تعد "البدع" غرب مدينة تبوك، بشمال غرب المملكة، وعلى بعد 20 كيلومتراً من خليج العقبة من أبرز المواقع الأثرية في المملكة، ووفق الأبحاث والكشوفات الأثرية سيكون لها حضور على خارطة الآثار والسياحة بالمملكة، فهي كانت من أهم مدن الممالك العربية التي ظهرت في الألف الثانية قبل الميلاد، واشتهرت هذه المدينة القديمة بأنها كانت عاصمة لحضارة مدين الشهيرة، الوارد ذكرها في القرآن الكريم. وشهدت البدع في عصر مملكة الانباط ازدهارا واسعا، حيث كانت مركز التقاء الطرق التجارية ما بين البتراء عاصمة الانباط وعينونا جنوب البدع على البحر الاحمر كأشهر موانئ مملكة الانباط، ولكن تأثر ذلك الازدهار بشكل كبير بعد سقوط مملكة الانباط على يد الرومان عام 106م، كما شهدت البدع تطورا في العصر الإسلامي بسبب وقوعها على طريق الحج المصري. وتنتشر المواقع الأثرية في عدة اماكن في منطقة البدع، وخاصة في وادي عفال المار بمحافظة البدع من الشمال إلى الجنوب بطول يزيد على 10كم، ومن ابرز المعالم الأثرية هناك مغاير شعيب، وهي عبارة عن مقابر منحوتة في الصخر، وتتزين بزخارف مشابهة لواجهات المغاير النبطية الموجودة في مدائن صالح بمحافظة العلا، والبتراء في الاردن وتقع هذه المغاير على ضفة وادي عفال الغربية وتتكون من اربع مجموعات الاولى تضم مقبرة واحدة كبيرة، والثانية وتضم سبع مقابر، والثالثة تضم خمس مقابر، والرابعة تضم ثلاث مقابر. تاريخ البدع وكانت «مغاير شُعيب» مستوطنة زراعية من عام 100 ق.م، حتى عام 550م، حين أجبرت 20 سنة من الجفاف سكانها من الأنباط على الانتقال شمالاً للهلال الخصيب. وقد وصف العلامة حمد الجاسر، رحمه الله، عبر مؤلفاته «البدع» مغاير شعيب،أنها عبارة عن واحة قديمة بعث الله فيها نبيه «شُعيب» إلى قومه مدين، مبينا أن البدع تقع في أرض مدين، وأن اسم الأيكة لا يزال يطلق على «واد النمير» رافد «وادي عفال»، مشيرا إلى أن أبرز المعالم الأثرية فيها الواجهات النبطية ب «المغاير»، حيث كتبت عليها كثير من النقوش اللحيانية والنبطية، كما يوجد بها موقع لمدينة قديمة من الفترة الإسلامية المبكرة تعرف باسم «الملقطة». ومن المواقع الأثرية في البدع مدينة "المالحة" التي تقع شرق التلال الركامية على ضفة وادي عفال الغربية وتمتد على مساحة تزيد على كيلو متر مربع وبها بقايا جدران مشيدة باللبن واخرى مشيدة بالحجر، وتنتشر قطع الفخار النبطي على سطوح هذه المدينة وكثير من الاواني الفخارية التي تعود إلى الألف الاول قبل الميلاد ويعرف هذا المكان باسم المالحة، ويشير عالم الآثار السعودي الدكتور عبدالرحمن الطيب الانصاري وعدد من زملائه أن الآثار النبطية الظاهرة على السطح في هذا الموقع القريب من المقابر قد تخفي تحتها آثار وحقائق تدل على العصور السابقة التي عاشتها البدع قبل العصر النبطي. البعثة السعودية اليابانية في مجال الكشوفات الأثرية التي تقوم بها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قامت البعثة السعودية اليابانية بأعمال دراسات وكشوفات أثرية في موقع قرية" عاصمة حضارة مدين، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن "حوض قرية" من المناطق الواعدة بما تضمه من تسلسل استيطاني يرجع إلى العصر الحجري الحديث والعصر الحديدي حيث تم الكشف به عن مستوطنة صغيرة تضم عشرة مدافن، ويمكن القول بما قدمته نتائج الدراسات من نتائج أولية أنّ المنطقة تعتبر ذات نشاط رعوي شبه مستقر في تلك الحقب، وقد كشف في بعض تلك المدافن عن أدوات حجرية للطحن، كما تم الكشف عن تسع مدافن، كشفت الدراسات أنها مدافن جماعية من عصور ما قبل التاريخ لرعاة رحل معزولة عن مواقع الإستيطان البشري، وهي ذات أبراج دائرية ومستطيلة ومربعة ومنها ما تعلوها منصات وجدران قائمة. وبمقارنة هذه المدافن مع مثيلاتها في المناطق المجاورة في سيناءوجنوبالأردن يمكن إرجاعها إلى أواخر العصر الحجري الحديث والعصر النحاسي والعصر البرونزي المبكر، وسجلت البعثة 88 من المعالم الأثرية في حوض قرية تقع على المدرجات الصخرية، شملت مدافن ذات أبراج دائرية ومربعة يصل ارتفاع بعضها إلى 1,17م، ومنها ما لها منصات مستطيلة يصل طول بعضها إلى 17م، وأكدت نتائج الدراسات أنّ منطقة الدراسة لا تعطي فقط فهم لطبيعة الأنماط الرعوية القديمة فحسب؛ بل تسلط الضوء على مسألة التواصل الحضاري بين المناطق المجاورة (خاصةً جنوبالأردنوسيناء) اللتين يوجد بهما نماذج مماثلة لما تمّ الكشف عنه. وفي دراسة له عن حضارة مدين قال عالم الآثار السعودي البرفيسور عبدالعزيز الغزي، "تعتمد دراسة حضارة وتاريخ أمة مدين على ما جاء في القرآن الكريم، إضافة إلى الدراسات الآثارية، وبخاصة في موقع قُريِّة الذي يقع في منطقة تبوك والذي يُعَدُّ عاصمة أمة مدين والمركز الرئيس لنشاطها. وجاء ذكر مدين ونبيها وأهلها وأرضها ومائها في عدة مواضع في القرآن الكريم ترد في احدى عشرة سورة. كشفت المعلومات الواردة في القرآن الكريم عن الثراء الفاحش الذي كان المجتمع المديني ينعم به، بل تحدث القرآن الكريم عن أنهم كانوا لا يوفون المكيال والميزان، وأنهم كانوا يبخسون الناس أشياءهم، ويفسدون في الأرض. فما جاء في القرآن يدل على أن هناك أسواقاً وأن هناك بيعاً وشراء. وهناك قطع طريق وإفساد واستغلال للمشتري وبخس للبائع. وتذكر بعض الكتب أن أرض مدين من أهم مراكز استخراج المعادن من المناجم العديدة التي تحتضنها أراضيها. ومن أهم تلك المعادن الذهب والفضة والنحاس والقصدير والرصاص والحديد. كما اشتهرت أرضهم بالأحجار الثمينة مثل الفيروز والكوارتز والصوان. ومن أشهر صناعات مدين صناعة الأواني الفخارية التي أبدع فخارو مدين في صناعتها وزخرفتها بزخارف تدل على سعة ثقافة مجتمعه، وأنه مجتمع على اتصال بالعالم الخارجي. فتظهر على تلك الأواني المدينية رسوم للطاؤوس بنماذج عديدة، ورسوم للوعول، والطيور والوز، والجمال، ورسوم هندسية معقدة التركيبات. كما تظهر الرسوم على سطوح الأواني الخارجية وعلى السطوح الداخلية، وعلى السطوح الداخلية والخارجية معاً. يشار إلى أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عملت على تأهيل موقع مغاير شعيب، حيث أنشأت مركزا للزوار يحوي صورا ومعلومات عن الموقع، كما أنشأت مسارات للزوار ولوحات إرشادية وتعريفية. وتوجد حاليا بعثة تنقيب أثري تابعة للهيئة تجري مسوحات أثرية في البدع التي تحوي مواقع أثرية متعددة. العمل الميداني في مواقع مدين الموقع الأثري الوحيد في المملكة الذي اقترن بأمة مدين من خلال الدراسات الآثارية، بل حدد كعاصمة لها هو موقع قُريِّة، ومع ذلك فإن المواقع، تيماء ودادان واالبدع ومواقع أخرى جاء ذكرها في تقارير المسح الأثري الشامل لآثار المملكة العربية السعودية تعود إلى تلك الفترة في مرحلة من مراحل استيطانها، وحيث إن المسألة لا تزال قيد البحث، نقتصر هنا على ما جاء عن موقع قُريِّة في التقارير والأبحاث الآثارية نظراً لكونه الموقع الأثري الوحيد في المملكة الذي خضعت مادته الآثارية المدينية وبخاصة الأواني الفخارية للبحث، فطبقاً لما ذكر هاري سنت جون فيلبي فإن موقع قُريِّة ذُكر لأول مرة عام 1848م بواسطة الرحالة السويدي، والين، الذي ذكر الموقع، ولكنه لم يزره بسبب عدم وجود من يرافقه إليه من سكان تبوك آنذاك، لأوربي الثاني الذي ذكر الموقع هو تشارلز داوتي في نوفمبر عام 1876م الذي أخبره مرافقه عندما كان يجتاز خط القطار بين محطتي حسمي ومادبا إلى الشمال من تبوك عن مستوطنة قُريِّة الواقعة على بعد عشرة أميال باتجاه الغرب. آثار لحضارات قديمة في جبال البدع