مازال ملف انتهاك حقوق الإنسان في إيران الرازحة تحت وطأة الملالي تحت مجهر ممثلي البلدان والمنظمات الدولية الداعية لحقوق الإنسان، وفي هذا الملف سبق أن أدينت إيران 63 مرة لانتهاكاتها السافرة فيه، وهذا الكم من الانتهاكات مقارنة بعدد السكان يجعلها تتبوأ وبلا منازع صدارة قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان حول العالم. وطوال 38 عاماً من حكم الدكتاتورية الدينية في إيران ظل هذا الملف مطوياً بسبب مسايرة الغرب له، لكن الآن مع التحولات التي طرأت على السياسة الدولية أصبح ملف حقوق الإنسان في إيران في دائرة الاهتمام الدولي أكثر من أي وقت مضى، هذا الأمر دفع النظام الإيراني إلى المبادرة وبسرعة إلى إزالة الآثار والأدلة التي تثبت جرائمه، وذلك عبر جمع هويات ضحايا المجازر التي نفذها وطمس المقابر الجماعية واعتقال شهود العيان في محاولة يائسة لمحو كل أثر لهذه الجرائم. وتعتبر جريمة إبادة أكثر من 30 ألف سجين سياسي خلال شهري أغسطس وسبتمبر من العام 1988 والتي نُفذت بأمر مباشر من المرشد السابق الخميني، تعتبر واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية، وسبق أن طالب المقرر الخاص للأمم المتحدة آنذاك السيد "غاليندوبول" بتحقيق هذا الملف بالذات، بعد أن تأكد أن الجريمة قد وقعت، وتم دفن ضحاياها في مقابر جماعية مجهولة، وبفتوى من الخميني أيضاً. وإضافة إلى هذه الجريمة أفتى الخميني مجدداً في يوليو من ذات العام بقتل آلاف الأشخاص بشكل عاجل، وتم دفن هؤلاء أيضاً في مقابر جماعية، دون تبليغ ذويهم بأماكن دفنهم. هذه الجرائم وغيرها ظهرت على السطح مؤخراً عقب التسجيل الصوتي الذي انتشر في العام 2016 لاجتماع مسؤولين كبار في النظام الإيراني آنذاك والذين أشرفوا على تنفيذ الإعدامات ودافعوا عن جريمتهم هذه فيه، ومن ضمن هؤلاء وزير العدل الحالي في حكومة روحاني. من يعرف القليل عن الحكومات الاستبدادية والمنتهكة لحقوق الإنسان في العالم، يصل إلى قناعة تامة أن إيران الرازحة تحت وطأه حكم نظام الملالي لابد أن توجد مقابر جماعية كثيرة جدا تم كشف البعض منها وتوثيقها، ولكن وبسبب سياسة الاسترضاء والمسايرة من جانب الغرب، بقي الكثير منها غير مكشوف. وأكد تقرير للأمم المتحدة على زيارة عائلات في مدينة مشهد في شهر مارس العام الماضي مقبرة جماعية في محافظة خراسان رضوي والتي دُفن فيها أكثر من 170 سجينا سياسيا في منطقة كانت سابقا مسطحة، لكن بعد الدفن تم سترها بالتراب لكي تظهر تلة على هذه المقبرة. وفي مدينة أهواز شوهدت مؤخراً جرافات تعمل هناك على مقبرة جماعية من أجل مشاريع بناء، وتبعد عن مقبرة "بهشت آباد" بمسافة ثلاثة كيلو مترات شرقا، ويعتقد الناس بأنها تضم رفات 44 شخصا على أقل تقدير من الذين تم إعدامهم و دفنهم هناك في صيف 1988. وقال رضا ملك الذي كان سابقا من معاوني وزارة المخابرات الإيرانية في زمن الملا علي فلاحيان، في تصريحات مذهلة من داخل السجن في عام 2008 مخاطبا فيها الأمين العام للأمم المتحدة: "إن جرائم النظام الإيراني وصلت إلى حد بحيث تم إعدام أكثر من 700 سجينا خلال أيام في عام 1988، وتم دفنهم في المقابر الجماعية". وكما قال طاهر بومدرا الذي كان سابقا من المسؤولين البارزين في الأممالمتحدة في العراق في أحد كلماته أمام محكمة لاهاي في هولندا: "في عام 2016 في جنيف وبناءً على طلب عائلات ضحايا مجزرة 1988، شكلنا لجنة تحت اسم "العدالة لضحايا مجزرة 1988"، وكان واجبها دراسة وثائق هذه الجريمة ومنفذيها وضحاياها وعناوين المقابر الجماعية حيث يعمل على هذا الموضوع عدد من المحامين الدوليين. ورغم أن المجتمع الدولي هو حاليا في نقطة البداية لطريق يجب أن يفضي إلى محاكمة من انتهكوا حقوق الإنسان في إيران و بالأخص مرتكبو مجازر الإبادة، لكن بصيصا قد لاح من بعد نشر التقرير الأخير للأمم المتحدة والسيدة عاصمة جهانغيري قد يؤدي إلى الإذعان للحقائق التي تم تجاهلها لحد الآن في المؤسسات الدولية، وهذا ما يبعث على أمل وضاء في القلوب من أجل خلاص إيران من براثن الفاشية الدينية. من المؤمل أن يكون قرار إدانة انتهاك حقوق الإنسان في إيران أشد من قبل ويتم فيه اتخاذ خطوات جديدة وجادة وملزمة كما من المؤمل تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق تركز على انتهاك حقوق الإنسان في إيران ليتيسر من خلالها جعل المجرمين الذين وللأسف يشغلون مناصب حساسة حاليا يقفون أمام العدالة. من هنا، فإنه بإمكان ممثلي البلدان والإدارة الأميركية بالذات أن تلعب دورا مهما في الأممالمتحدة بالنسبة لهذا الأمر الإنساني، ومن الضروري أن تكون هناك مبادرة جماعية، وفضلا عن إدانة انتهاك حقوق الإنسان في إيران عليهم المطالبة بتشكيل هيئة دولية مستقلة للتحقيق حول ملف مجزرة عام 1988 ضد السجناء السياسيين، واعتبارها جريمة ضد الإنسانية ويتم إدراجها في قرار هذه السنة، لاشك أن اتخاذ هذه الخطوة، يستحق إجراء احتفال كبير للإنسانية جمعاء وللشعب الإيراني بشكل خاص.