(قصة) شعر بمغص شديد في بطنه، وجد نفسه مرميا ً وقد "شُلِّح" من كل شيء إلا مما يستر عورته، تحسس وجهه فوجده مليئاً بالكدمات والدم المتجمد، أنفه متورم، تذكر أنفها فبصق وتمنى أن ينتحر.. بحث عن شيء حوله فلم يجد إلا التراب والحيطان القذرة. عنكبوت يعلق بيده، ويقذفه فيسقط على بطنه، تركه في غيظ، صار العنكبوت يمشي على بطنه، يصعد وينزل؛ وأخيراً استقر فوق شفته، كأنه يريد أن ينقظ إلى أنفه، مد يده وفركه. قام ومشى مترنحاً لا يدري أين يذهب! سار في ذهول.. قطع مسافة طويلة أثناء عودته نحو المدينة.. مسافة أشبه بمقطع طويل من الوجع.. أفاق أخيراً في ساحة واسعة تحت الأضواء، تحفُ بها بيوت جميلة منسقة. اطمأن، ولكنه كان خجلاً من عريه. رأى رجل شرطة فانقبض قلبه، ماذا يقول إذا قبضت عليه الشرطة؟! ماذا سيقول أهله وأصدقاؤه وزوجته المنكرة وهي التي أخرجته؟ آه.. لماذا كل هذا القبح؟ اختبأ وراء جدار، راح يحلم ببحر يغطس فيه جسده وهمومه، وقرفه. خاف، ارتعب، تآكلت بطنا رجليه، تخيل أنه يسبح في عمق بحر مليء بسمك القرش.. لكن لماذا الخوف؟! طوال حياته وهو في قاع بحر من الهموم أشد فتكاً من أسماك القرش. أراد أن يسير ، لكن الخفير لا يزال يذرع الشارع جيئة وذهابا ً همَّ بأن يظهر ويناديه ويحكي له حكايته . لكن الخفير سيرميه بالجنون ، وسوف يسلمه إلى الشرطة لا محالة . سار قليلاً في ظل الجدار، وجد مخلفات بناء: أخشاباً وتنكاً وعجلات سيارات.. جلس فوق عجلة سيارة، فكر في العجلة.. خرج قنفذ يتدحرج من تحت العجلة.. تمنى أن يتحول إلى قنفذ، فإذا واجهته مشكلة تكوَّر حامياً نفسه بأشواكه!! ولكنه ركل العجلة وشتمها، ربط العجلة بعجلته في الحياة.. فالعجلة هي التي أخرجته من بيته، وهي التي أخرجته من الجامعة، العجلة هي التي كانت وراء زواجه التعس النكد بهذه المطلَّقة، العجلة هي التي أفقدته كثيراً من فرص العمر. آه لو تأنى قليلاً في زواجه.. رفع رأسه من وراء الجدار، الخفير يقترب منه، يسمع وقع حذائه المبطن بقطع الحديد، الخفير يسند رأسه إلى الحائط الذي ينكمش هو خلفه.. ومن الهاتف الصغير الذي في يد الخفير تنبعث أغنية شجيّة حزينة. فيتأوه (هو) ويتلوى ويغرق في صور قديمة، ورؤى حالمة، وأمانٍ لم تحقق.. راح يحلم: يحلم بغرفة نوم مترفة، سرير ناعم، ضوء أحمر، امرأة سمراء ممشوقة.. شعرها مرسل فاحم كالليل.. عينان كحلاوان حالمتان، شرشف معطر برائحة تُسَكِّر القلب.. آه يا قلبي المفجوع الموجوع.. لعن الله الحرمان والفقر. الخفير يسعل.. يقول في سرّه: لماذا يقف هذا الحيوان فوق رأسي؟ خفير في الشارع.. خفير في الشركة.. خفير في البيت.. اللهم غفرانك... همَّ بأن يقذف الخفير بحجر فيفلق رأسه، لكن ما ذنب المسكين؟! المسكين يحرس.. نعم يحرس.. أي والله يحرس.. هبت ريح تحمل الرائحة المنبعثة من أكوام التنك، والأخشاب والعجلات المهترئة.. تلمَّس وجهه وأنفه، تذكَّر الزواريب القذرة، والبيوت القذرة الفواحة بالوسخ.. المكتظة بالحشرات البشرية.. بينما على هذه الساحة تقوم بيوت متسقة رائعة مترفة. كل شيء مترف. تنبعث من نوافذها أضواء هادئة ناعمة تشي بالعطر، والحرير والقوارير الناعمه النائمة.. وعين الخفير لا تنام. قال لنفسه: أنا مسكين: انبعث من صدره لهب (ناري) متفجر. أحس بصديد مر من الكراهية والغبن ينز في صدره.. يتسرب إلى حلقه.. عقده تتكور وتسقط في أعماق نفسه... يا لها من سخرية مبكية: جاهل، وجاهلة، وخفير.. وأنا فوق عجلة! أحس بفقره وعدميته، ودونيته، احتقر نفسه حدَّ الازدراء... يقفز الخفير فوق الجدران، يرتعش هو وينتفض تحت ظل الخفير كفرخ دجاجة مذعور. الخفير يفتح بنطاله! يطلق ماءً ساخناً يتدفق على رأسه ويتسرب إلى وجهه. يمسح وجهه ليتأكد!! الماء ساخن لزج، وله رائحة. اجتاحته موجه من الفزع والغضب، صرخ رافعاً جسده ورأسه.. قافزاً فوق الجدار. جأر الخفير في فزع، وولَّى هارباً، سقط الهاتف الصغير من يده... انطلقا: الخفير يجري في ذعر وهلع.. وهو يجري هارباً من عريه.. وغرقا معاً في الظلام !.