حتى الآن لا أدري ما الفرق بين العفاريت الزرق والعفاريت الحمر؟ ففي النهاية كلهم عفاريت، ولأنني مخاوي جن، كما يصفني أحد الأصدقاء، فإنني سأكون على راحتي، وأنا أتحدث عن الزملاء العفاريت، أيا كان لونهم، وأرجو أن أكون متأكدا، أنهم إذا زاروني، مطالبين بحقوقهم، لن يجدوا عندي ما يؤخذ أو ينتف.. من أين أتى الصديق بذلك الوصف لي؟ قلت له وأنا أفرد فراشي على كرسي لأحد المقاهي، بأنني قطعت أكثر من ميل في صحراء العارض منذ سنوات طويلة، كانت ليلة باردة، عندما سمعت دق الطبول ورأيت النيران، أخذت طريقي في ذلك المساء بحثا عما يؤنس وحشتي، في تلك القرية، لكنني ظللت أسير في الصحراء حتى تباشير الفجر، دون أمل في الوصول إلى مصدر النار وصوت الطبول، والمصيبة أنني كنت أرى ما يشبه الأضواء التي تظهر وتختفي خلف الجبال، ولم يحجبها هي والطبول إلا ظهور الفجر، وكان التعب حينذاك، قد أخذ حقه مني! والظاهرة الثانية كانت في البيت الواقع على تخوم الصحراء، فطالما أنا متمدد، كانت تأتيني الأصوات المبهمة، ويأتيني الحصى، حاولت مرة ومرتين، أن أعرف مصدر ما يحدث، فلم أستدل عليه، حتى رحلت عن تلك القرية، وفي نفسي شيء واحد، أن أرى زول أولئك الظرفاء الذين لا يحسنون استقبال ضيوفهم، إلا بالحصى والإضاءة والطبول، التي لا يعرف واحد مثلي، صدقها من زيفها! وقد ظللت أواجه هذه الكائنات الظريفة، في العديد من القرى التي قد أحط فيها لأيام وأسابيع، وقد بقي عندي موقف متعدد الجوانب، صادفته في منطقة الوشم، عندما استأجرت منزلا طينيا على الطريق المؤدية للحجاز، في ذلك المنزل كانت الأبواب تفتح وتغلق أكثر من مرة في وضح النهار، وفي الليل يضاف عليها إطفاء السراج أكثر من مرة، كلما أشعلته لأقرأ ينطفئ، وقد وجدت الحل بعد تلك المعاناة، في الرحيل مساء إلى المقهى المجاور، أصبحت أتعشى وأقرأ وأنام هناك، حتى ينفرد قرص الشمس على بدني، ويكون موعد الذهاب للعمل قد حل. هذه المعاناة استمرت ثلاثة أشهر عندما جاء موعد رحيلي، تلك الأيام كانت القرى في الغالب، بدون كهرباء، بدون طرق، بدون هاتف، بدون تلفزيون، بدون علاقات عامة! الغريب أن تلك الحوادث كانت تدفعني دفعا للذهاب للقرى والهجر، لعلي أعثر على حوادث وظواهر أكثر دراماتيكية، ولم يتوقف ذلك الولع إلا عندما تركت ذلك العمل لصالح الصحافة. السؤال الآن: ما الحقيقة وراء تلك الظواهر الموجودة في جميع البيئات، في ديار المسلمين وغير المسلمين؟ أنا الآن غير، أخاف من ظلي، لا أنام وحيدا، لا أذهب للصحراء، لا أحب الظلام، لكنني احتفظت بخصيصة، أحمد الله عليها، وهي قراءة الوجوه، لذلك لا يستغرب أحدكم، إذا شاهدني جالسا في صالة أحد الفنادق، أمامي كأس الماء والصحيفة والكتاب، ومنشغلا في البحلقة في الوجوه العابرة، وهي مهنة أو هواية، تماثل قراءة البخت، بخت الناس، وليس بخت الأمة العربية، فهذه الأمة حارت البرية في معرفة سبب ميلان بختها!