كتب الأخوان « غريم» قصصا كثيرة من التراث الجرماني، وقاما بتنقيحها وإعادة صياغتها حتى لاقت نجاحا كبيرا بين جمهور القرّاء، وامتدت تلك الشهرة على مائتي عام حتى غطت الكرة الأرضية كاملة. لا يوجد طفل في العالم اليوم لا يعرف قصة « ذات القبعة الحمراء والذئب» فإن لم يقرأها فإنه حتما شاهدها على شاشة التلفزيون على شكل فيلم كرتوني أو فيلم عادي، أيضا لايوجد طفل لا يعرف قصّة ساندريلا، الصبية اليتيمة التي ظلمتها زوجة الأب وعوّضها الله بهدية سماوية بأن تزوجها أمير البلاد. أكثر من مائتي قصّة إن لم نعرفها كلها فنحن نعرف الكثير منها، وهي مليئة بالقيم التي تنغرس في الطفل ليعرف أن الخير هو المنتصر دائما، وأن الله يمهل الأشرار و لا يهملهم، من باب إعطائهم فرصة للتوبة والرجوع عن الشر الذي يمارسونه. اليوم صدرت طبعة عربية جديدة لهذه القصص في كتاب ضخم عن دار المدى، وقد استوقفتني الترجمة الجديدة خاصة قصّة ساندريلا، التي وضع لها المترجم اسم « المشحّرة» ..! بالنسبة لنا فإن اسم « ساندريلا» يبدو جميلا وجذابا، واسم «المشحّرة» المضحك المبكي في آن واحد يرتبط بمعناه الذي نعرفه باللغة المحكية وهو « الفقير والمسكين» وفي الحقيقة أن بحثي عن معنى الكلمة في اللغتين العربية والفرنسية جعلني اكتشف معنى الكلمة الحقيقي، وهو معنىً يتطابق في اللغتين، فساندريلا أُشتُقَّت من كلمة « cendre» أي الرّماد، أو الشحار، ويبدو أن اليتم والحزن على غياب الأب أو الأم ارتبطا بالرماد وهذا جاء من عادة قديمة انتشرت عند مجتمعات كثيرة في العالم منها بعض الشعوب العربية التي يلجأ فيها أهل الفقيد إلى وضع الشحار على وجوههم حزنا وبكاء عليه. وإن كانت بعض المواقع والمراجع أعطت معنى مغايرا لكلمة « ساندريلا» على أنها « صاحبة الحذاء الزجاجية» فإن المعنى الحقيقي لها في أغلب اللغات الأوروبية مستمد من الرّماد، وهذا يعني أنها « ملطخة بالرّماد» أو بمعنى أدق « مشحّرة» والغريب أن المعنى في اللغة العربية بعد تطوره عبر الزمن عبّر بدقة أكثر عن وضع « الساندريلا» ، إنّها مشحّرة إلى أبعد حد، يتيمة وبائسة ومتّسخة ومظلومة وتعيش في أملاك والدها الثري كخادمة، تهتم بالتنظيف والطهي وخدمة بنات زوجة أبيها، ولولا المعجزة الإلهية التي أنقذتها من ذلك البؤس لعاشت وماتت منسية. لقد جمعت المخيلة المبدعة كل معطيات البؤس ورسمت أملا جميلا حول كل معطى، صحيح أن زمن الأمراء ولىّ، ولا جنيّات في الحقيقة يمكنها التدخل لحل مشكلات « الساندريلات» لكن لكل قصّة عبرة، والعبرة من قصّة ساندريلا أن الظلم لا يدوم، ويمكننا الانتصار عليه...ومهما كان «الشحار» داكناً يلوّن بعض واقعنا فإنّ الاغتسال منه ممكن لتظهر بعدها وجوهنا المضيئة التي يجب أن نواجه بها العالم. غير ذلك أهمس فقط أن القصة لا تكفي لإدهاشنا، بل ما بعد القصّة حين نفتح الحديث لأطفالنا لقول ما فهموه منها.