تكاد تُجمع الإحصاءات التجارية بأن جزيرة العرب هي الأولى في استهلاك الأطياب الشرقية مثل دهن العود والبخور بأنواعه ومستوياته ومصادر بيعه. ويبدو أن الغرب فهم ذلك جيّدا فغمر استيراداتنا بشتى أنواع العطور. وتصل الحالة إلى ما يُشبه الغيمة أو كتلة الضباب، بما في ذلك أماكن مكشوفة مثل الاستراحات والمخيّمات، وتلك لا توحي طبيعتها بضرورة هذا الاستهلاك الكبير، والإحراق المجحف للبخور المُشترى بأموال طائلة. ليُضوّع (أو يُضيّع!) في أجواء البر والخيام. شيمة العربي إكرام الضيف، وهذا لا غبار عليه والمبخرة، وإن كثُر الكلام عن أصلها غير العربي أصبحت جزءا من زينة المجالس التراثية. والمعاجم تقول إن البخور ابتدأ كممارسة طقوس دينية، وتعاويذ قديمة، ويستعمله السحرة والمشعوذون ومُحضّرو الجن والشياطين وكذلك المبخرة، رأيناها في أفلام الطقوس الغريبة. واستحبَّ المسلمون التطيّب لصلاة الجمعة، وشجّع علماء الدين الناس على التطيّب لصلاة الجمعة بالقدر الذي يجعل الثياب توحي بعبق الطهارة وتلك هي الصفة الغالبة التي يجب أن يكون عليها الذاهب إلى المسجد، ولكن بالقدر المتيسّر والمستطاع. وأراد العربي عند استقبال أو توديع ضيوفه أن يبالغ في الكرم ووجد أن العود هو الملائم، وفي المتناول، وقليل العطَب، فتشبّث واقتناه واحتفظ بالمزيد منه ولا يتأخر عن شرائه رغم غلاء ثمنه، ولا يصرفه عن بُغيته كون المادة تعرّضت للخلط بمواد أخرى، وهي طريقة معاصرة، نظامية لكن غير شرعية، لانتزاع الأموال من الناس عن طيب خاطر. وفي الشرق رأينا شركات كبرى قامت على قاعدة مغرمين بالبخور، وكأن سرور الضيف واغتباطه لا يأتي إلا عبر كثافة الدخان. لست هنا داعيا إلى نبذ العادة المطلوبة لدى طبقة معينة من أهلنا، وتأصّلت واقتنعنا أنها من مفاخرنا، وهي إكرام القادم، لكنني فقط أرجو مراجعة تلك الممارسة، على ضوء التضخم النقدي، وغلاء الأسعار، وحاجة الناس إلى سِلَع غير البخور لاستمرار الحب والتقدير.