نحتفل في هذه الأيام كما هو الحال في كل عام باليوم الوطني للمملكة، الذكرى العطرة التي نستعيد فيها قصة كفاح الملك عبدالعزيز والرجال الرواد المخلصين من أبناء هذه البلاد، الذين خاضوا على مدى ثلاثين عاماً ملحمة التوحيد، التي توجت بإعلان اول تجربة عربية وحدوية ناجحة في العصر الحديث عبر قيام المملكة العربية السعودية. إن مناسبة اليوم الوطني التي نعيشها هذه الأيام تجعلنا نستذكر المراحل الصعبة والمخاض العسير الذي مر على هذه البلاد لتوحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- الذي قام بعزيمة صادقة يدعمها ولاء مطلق ممن ناصروا برنامجه الوحدوي للم الشتات الذي كان تضرب اطنابه كل بقاع الجزيرة العربية والعمل على نشر الأمن في ديارهم التي كانت مسرحاً للصراعات واعمال الثأر والقتل، والقضاء على الخوف الذي عم كافة السبل التي تربط بين المناطق نتيجة خضوعها لعصابات السلب والنهب من قطاع الطرق. لقد كان من مشروعات التوحيد التنموية التي تعد من عوامل التخلص من طغيان تلك الظروف حالكة السواد في تاريخنا، والتي ندين جميعاً بالفضل فيها للملك عبدالعزيز رحمه الله، هي مشروع توطين البادية الذي كانوا أبناءها يمثلون نسبة تربو على الثمانين في المئة من سكان قلب جزيرة العرب، إن لم يكن كافة اقاليمها، والتي هدف طيب الله ثراه من تأسيسها إلى استقرارهم وتعليمهم أمور دينهم وتوفير موارد المياه لهم وخلافها من الخدمات الأساسية الأخرى، ودفعهم نحو التخلي عن الحروب القبلية بينهم، وتطبيق شرع الله في كل مناحي حياتهم، بعد أن طلب بعض من هجر منهم حياة البادية إلى الحضر أماكن قريبة من مضاربهم كي يستقروا فيها ويقيمون الجمعة والجماعة والدروس الشرعية، فلبى الملك عبدالعزيز هذه الرغبة، بتأسيس أول هجرة في عام 1330ه، وارسل علماء لتعليم أبناء البادية دين الله في أماكن استقرارهم، فكان ان انتشرت اعداد من الهجر في بضع سنوات، وأصبحت تثمل قواعد حماية لعاصمة الدولة، ومصادر المدد العسكري للملك عبدالعزيز في تأسيس وتوحيد المملكة في مراحل كفاحه التالية. لقد أدى هذا المشروع للتوطين إلى جذب أبناء البادية للاستقرار، وبالتالي زيادة نسبة التحضر التي لها السيادة المطلقة اليوم في المملكة، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الشريحة من المجتمع الراسخة لديها مبادئ المواطنة، فحبذا لو يتم احياء نموذج لأحد لتلك الهجر، لتجسد ذلك المشروع في توحيد الوطن.