السياسة المتوازنة للمملكة جعلت منها أنموذجاً يحتذى في التعامل مع كافة الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، فالسياسة السعودية لاتبني مواقفها على الانفعال الآني وردود الفعل المتسرعة غير المدروسة، بل هي تتسم بالحصافة والرصانة وبعد النظر وشمولية الرؤى. العلاقات السعودية الأميركية مثال على بعد النظر والتأني في التعامل مع الأحداث، فتلك العلاقات مرت بمحطات مختلفة كان فيها الشد والجذب وتشابك المصالح واستراتيجيتها للبلدين على مستوى واحد من المسؤولية المشتركة، فبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر كان هناك توتر نعرفه جميعاً أدى إلى فتور في العلاقات وصل بها إلى مستوى متدنٍ، ولكن بحكمة الدبلوماسية السعودية والتفهم الأميركي صعدت تلك العلاقات إلى مستواها الطبيعي وعادت كما كانت بل وأفضل مما كانت عليه. خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية والتي وصل دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي على إثرها كان هناك توجس من السياسات المقبلة للرئيس الأميركي الجديد تجاه المملكة والعالمين العربي والإسلامي عطفا على تصريحاته المثيرة للجدل التي لم تكن تبعث على الاطمئنان، المملكة تعاملت مع تلك التصريحات بكل ثقة وهدوء وآثرت الانتظار حتى نهاية الحملة الرئاسية الأميركية، وجاءت تلك الحكمة بنتائج أكثر من إيجابية، فالحديث الهاتفي الذي جرى بين خادم الحرمين والرئيس الأميركي ليل الأحد أثبت أن المواقف المتزنة للسياسة السعودية ثمارها ناضجة واتساع أفقها لا لبس فيه، فالقائدان تحدثا عن استراتيجية العلاقة وكيفية تطويرها إلى مستويات أعلى في المجالات كافة، وهذا دليل جلي على الرغبة المشتركة بين الرياض وواشنطن على تنسيق أكبر من التعاون المشترك، المحادثة الهاتفية تطرقت إلى أزمات المنطقة ومكافحة الإرهاب واستقرار الإقليم بمواجهة "من يسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، ودلت على قوة وشائج الروابط وعمقها. العلاقات السعودية الأميركية تاريخية إستراتيجية ومستقبلية، هي علاقة مبنية على أسس متينة من التعاون المشترك الذي يخدم مصالح البلدين ويطور شراكتهما إلى فضاءات ارحب.