يبدو أن طبيعة البشر، منذ القدم وحتى الآن، ميالة كل الميل إلى نقد وترصد وتعقب الآخر، بل وممارسة تشكيله وتنميطه وتوجيهه. هذه الطبيعة البيولوجية التي تُشكّل فكر ومزاج وسلوك البشر، بحاجة لأن تكون معلومة واضحة حتى نعرف كيف نتعامل مع بعضنا، وكيف نُدير حياتنا التي تغص بالعقد والمواجهات والصراعات. وبسبب هذه الطبيعة البشرية التي تكاد تُسيطر على كل تفاصيل حياتنا، تبرز قضية غاية في الخطورة والتأثير، كانت السبب الرئيسي في تمظهر حالة التأزم الخطيرة التي تعيشها أغلب المجتمعات، لا سيما المجتمعات العالمثالثية. صناعة الطابور أو ما يُعبر عنه بصناعة الظل، قضية خطيرة جداً، تسببت وما زالت في صناعة مجتمعات مشوهة ومستلبة وموجهة، وفاقدة القدرة على الإبداع والإنجاز والتميز. صناعة الطابور، ظاهرة سلبية تُصيب المجتمع بالوهن والضعف والتدهور، ويتحول إلى مجرد نسيج هلامي يغلب عليه الصوت الواحد والفكر الواحد والمزاج الواحد. وحتى أبرز القضية في سياقاتها المحددة ونطاقاتها الواقعية، أطرح هذا السيل من الأسئلة التي لا تبحث عن إجابات، ولكن إلى خلق حالة من الرفض المجتمعي لهذه الظاهرة الخطيرة: لماذا نعيش طيلة حياتنا تحت وطأة ضغط وسيطرة وتوجيه الآخر الذي يصنع منا نسخاً متشابهة؟، ولماذا نخاف من نقد وتعريض واستهداف الآخرين لأفكارنا وقناعاتنا ورغباتنا؟، من المسؤول عن غياب حالة الوعي والإدراك والرؤية في أغلب مجتمعاتنا؟، ولماذا يُسمح للبعض بممارسة وفرض آرائهم وثقافاتهم وقناعاتهم علينا؟، ولماذا نقبل بأن نكون مجرد ظل للآخر أو مجرد ترس في عجلة ما؟، ولماذا نلبس ونشرب ونأكل ونتخصص ونتزوج ونمارس كل تفاصيل حياتنا بأمر واختيار وتوجيه الآخرين؟ أسئلة كثيرة وكبيرة، بحجم كل الآمال والطموحات والتطلعات التي سرقها منا البعض الذي يعتبرنا مجرد أجندة أو روزنامة في مشروعه. نحن بحاجة لأن نصنع شخصيتنا/ هويتنا التي تشبهنا، والتي تتشكل من قناعاتنا وتجاربنا ورغباتنا، لا أن يُصيغها لنا مثقف أو عالم أو رمز. نعم، نحن بحاجة للاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين ولكن بالشكل الذي يتوافق ويتناسب مع ذواتنا وتطلعاتنا. قد يظن البعض بأننا إذا تماهينا مع الآخر أو انتظمنا في طابور ما، سنتجنب المتاعب والمشكلات، بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً، فنحن بذلك سنفقد ثقتنا بأنفسنا وبقدرتنا على التحرر من هيمنة الآخر. لا يهم، كيف ينظر لك الآخر أو ماذا يُريد منك البعض، المهم هو كيف تُقرر أن تصنع الحياة التي تُشبهك.