الإعلان. حالة التشابه في محتوى شبكات التواصل الاجتماعي جعلت أفراد المجتمع نسخاً من بعضهم البعض. المفارقة هنا تكمن في أن من أبرز مميزات شبكات التواصل الاجتماعي أنها ساهمت في تفتيت الجماهير وتنوعهم، لكن يبدو أن تقليد الأشخاص ليحاكي حياة المشاهير يجعل من الجماهير فئة واحدة وطبقة واحدة لا يتميزون عن بعض بشيء، يذهبون لنفس الأماكن يلبسون بنفس الطريقة ويتبعون نفس أسلوب الحياة.