بحزن عميق وبمشاعر الألم والأسى فقدت الساحة الشعبية أحد أعمدة الشّعر الشعبي وأبرز نجومها على مستوى المملكة ودول الخليج العربية الشاعر الكبير أحمد الناصر الشايع-رحمه الله- (1339-1438ه) والذي بدأ رحلته الشعرية منذ عمر مبكر حيث لم يتجاوز سن الرابعة عشرة.. أحمد الناصر لم يكن شاعرا فحسب بل كان مدرسة ينهل منها الجميع كل العلوم النافعة التي تزيد الإنسان وقاراً ورجولة وترفع من قدره، فكم علمنا من الدروس التي لا يجيدها سوى أحمد الناصر -رحمه الله-. وقد اشتهر شاعرنا الناصر بجمال صوته الشجي، وبدعه الكثير من الطواريق التي لم يسبق عليها، ولا يجيدها سوى الشاعر المتمكن، فقد نظم أحلى القوافي وأجملها.. يقول عنه الأديب عبدالكريم الجهيمان في مقدمة ديوانه (نسمات الربيع) الذي صدر في عام 1384ه (شاعر هذا الديوان ليس مدّاحاً ولا متملقاً.. ولذلك فقد كانت هذه السمة من أعظم الدوافع لي لأقرأ ديوانه ولأكتب التعريف به.. وقد وجدت شعر الديوان ينقسم إلى قسمين. القسم الأول: شعر الغزل، الذي يصور لك عواطف الحب والمحبين وما يعتري هذه العواطف من يأس وأمل.. وتفاؤل وتشاؤم.. وقسوة.. واستخذاء. والقسم الثاني: المساجلات المرتجلة، التي تكون بين شاعرين في محفل كبير يتبارزان فيه.. ويحاول كل واحد من الشاعرين أن يبز منافسة لا بالسباب والشتائم.. ولكنه يحاول أن يبزه بالتحليق في أجواء عالية.. ونقل السامعين إلى تلك الأجواء المليئة بالمناظر والمآثر الخلابة). كما تألق وسطع نجمه في ميدان المحاورات الشِّعرية، فأصبح –بعد توفيق الله– واحداً من أهم وأبرز الشعراء في هذا المجال.. واشتهر بتواضعه الجم، والنقاء والصفاء، فهو مثل أعلى في حسن التعامل والتواصل، ودائماً تكون محاوراته الشِّعرية لها نكهة خاصة إذ يعجز التعبير عن وصفها فهو دائماً يتلاعب بالقوافي بكل جزالة واقتدار، وكثيراً ما يرتقي بالمحاورة، ومما يميز ذلك أنها تتسم بقوة المعاني، وجمال الأسلوب وقد لعب أحمد الناصر -رحمه الله- مع كثير من عمالقة المحاورة المعروفين ومنهم عبدالله لويحان وعلي القري والبحر وصقر النصافي ومرشد البذال وعلي أبو ماجد ومن محاوراتهما: أبو ماجد: يا سلام الله على اللي ما وراه اطماعه مثل صقر لا اجتمع مع مرشد البذالي ذا وأنا والله فلا بي خصلة مرتاعه والرهى والزود شيء ما خطر في بالي أحمد: مرحبا باللي يحوش الطايلة بذراعه من جديد ومن قديم وبالزمان التالي ما كذبت وكل من سافر يبي يفل شراعه والسعادة والبخت عند العزيز الوالي كما جرت له العديد من المحاروات الشِّعرية وعلي سبيل المثال وليس الحصر: محمد الجبرتي ورشيد الزلامي وخلف بن هذال ومستور العصيمي ومطلق الثبيتي وصياف الحربي وعبدالله بن شايق وفلاح القرقاح وحبيب العازمي وسلطان الهاجري وفيصل الرياحي والعديد من الشعراء الذين لا يتسع المجال لذكرهم، ومن تلك المحاورات التي جرت حسن العتاب المقبول بين الأصدقاء حيث لعب في أحد المحافل مع صديقه الشاعر فهد المحيشير – رحمه الله– ومنها: الناصر: أنا لي صاحب ما قد نشد عني ولا مرّه ولنّه شافني هّلا مثل غيره يهليبي ولاني راجي خيره ولاني خايف شرّه ولكن للرجال اسلوم وحقوق ومواجيبي المحيشير: أنا لي صاحب فيه أكثر العربان مغترّه يكمخني بوجهي مير في الضيقة يماريبي أنا ما خبر علي للناس مثقال ذرّه ولا حد كاشف صدري ولا معطيه من جيبي الناصر: ولا له في السما طاري ولا له فالوطا جرّه وهو يبخس محلي والجفا كله عذاريبي رفيقك لو يجيه الموج لا سره ولا ضرّه سواة الطير ولرياح تقبل بي وتقفيبي المحيشير: يقولون العرب من طاوع الشيطان أبو مرّه تغيره الروابع فالقرايب والاصاحيبي صحيح أن هالسنه عنا سفينة نوح مفترّه أحد يقطف زهرها وأحد تقالبه اللواهيبي الناصر: أنا عيني تنام الليل مرتاحه ومسترّه أكمّل مطلب الاصحاب ثم آخذ مطاليبي إليا منه و فا لله ياهل المعرفه درّه واليا جفا عديت في عالي المراقيبي المحيشير: عيونك دالهه وأنا عيوني دوك محمرّه على جنبي شهر ما شفت خط ولا مناديبي وأبو زيد الهلالي يوم لبس الثوب ما زرّه يشوفون العرب علباه بين الشك والريبي ولم يكتفِ الشاعر الفذ أحمد الناصر بكتابة الشِّعر لنفسه بل ظل يبوح بمشاعره ويتفنن في ذلك بكل اقتدار وتمكن وإبداع، ونجد في أشعاره -رحمه الله- صدق الإحساس، والبوح العذب، وجمال المعنى: فيه رجلٍ يحل المشكله والنشايب كل ماحملوه الواجبات احتملها واقفٍ للزوم ومرتكي للنوايب والحمول الثقيله مالها الا جملها ليت روحه قبل تركز عليه النصايب حط عنه اربعين من الزلايب بدلها وفيه منهو مسالم مايحب الطلايب مشتقى من رضى نفسه ولا من زعلها وفيه منهو اذا كبرت عليك المصايب ساق وجهه وجاهه لك ونفسه بذلها وفيه منهو يبا الجودا فلاشك هايب كل ماناض صدره جى عضوده خللها وفيه منهو يحل المعجزات الصعايب اصغر افعاله الجزلات محدٍ فعلها وفيه منهو يعيش وعيشته بالسبايب كل ماسمعله غلطة من رفيقه نقلها وفيه منهو على نفسه رضى بالغلايب الله اللي رفع نفسٍ .. ونفس خذلها غلاف ديوان «نسمات الربيع» صدر للفقيد في عام 1384ه