أ.د جبريل بن حسن العريشي* يظن البعض أن المحافظة على البيئة هي ترف تختص به الدول الأكثر تقدماً، والتي تستهدف تحقيق المتعة والراحة لمواطنيها، وذلك بعد أن فرغت من تلبية حاجاتهم المعيشية بكل أشكالها. أما الدول النامية فهي مازالت في طور السعي لتلبية الحاجات الأساسية لمواطنيها وتحقيق مستوى أفضل من الحياة لهم، ومن ثم فإن لديها من المشاغل ما يفوق المحافظة على البيئة في أهميتها. كما يرى البعض الآخر أن الدول المتقدمة ينبغي أن تتحمل كل مسؤولية علاج مشاكل البيئة على مستوى العالم، ولا تسعى لتحميل الدول النامية أعباء في هذا الشأن، فهي تملك الموارد المالية والنفوذ السياسي التي تمكنهم من ذلك، فضلاً عن أنها هي التي تسببت في أغلب تلك المشاكل، والتي من أهمها الاحتباس الحراري وما أدى إليه من تغيرات في الأحوال الجوية، وزيادة معدل التلوث الناتج عن انتشار الأنشطة الصناعية على نطاق واسع. المعضلة التي تغيب عن الرؤى السابقة هي أن المشاكل البيئية لا تنحصر داخل حدود دول بعينها، كما أن أثر الكوارث البيئية التي تحدث يطال العديد من الدول والمناطق ولا يقتصر على الدول التي تسببت فيها، فإذا أضفنا إلى ذلك أننا كلنا على مستوى العالم بحاجة إلى الأطعمة المغذية والمياه النظيفة والهواء المنعش، أيا كان المكان الذي نعيش فيه، فإننا ندرك أن المحافظة على البيئة ليست ترفا أوأمراً ثانوياً، بل هي مطلب أساسي تتقاسم الدول المتقدمة والنامية أعباءه على حد سواء. إن العالم كلة يعيش على كوكب الأرض، وإن أفسده فليس لديه كوكب آخر يمكن أن ينتقل إليه، والمملكة هي وطننا الذي نعيش فيه على ظهر هذا الكوكب، فليس لدينا وطن غيره، ومن ثم فإن قيامنا بدورنا في رعايته بشكل أفضل - من خلال إجراءات المحافظة على البيئة - هو أمر يعنينا جميعاً: الدولة والمجتمع المدني والأفراد، فهو ضرورة حياتية، فضلاً عن كونه - كما جاء في رؤية المملكة 2030- واجباً دينياً وأخلاقياً وإنسانياً. لذا، فإن من مصلحتنا ومصلحة أبنائنا أن نقوم بذلك في مسارين متوازيين. الأول: يتضمن الامتناع عن استخدام ما يتيحه لنا من الموارد الطبيعية - والتي تشمل المياه النظيفة والأراضي الصالحة للزراعة والهواء النقي والنباتات والحيوانات والثروة المعدنية والبترول- إلا بصورة صديقة للبيئة، والثاني: يتضمن المبادرة بالحد من التلوث من خلال رفع كفاءة إدارة المخلّفات وإعادة تدوير النفايا، وبمقاومة ظاهرة التصحّر، وبالاستثمار الأمثل لثروتنا المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددّة، وبحماية الشواطئ والمحميّات والجزر وتهيئتها، وهو ما أشارت إليه الرؤية. إن من أوجب واجباتنا تجاه أنفسنا، وتجاه الأجيال القادمة من بعدنا، أن نحرص على عدم استخدام مواردنا التي حبانا الله بها بشكل أسرع مما يمكن للطبيعة أن تعوضه، وعلى عدم نشر التلوث بصورة تفوق معدل التجدد الطبيعي لمقدراتنا من الماء والهواء، وعلى عدم تدمير النظام البيئي الذي يزودنا – نحن وكل أشكال الحياة الأخرى- بالمياه العذبة والغذاء والهواء النقي والمأوى. * عضو مجلس الشورى السابق