يعد مشروع توطين البادية في المملكة من أكبر مشروعات الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بعد توحيد البلاد؛ بهدف استقرارهم، وتنمية مواقعهم، وتجارتهم، وتعليمهم أمور حياتهم، ودينهم، والتخلي عن الحروب القبلية المستمرة بينهم، وتطبيق شرع الله وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل مناحي الحياة دون تمييز أو محاباة لأحد على أحد؛ فوجدت دعوته للتوطين آذاناً صاغية من كافة البوادي المنتشرة آنذاك في أرجاء الجزيرة العربية. ولعل من أهم الإيجابيات لهذا المشروع إقناع ابن البادية بمبدأ التوطين والاستقرار وتأسيس ما يسمى بالهجر، وزيادة نسبة التحضّر، وفتح الباب أمام تحول اجتماعي واقتصادي وثقافي كبير لم يتحقق لحاكم قبله؛ فانخرط ابن البادية بالزراعة والتجارة والبناء والمنافسة بين أفراد قبيلته والقبائل الأخرى بالتعمير والتطاول بالبنيان، فترسخ لديهم حب وطنهم ونمو مواطنتهم، والانتقال إلى حالة من الاستقرار والعيش الهادىء في جو من الأمن والطمأنينة والسلام، من خلال مشروع التوطين العظيم الذي كتب عنه الشرق والغرب فتحولت الجزيرة العربية من قبائل متناحرة ومتحاربة إلى مملكة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان. أبناء البادية وجدوا في مشروع التوطين فرصة لتغيير حياتهم بعيداً عن الترحال من مكان لآخر نجاح التجربة لقد نجح الملك عبدالعزيز في مشروع التوطين الذي تحول من فكرة إلى مشروع جبار تسابق اليه أبناء البادية من كل مكان، وتحول مجتمعهم من مجتمع بدو رحل إلى مجتمع مدني متحضر، وفي مذكرة مرسلة إلى المفوض المدني في بغداد ما يفيد نجاح التجربة في أول مراحلها من توطين البادية؛ كتبها "ديكسون" (Dickson) الممثل السياسي في الهفوف آنذاك، وفيها يروي نجاح الملك عبدالعزيز في توطين البدو بطريقة غير عادية، حيث لبّى طلباتهم بإرسال العلماء لتعليمهم بقدر ما استطاع. الطفولة وجدت العلم والوعي بعد الانتقال من الصحراء إلى الاستقرار في القرية وكانت بداية التوطين بهجرة "الأرطاوية" التي تعد أول هجرة توطين للبادية في المملكة، وتم إنشاؤها عام 1330ه، حيث أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في ذاك العام أوامره ببناء هجر جديدة لتوطين أهل البادية، تكون قريبة لمراعيهم ومواردهم ويتلقون فيها تعليمهم لعلوم الدين وأحكام الشريعة الإسلامية، وتثقيفهم ليكونوا أعضاء مشاركين وفاعلين في بناء وطنهم. وقد بدأت الحياة الاقتصادية تأخذ مكانها في هذه الهجرة فاشتهر أهل البادية فيها بالعمل في الزراعة والتجارة، والآن أصبحت الأرطاوية مدينة ومحطة لجميع قوافل الحجاج وقوافل التجار المتجهة من الكويت والأحساء والشام إلى نجد والحجاز، وفيها مركز كبير لسوق الماشية ومنتجاتها في المنطقة الوسطى، وتزيد مساحتها حسب الدراسات الهيكلية عن (9 كم)، وتبلغ مساحة الأرطاوية وقراها أكثر من (4000 كم)، ويبلغ عدد سكانها أكثر من (17.000) نسمة، وعدد سكان القرى المجاورة لها أكثر من (8.500) نسمة معظمهم يشتغلون في التجارة وتربية الماشية، وبما أنها أول هجرة أنشئت في هذا المجال فقد تبعها إنشاء العديد من الهجر مثل هجر "الغطغط"، و"قبة"، وغيرها من الهجر التي أصبح معظمها الآن مدناً تتسابق بالنمو والتطور مع باقي أقرانها في كافة أنحاء المملكة. لم ينحصر اهتمام الدولة فقط بتوطين البادية، بل أعقب ذلك مرحلة توفير السكن لكافة المواطنين، من خلال برامج المنح، ودعم صندوق التنمية العقارية، فوضعت الخطط والبرامج والأهداف التي أمكن من خلالها إيجاد منظومة سكنية كبيرة في كافة أرجاء المملكة.