في الغابات تكون بعض الأشجار غريبة الشكل. في بداية الجذع انحناءة، وكأنها ستنمو راكعة وفي نهايته استقامة تتلوها الأوراق.. وكأنها مشوهة شاذة منحرفة.. لكن لو رجعنا لتاريخ هذه الشجرة لخجلنا عن إطلاق هذه الألفاظ عليها.. ففي فترة نموها حد من وصول أشعة الشمس إليها. وجود أشجار شاهقة بالقرب منها كثيفة الأوراق حجبت عنها الضوء فسارت مسارًا مائلا لتجد بصيص ضوء.. وحينما وصلت لهذا البصيص استقامت لتتبعه.. ومن هذا المنطلق " لا تُعيب شخصًا بتصرفه قبل معرفة ماوراء هذا التصرف" لكل منا ماضٍ يقولب حياته يتحكم في تصرفاته كماضي هذه الأشجار، فقد أثر فيها عوامل عدة مثل قلة الضوء أو ارتطامها ببعض الأشجار المعمرة. هناك عقبات ومواقف تطرأ على حياة الفرد فتندفن في أعماقه ويحللها العقل الباطن ويترجمها والنتيجة هي "شخصية الإنسان" وقليل من البشر من يستطيع التغلب على هذا الماضي إن كان دفن بداخله جانبًا سيئًا أو يحفز ما دُفن بداخله من الجانب الإيجابي. يلبس الإنسان عادة لباس العداوة لأشخاص بسبب أشكالهم الظاهرية أو بسبب اختلاف أحدهم معه في الرأي فكل شخص ميّال لرفض من يخالف معتقداته ومألوفاته المعتادة وأسلوبه المعيشي. نرى في حياتنا اليومية إما في العوالم الافتراضية من مواقع التواصل أو في واقعنا تصرفات رعناء لا يفكر الفرد فيها أن يكبح جماح غضبه حيالها لأنها تأصلت في أغوار ذاته ولم يكلف نفسه بتشذيبها وإعادة تهيئة فكره، ومن هذه التصرفات سب وغضب وكره غير مبرر لا أُناس بالكاد يعرفهم. وهي سائدة في أغلب البشر وهي الشرارة العظمى للنزاعات والخلافات والحروب. بين اختفاء هذه الشرارة واشتعالها شعرة فمن كان صافي القلب والذهن تمكن من التحكم في دواخل نفسه وترجمة الأحداث والأشخاص ومعرفة التوقيت المناسب لإطلاق الكلام والتصرفات. وفي النهاية من يتمتع بالصفاء الذهني والروحي نجد لديه المقدرة على العيش هانئ البال رغم التفاف العقبات حوله ورغم وجود السلبية المفرطة، فلو يلتفت كل فرد لإصلاح ذاته ولا ينشغل بغيره لعم السلام وصلحت المجتمعات.