عندما قال شاعر بيتين أو ثلاثة هي: ألا يا زين هذرات الحسيني يهذري بالنخل هو والسواني ألا يا ليت هذراته تجيني إلى هذريت في تالي زماني كانت بمثابة انطلاقة لشاعر آخر بنى عليها قصيدة، باعتبارها فكرة أو هاجس، وهذا الهاجس يجبر الشعراء عادة على بناء قصائدهم التي تنشأ من إثارة أبيات سمعوها، وهي أقرب إلى التقليد، حيث قال الشاعر الآخر إكمالا للبيتين: أخاف وكل خوفي من سنيني زمان راح ترقيعه عداني أقول إن العقل مسكة يميني وهو وقت انفلاته في ثواني أجامل ذا ولو هو ما يبيني وأصاحب ذاك لو انه هداني واداري كل ما يمكن يجيني وذا الخافي وصاليّه كواني أنا ما خفت من هرج ثميني أخاف من نقصي ومن زلة لساني إلى آخر القصيدة التي مجملها الثناء على الرصيد الطيب من الذكريات والحرص على نقاء السريرة ليكون حديث اللسان وما يردده مستقبلاً. ومن القصائد التي انطلقت من سماع بيت لشاعر آخر، قصيدة الشاعر خلف بن زويد التي مطلعها بيتان لعيادة بن عبيكة بن رمال: قم سو يارع المعاميل فنجال وكثر بهار الهيل يغدي عماسه قالوا تسير قلت ما من فضا بال وقت على الأجواد ما به وناسه ثم قال أبو زويد انا طالبك تليته يعني القصيدة قال عيادة بكيفك ثم أكمل أبو زويد: وهذا زمان مقبل منه أنا ذال ناس كلت ناس بخبث ونجاسه قامت بصاع المنكر الناس تكتال ودلت تباع الجوهرة بالنحاسه وأشوف أنا الأسود خشّع وذلّال وقت به الحصني يدور الفراسه راع الجحش شره على جدع خيال متحزم فوقه بدرع وطاسه بل إن القصيدة بنيت على المطلع ابتداء وهو سبب إثارة معانيها. ولا يستعيب الشعراء طريقة المجاراة أو التقليد أو الاقتباس أو الإعجاب بأبيات لشعراء آخرين بشكلها الواضح وبناء القصائد على طرق معروف مسبقاً، كما أن هناك من الشعراء من يهدي المعاني والأبيات لمن يشبع المعنى ويشرفهم ذلك التعاون فيما بينهم، ولا يعد هذا التقليد سرقة ولا يقلل من شاعر ولا قصيدة قيلت على نمط سابق. والعكس صحيح، فبعض الشعراء يوجه إلى طريقة المحاكاة باعتبارها نهجا يرصد خط القصيدة للشاعر ويمكنه من بنائها البناء الصحيح متخففا من عبء الوزن والقافية متفرغا لاستحداث المفردات وتوجه المعنى العام الذي دفعه لأن يفكر في قول الشعر، وليس هناك أي شاعر ليس له بدايات انطلق منها ولا ينكر أحد ذلك. وقد يضيف الشاعر بيتا قاله شاعر آخر علانية والكل يعرفه لشهرته، ويعرف أن البيت ليس له ولكنه في حال إيراده يراه زينة وجمالا لقصيدته يستكمل به المعنى ويشير إلى أنه ليس له وأنه من قول شاعر آخر بلغ به الإعجاب أن يضمنه القصيدة وربما صار بيت القصيد إمعانا في أهميته. وفي قصائد الشعراء في زمن أو أزمان متفرقة تقارب وتشابه شئنا أم أبينا، وهذا من قديم، وهو راجع إلى وحدة الهموم وتشابه البيئات والمشترك الإنساني وتقارب ما يجري للشعراء في مجتمهم، فهم خاضعون لمؤثرات متشابهة ولا غرابة أن يكون تعبيرهم ومعاني قصائدهم بل ومفردات استخدموها ذات صلة ببعضها. وهذا مبحث آخر وإن كان مختلفا في ظاهره عن الاعتماد على بيت لبناء قصيدة إلا أنه لا يبتعد كليا، فالمحاكاة والتضمين وبناء قصيدة على طرق سابقة وبيت مسبوق به أوجه متشابهة. ونختم بأبيات من قصيدة للشاعر راجح العجمي عن أهمية الود والمحبة والكلمة الطيبة فيقول فيها: ترى والله انه مايكدر عليك النوم سوى كلمة من بعض الاصحاب مسمومة إلى جت من الغالين والا الرخوم رخوم ولا امحق من الغالي ليا شانت علومه ضعاف الروابع تبتلش والقروم تشوم ولا هيب لا شامت من الشين مليومة ناصر الحميضي