سنحت لي الفرصة أخيرا أن أنتهي من كتاب الوزير علي النعيمي "من البادية إلى عالم النفط" وكانت الآمال كبيرة للإجابة على السؤال الأهم "كيف فعلها النعيمي؟" وقبل الخوض في قصة النعيمي، قديما كانت تشدني قصص النجاح واللقاءات مع أبرز الشخصيات خصوصا على المستوى المحلي أو العربي، وما لبث هذا الحماس أن ذبل وتبدد بعد أن تكررت تلك القصص الناجحة الباهتة بالتعليل لأسباب النجاح. مللت عبارة نجحت في حياتي: "بعد توفيق الله سبحانه وتعالى"، "دعاء الوالدين لي"، "بر الوالدين" ،"العمل الجاد"، "البعد عن رفقاء السوء" وسلسلة طويلة جدا من العبارات التي يمكن لأي أحد أن يصفّها صفّا ويستخدمها في أي موضوع وصدقني مهما كان الموضوع ستكون مناسبة له! لأنها عبارات فضفاضة معناها يشمل الكثير وعمومياتها تُغطي كافة جوانب الحياة. لذلك كنت أخشى أن يكرر النعيمي في كتابه مثل هذه العبارات والتي ستجعل من الصعب عمليا الاستفادة من تجربته الناجحة، ولله الحمد أن خيّب النعيمي ظني، فوجدته يكتب حدثا ناجحا ويُتبعه بتفسير قراره وكيف توصل إليه وماذا فعل من مبدأ عملي لكي يتوجه هذا التوجه أو يختار هذا الطريق. وهذا ما ينقص قصص النجاح المحلية، وقليل من تجده يذكر قصة نجاحه في عمل معين ويتحدث بأسباب عملية وتحليل مادي ملموس يُفيد المتلقي، فمسألة توفيق الله لك وبرّك بوالديك لوحدها وأنت في معضلة عملية لن تحل لك المشكلة، وإنما توفيق الله لك يقودك إلى الإلهام باختيار طريقة عملية وتحليلية أفادتك بتجاوز تلك المعضلة، هذه الطريقة العملية هي ما يجب أن تُخبره الآخرين وهي التجربة الفعلية التي يحتاج أن يسمعها المتلقي لا العبارات الفضفاضة التي مللنا منها. تابعت خلال الفترة الماضية مقابلة الصديق ورجل الأعمال فيصل الخميسي في برنامج من الصفر "والتي أنصح بقوّة بمشاهدتها" وسعدت كثيرا أن كانت مقابلته تحوي بين طيّاتها الكثير من الفائدة والتفسير لماذا اختار هذا القرار دون ذاك وتعيش معه حرفيا ورشة العمل والعصف الذهني الذي حدث في عقله عندما واجه تلك المشكلة ويذكر لك المعطيات ويُبرز نقاط القوّة والضعف لتصل معه لذات النتيجة التي توصّل لها في سعيه لسُلم النجاح. ومثل النعيمي والخميسي أيضا أتذكر كتاب غازي القصيبي "حياة في الإدارة" وأتذكر أيضا مقابلة للمهندس مطلق المريشد في ديوانية الدغيلبي وأنصح بمشاهدتها تجدها بعنوان "ديوانية الدغيلبي الثقافية للشباب مطلق بن حمد المريشد" من ثلاثة أجزاء. وكلها كانت تشترك في نقطة واحدة أنها كانت قصص نجاح قدّمها لنا أصحابها وقدّموا أسبابا "عمليّة" لنجاحهم.