الترفيه في أي مجتمع مشروع اقتصادي لتحقيق عوائد، ولكنه في مجتمعنا أيضاً مشروع اجتماعي على الأرض للتغيير والانفتاح، وكلا الأمرين الاقتصادي والاجتماعي يمنحان حضوراً للسعودية الجديدة التي تسير بخطى ثابتة، وواضحة نحو إعادة بناء المجتمع في صورة كيان يحافظ على الثوابت، ويمضي إلى استثمار إمكاناته، والخروج من تحوطاته، وتردده، والنهوض إلى مشروع يستوعب الجميع في العمل، والترفيه، والاستثمار، وتنويع مصادر الدخل، وخلق بيئة تنافسية نحو الأفضل. نحن في المملكة رصدنا خلال الألفية الجديدة أرقاماً كبيرة لأعداد المسافرين إلى الخارج، ومثلها حملات تسويق مذهلة لجذب السعوديين إلى دول عربية وخليجية وأوروبية؛ لدرجة أن نسبة كبيرة من تشغيل فنادق تلك الدول وزيادة مواردها تعتمد على حضور السائح السعودي، واستنزاف أمواله، بل وصل الأمر أن المهرجانات والفعاليات تتزامن مع إجازات وعطل السعودية، والشواهد كثيرة، وهذا يعني أن السعودي هدف للترفيه المحروم منه؛ لأسباب لا تبدو منطقية، أو غير مقبولة في مشروع التحول الكبير للدولة. لا يمكن للمملكة أن تتجه لجذب المستثمرين، ورؤوس الأموال، وتنأى بنفسها عن مشروع الترفيه؛ الذي يمثّل حاجة ملحة للمواطنين، وأيضاً للقادمين للعمل، والمستثمرين الذين يرون جدوى كبيرة من المشاركة والتمويل، وعلى هذا الأساس جاء مشروع "القديّة" الترفيهي والثقافي والرياضيجنوب غرب العاصمة الرياض ليغطي هذا العجز، ويعيد صياغة المجتمع نحو البقاء في الوطن، والتقليل من الهجرة الجماعية للترفيه مع قدوم أي إجازة أو عطلة نهاية الأسبوع، ويرسم مع ذلك خارطة الخلاص من نظرية الجمود والخوف من التغيير الذي عانى منها المجتمع منذ عقود، ودفع ثمنها المادي مليارات من الريالات ذهبت لتنعش اقتصاديات دول أخرى. الجميع كان مستبشراً بإعلان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمشروع مدينة "القديّة"، وما تحويه من مكونات وعناصر وتنوع في الاستثمارات، والسعادة ليس فقط بالمشروع، وإنما في التحول الذي سيحدثه داخل المجتمع نحو الانفتاح، وهي المعادلة الطبيعية للعيش الإنساني الذي يرى في الترفيه حاجة، وليس تنازلاً عن قيم أو ثوابت. لقد تخيّلنا المشروع قبل أن نرى تصاميمه، حيث جبال طويق التي تنزل منها شلالات في بحيرة صناعية كبيرة، وحولها فنادق ومطاعم، وسفاري، ومحميات طبيعية، ومدن ترفيه، وأخرى مائية، وبجانبها رياضات متعددة، وأنشطة ثقافية للصغار والكبار، وألعاب الكترونية، ومساكن للضيافة، ويمكن الوصول إليها داخل المدينة بالقطار، ومن المدن الأخرى بمطار جنوب العاصمة الجديد الذي لا يبعد سوى نصف ساعة بالقطار.. وتخيلنا أيضاً بعد سنوات كيف ستكون ثقافة المجتمع المنفتح نحو التغيير في الاستمتاع بالمشروع بعيداً عن أي سلوكيات أو مظاهر مخالفة.