المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة البيئية غائبة.. وإقرار البرنامج الوطني يوفر 20 %من ميزانية الدولة
الدراسات شحيحة .. الأضرار الاقتصادية والصحية والاجتماعية تتفاقم .. عكاظ تفتح الملف:
نشر في عكاظ يوم 23 - 12 - 2011

إذا استيقظت صباحا وصعدت إلى تلة مرتفعة وتأملت سماء مدينة جدة أو إحدى المدن الكبرى لرأيت غمامة سوداء تغطيها، إذ هي نتاج طبيعي لما ينبعث من المصانع والمنشآت ومحطات التحلية وعوادم السيارات من الغازات والأدخنة السامة. هذا في السماء، أما البحر المحيط بمدينة جدة والممتد أكثر من 70 كيلو مترا فهو يتعرض للتلوث يوما بعد آخر، بسبب ما يلقى فيه من مياه الصرف الصحي، مما يتسبب في بعض الأمراض والميكروبات، وتزداد خطورة هذا التلوث إذا عرفنا أن هناك مؤشرا قويا حول تلوث مياه الشرب بنسبة 22%، بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إلى الخزانات الأرضية، وللتنفيذ الخاطئ لكثير من المباني والمنشآت، في ظل عدم وجود مواصفات دقيقة للبناء، وفق دراسة سابقة للشؤون الصحية نشرت في الصحف قبل ست سنوات.
وكل يوم نشهد تنامي أعداد المصانع والسيارات، التي تطلق سمومها وتتسبب في تلوث ما نستنشقه من هواء، ولا يقتصر الحال على مدينة جدة بل يشمل كافة المدن الكبرى، التي تنتشر فيها المصانع وتكثر فيها السيارات، ومكمن الخطورة في الأمر أن ثمة تحذيرات بنيت على معلومات علمية تؤكد أن التلوث البيئي الناجم عن أدخنة المصانع وعودام السيارات وغيرها قد يؤثر على الأجنة ويلعب دورا في زيادة معدلات إصابة الأطفال بسرطان الدم ( لوكيميا ).
ومن خلال دراسة نشرت على الإنترنت أكد علماء في مجال لوكيميا الأطفال، خلال مؤتمر علمي عقد مؤخرا في لندن، أن العوامل والملوثات البيئية المؤذية تنتقل من الأم إلى الطفل أثناء فترة الحمل، وذلك كونها قادرة على الوصول عبر المشيمة، وبالتالي تؤثر على الجهاز المناعي للطفل، الأمر الذي يزيد خطر إصابته بالسرطان.
وأشار أخصائي الأمراض الصدرية الدكتور محمد عبدالسلام إلى أن الآثار السلبية جراء هذا التلوث مؤكدة على الجهاز التنفسي، حيث تؤدي إلى الأنفلونزا وهي اخطر هذه الأمراض، بالإضافة إلى الربو المنتشر بكثرة في المملكة وكذلك السرطان عند الكبار وقد يؤدي إلى الجلطات.
ولا تتوقف مهددات البيئة عند ما ذكرناه سابقا وما يحيط بنا من مخاطر كونية كالتغيير المناخي، وظاهرة الاحتباس الحراري، بل هناك أشكال من مهددات البيئة نغفل عنها كثيرا، كهدر الطاقة الكهربائية والمائية وتدني مستوى النظافة، وغيرها من الأمور المسكوت عنها والتي تشكل خطرا بيئيا حقيقيا يهدد كل الكائنات الحية من بشر ونبات وحيوان.
وتمتد الآثار السلبية نتاج التلوث البيئي والكوارث التي تحصل بسببها محدثة خسائر اقتصادية تؤثر على التمنية وتوجه كثيرا من الأموال لمعالجة هذا الخلل، فقد كشفت دراسة حديثة رفعت لمجلس الشورى من قبل جمعية البيئة السعودية أن رفع الثقافة البيئية سيوفر 20 في المائة من الميزانية التي تصرف في مجال الصحة والاقتصاد والبيئة وستذهب لمصاريف تنموية أكثر نفعا للمواطن والوطن.
ولسنا بمعزل عن العالم في قضايا البيئة، فخسارة العرب خلال العقود الأربعة الأخيرة، جراء الكوارث بسبب ضعف الاهتمام بالبيئة، بلغت 22 مليار دولار وفق تقرير دولي حول الأخطار الطبيعية والكوارث غير الطبيعية أعدته جامعة الدول العربية بالتعاون مع البنك الدولي والأمم المتحدة، وأوصى التقرير حينها بضرورة اتخاذ تدابير وقائية تتسم بالكفاءة من شأنها تقليل حجم الخسائر ومن ذلك رفع الوعي والثقافة البيئية في المجتمعات العربية.
ولم يقف حجم الخسائر جراء الكوارث الطبيعية والبيئية عند حدود العالم العربي بل تجاوزه للعالم كله، الذي تكبد خسائر تصل إلى 350 مليار دولار عام 2011م وفق دراسة لإحدى شركات التأمين السويسرية.
كل هذه المعطيات دفعت الجهات المهتمة بالبيئة من حكومات ومؤسسات مجتمع مدني لتنظيم عدة مؤتمرات تناقش قضايا البيئة وتدعو للاهتمام بها، وتثقيف المجتمعات وتوعيتها بالممارسات الصحيحة تجاه البيئة، التي تخسر كل يوم بسبب التعامل السلبي معها من قبل الإنسان. كما تشير الإحصاءات إلى أن العالم قد خسر في عام واحد فقط، حوالي 36 نوعا من الحيوانات الثديية، 94 نوعا من الطيور بالإضافة إلى تعرض 311 نوعا آخر للخطر، أما الغابات فهي في تناقص مستمر بمعدل 2% سنويا، نتيجة الاستنزاف وتلوث الهواء المنتج للأمطار الحامضية، وكذلك التربة فإنها تتناقص باستمرار بمعدل 7% من الطبقة العليا كل عقد، وذلك بسبب الانجراف والتآكل بشكل مستمر نتيجة الإنهاك المستمر بالزراعة الكثيفة أو الري الكثيف، مما يؤدي إلى ملوحة التربة وتصحرها.
لذلك أصبحت قضايا البيئة و التنمية المستدامة من أهم قضايا العصر التي تشغل بال الكثير من الدول والمنظمات العالمية التي تسعى إلى حماية كوكب الأرض الذي نستقله من الدمار والخراب.
«عكاظ» فتحت ملف التثقيف والتوعية البيئية في المجتمع، متسائلة عن مدى وعي المجتمع بالثقافة البيئية ومخاطر غياب هذا الوعي على الإنسان والأرض، وجدوى ما يقدم من برامج توعوية، ودور الجهات المعنية سواء كانت حكومية أو مدنية في التوعية والتثقيف وخلصنا بالتوصيات اللازمة لرفع الوعي البيئي في سياق التحقيق التالي :
الوعي البيئي
بداية بين الأستاذ في كلية علوم البحار في جامعة الملك عبد العزيز، الخبير البيئي الدكتور علي عشقي، معنى البيئة بقوله «هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويمارس فيه نشاطه الزراعي والصناعي والاقتصادي والاجتماعي، وتتأثر بظروفه أحواله الصحية والنفسية».
ويضيف مبينا معنى الوعي البيئي بقوله هو «الإحساس الذاتي بأهمية العمل التسخيري الذي تقوم به البيئة لنفع الإنسان، بتزويده بمقومات الحياة وعوامل البقاء لكي يتمكن بدوره من أداء مهمته الاستخلافية في الأرض بإعمارها و تحقيقا للغاية من خلقه وهي عبادة الله تعالى».
ويوضح عشقي معنى التلوث البيئي بأنه «كل تغير كمي أو كيفي في مكونات البيئة الحية وغير الحية، ولا تقدر الأنظمة البيئية على استيعابه دون أن يختل توازنها».
ورأى عشقي ضعف الوعي البيئي في المجتمع محملا الجهات التعليمية والتربوية ووسائل الإعلام المسؤولية، مبينا أن الجهل البيئي تسبب في كوارث عديدة أثرت على التنمية المستدامة التي تعني الحفاظ على حقوق الأجيال في الموارد البشرية، مستدلا بما يتم فعله من قطع الأشجار وتلويث البحر بمياه الصرف الصحي، مما أثر على الثروة السمكية وتشويه الشاطئ بالردم والتجريف.
وأشار عشقي إلى أن المؤتمرات التي تعقد حول البيئة تنظيرية وعديمة الفائدة، منتقدا دور الأرصاد وحماية البيئة، الذي وصفه بالضعيف في مجال التوعية والاجراءات الاحترازية لمنع تلوث البيئة.
ورأى الدكتور علي أن دور الجامعات والمراكز البحثية محدود ودون المأمول، كونها لم تخرج من أسوار الجامعة وبادرت للمساهمة في حل مشاكل البيئة ورفع الوعي والثقافة، مستدلا بما حصل في موضوع حمى الضنك وكارثتي جدة الأولى والثانية وعدم استفادة الجهات البحثية لوضع برامج وقائية توعوية، مبينا أن الجامعات عملت أبحاثا كثيرة لم يستفد منها من قبل الجهات المعنية.
المخاطر الاقتصادية
وأبان عشقي أن هناك مخاطر اقتصادية كثيرة من جراء ضعف الوعي البيئي، منها خسارتنا لرافد مهم وهو الثروة السمكية، إضافة لخسارة المملكة 13 مليون ريال لمواجهة حمى الضنك، إضافة للعديد من الخسائر بسبب تفشي الأمراض التنفسية وما يصرف عليها من أموال لعلاجها من قبل وزارة الصحة.
وهنا يوضح المحلل الاقتصادي الدكتور علي دقاق خسارة المملكة ملايين الريالات بسبب ضعف الثقافة البيئية، منها خسارتها بسبب تصريف مياه الصرف الصحي في البحر، مما ساهم في تأثر الثرورة السمكية، وسوف تتأثر على المدى الطويل السياحة في جدة وينعكس ذلك سلبا على المطاعم والفنادق والعاملين فيها، ولفت دقاق إلى أن من الخسائر الاقتصادية خسارة الدولة في ما تصرفه من أموال على ميزانيات وزارة الصحة، بسبب انتشار الأمراض النفسية، وكذلك ما يصرف على النظافة.
وأشار إلى أن هدر الطاقة أحد الوجوه التي تتسبب في خسائر اقتصادية وتؤدي إلى مشاكل بيئية، محملا الفكر التجاري المحدود الذي يفكر بالربح دون معرفة ما يترتب على بعض الأنشطة التجارية من أضرار بالبيئة.
ويرى دقاق أن هناك ضعف اهتمام بالتوعية البيئية رغم حجم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تتسبب بها، نافيا وجود دراسات علمية تحدد حجم الخسائر جراء ضعف الاهتمام بالبيئة وانخفاض الوعي البيئي.
وأكد دقاق وجود أنظمة ممتازة في المملكة للحفاظ على البيئة وبرامج توعوية جيدة، لكن المشكلة تكمن في تطبيقها، مطالبا بضرورة تدخل الحكومة للمساهمة بالدعم المادي في برامج التوعية شريطة أن يكون هناك تعاون من قبل أصحاب المنشآت والتجار ومؤسسات المجتمع المدني.
ولفت دقاق إلى أن هناك مشكلة في التوعية نفسها في أن بعض التجار يطبق الأنظمة خوفا وليس قناعة وفهما للأضرار التي تتسبب بها، والخسائر الاقتصادية على المدى الطويل والتي ستنعكس عليه سلبا.
وبالعودة للدكتور علي عشقي فقد دعا إلى ضرورة أن تخصص مناهج خاصة للتوعية والتثقيف البيئي لغرس هذا الفكرة في الأجيال المقبلة، مطالبا في الوقت نفسه بعمل مسرحيات ومسلسلات تناقش قضايا البيئة لأثرها الكبير في الناس مع استخدام المشاهير في البرامج التوعوية، مشددا على أهمية الكراسي البحثية لعمل دراسات بحث دقيقة حول مخاطر غياب الثقافة البيئية والطرق الناجعة لزيادة وعي المجتمع ببيئته.
الكراسي البحثية
ويدافع رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الحياة، المشرف على كرسي الأمير سلطان بن عبدالعزيز للبيئة والحياة الفطرية، الدكتور إبراهيم بن عبد الواحد عارف، عن دور الجامعات والكراسي البحثية بقوله «تقوم الجامعات والمراكز البحثية بدور مهم في رفع مستوى الوعي البيئي من خلال برامجها التعليمية العلمية، وبعض الجامعات لديها برامج علمية متخصصة في علوم البيئة، أما المراكز البحثية فتدعم البحوث المقدمة في هذا المجال».
وأضاف عارف «بصفتي رئيسا لمجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الحياة، ومشرفا على كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للبيئة والحياة الفطرية اللذين أحد أهم أهدافهما نشر التوعية البيئية، فقد قمنا بكثير من الجهود في هذا المجال لنشر هذا الوعي بدءا من عقد الندوات واللقاءات العلمية والدورات التدريبية وورش العمل، التي تدرس مختلف القضايا والتحديات البيئية المحلية والدولية، ثم رفع التوصيات التي تطرح حلولا واقعية لهذه التحديات، حيث عقدت الجمعية والكرسي ما يقرب من 30 لقاء علميا خلال الأعوام الماضية كانت معظم موضوعاتها عن البيئة، وتم إلقاء ومناقشة أكثر من 2000 ورقة علمية خلالها من داخل وخارج المملكة، وانتهاء بإصدار منشورات علمية وكتب وأفلام توعوية ومشاركات صحفية وإذاعية وتلفزيونية».
ويعترف عارف بغياب الثقافة البيئية بين بعض الشرائح، وذلك لعدة أسباب من أهمها حدوث الطفرة الاقتصادية قبل أكثر من 30 عاما، التي شملت مختلف أجزاء المملكة وما تلاها من نمو اجتماعي وديموغرافي سريع، وزيادة في مستوى المعيشة وارتفاع عدد السكان (مواطنين ومقيمين)، مؤكدا أنه لم يصاحب ذلك تثقيف بيئي يرفع مستوى الوعي، حيث لوحظت زيادة التعديات الجائرة على مكونات النظام البيئي، مما أدى إلى تأثيرات سلبية على النظام البيئي المحلي، أهمها ارتفاع نسبة التلوث بمختلف أشكاله وأنواعه، وبرزت مشكلة تلوث السواحل البحرية بمياه الصرف الصحي، وظهرت مشكلة تلوث التربة والمحاصيل، وإشكالية استنزاف الموارد المائية، إضافة إلى اتساع ظاهرة الجفاف والتصحر الذي أصاب المراعي الطبيعية، وتزايد رمي النفايات الطبية، وغيرها من الأضرار البيئية، مما أدى إلى التهديد بانقراض بعض الكائنات، نباتية أو حيوانية، أو إلى التأثير على الصحة العامة للإنسان. وشدد عارف على أن خطورة غياب هذه الثقافة عن المجتمع ستكون على الأجيال القادمة أكثر مما هي علينا، نتيجة لإخلالنا بالتوازن البيئي الذي أوجده الخالق سبحانه لتستمر الحياة في هذا الكون، والإخلال بالتوازن البيئي لا يؤدى فقط إلى تهديد مكونات البيئة الحية بل قد يمتد إلى التأثير على الصحة العامة للفرد والمجتمع.
مسؤولية القصور
ويرفض عارف تحميل الأرصاد وحدها مسؤولية القصور، مبينا أن كل جهات المجتمع مسؤولة عن التوعية والتثقيف وحماية البيئة، مبينا أن النظام الأساسي للحكم في المملكة في مادته الثانية والثلاثين نص على التزام الدولة بالمحافظة على البيئة وحمايتها والحد من تلوثها وتدهور عناصرها، إيمانا من الدولة وولاة الأمر بأن المحافظة على البيئة الطبيعية تعني الاهتمام بسلامة المجتمع وصحته ورخائه على المدى البعيد.
ودعا عارف للتركيز أكثر على بناء خطط تنموية ورسم برامج طموحة في المجتمع تحافظ على بيئة طبيعية صالحة ونظيفة. والاهتمام أكثر بقطاع البيئة الطبيعية والحياة الفطرية في المملكة، بما فيها تضمين علوم البيئة بالمناهج الدراسية في التعليم العام، إضافة إلى دعم البرامج والأنشطة والجهود المحلية لمعالجة مشاكل البيئة والحد مما يهددها من أخطار جسيمة، وفي نفس الوقت طالب عارف المراكز البحثية في الجامعات بدراسة الظواهر المناخية، والإشكاليات البيئية لمعرفة أسبابها ونتائجها لتحليلها بشكل دقيق، من أجل إيجاد الحلول المساعدة في الحد منها ومعالجة أضرارها.
ويختلف المشرف على كرسي الدرعية للدراسات البيئية الدكتور نايف بن عبد الله الحربي مع رأي عارف في أن الثقافة البيئية غائبة عن المجتمع، مؤكدا أنها موجودة ومؤصلة تأصيلا شرعيا، لأن مجتمعنا مجتمع إسلامي يحث على الاهتمام والحفاظ على البيئة، لكن الحربي يرى عدم تطبيقها على الأقل عند البعض، مبينا أن عدم وجود الثقافة البيئية أو عدم تطبيقها يؤدي إلى مخاطر بيئية كبيرة، حيث تصرف بعض الدول مئات الملايين فقط لإصلاح ما تم إفساده من قبل بعض أفراد المجتمع، مشيرا إلى أنه مع هذه المحاولات فإنها لا تؤدي إلى عودة المقومات البيئية المتأثرة إلى حالتها الطبيعية بنسبة 100%. وفي هذا هدر كبير للمال العام.
ولفت إلى أن هناك بعض المشاكل البيئية التي لا يمكن معالجتها في الوقت الحاضر لقلة الدراسات المتخصصة فيها، وبالتالي لا يكون هناك إمكانية لإصلاح الخلل البيئي، وهذا يؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي والذي يؤثر على جميع الكائنات الحية التي تعيش على الأرض.
واتفق الحربي مع رأي عارف بأن للجامعات والمراكز البحثية المتخصصة وكراسي البحث العلمية دورا كبيرا في رفع مستوى الوعي البيئي والثقافة البيئية لدى شرائح المجتمع المختلفة، مبينا أن إدراك الحكومة بأهمية المحافظة على ثرواتنا البيئية المتنوعة دفعها لإنشاء العديد من المراكز العلمية والكراسي البحثية، التي تولي الثقافة البيئية لدى المجتمع اهتماما كبيرا.
أنموذج يحتذى
وأفاد الحربي أن كرسي الدرعية للدراسات البيئية في جامعة الملك سعود أحد الكراسي البحثية العلمية المهتمة بالقضايا والشؤون البيئية في المملكة بشكل عام وبمدينة الدرعية بشكل خاص، مبينا أن الكرسي يهدف إلى جعل مدينة الدرعية مدينة بيئية نموذجية. والمحافظة على المقومات البيئية الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة في بيئة مستدامة وإلى إيجاد متنفس ثقافي واجتماعي وترويحي وتحقيق الريادة في تعزيز مفهوم المدينة البيئية النموذجية، موضحا أنهم بصدد دراسة تقييم الوضع البيئي لمدينة الدرعية ومقدار الوعي البيئي، وعلى أساسها يتم تنظيم حملة بيئية مكثفة تستهدف الطلاب والطالبات في مدارس الدرعية لزيادة الثقافة البيئية لديهم، مؤكدا أن استهداف الأجيال القادمة مهم جدا لضمان ثقافة بيئية صحيحة تؤسس لمدينة بيئية نموذجية.
ويؤكد رئيس قسم عمارة البيئة في كلية تصاميم البيئة في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أشرف التركي أن المجتمع في الماضي كان يملك ثقافة بيئية انعكست على التعامل مع بيئته بأسلوب ذكي، واستطاع أن يصمم منزله وفق متطلبات حياته.
لكن التركي حمل التطور الحديث مسؤولية تخلي الإنسان عن ثقافته، فلم يعد واعيا لماذا تصمم (الرواشين) في المنازل بأشكال معينة، ولماذ توضع الاشجار والورود حول المنازل والمغزى من ذلك، مؤكدا أن كثيرا من وسائل الرفاهية كالسيارات والمكيفات
التي تعتبر أكبر أعداء البيئة، دون أن يلتفت الإنسان لمضار هذه الوسائل.
وشدد التركي على مهمة الجهات البحثية والعلمية في القيام بدراسات تحدد أسباب ضعف الثقافة البيئية مع ضرورة مشاركة الجمعيات البيئية في ذلك.
وأبان التركي أن غياب الثقافة البيئية ساهم في بعد رجال الأعمال عن الاستثمار في السياحة البيئية، التي تتميز بها المملكة نظرا لتنوع بيئاتها، ودعا كل الجهات إلى عمل مبادرات لحماية البيئة ورفع مستوى الوعي المجتمعي.
البرنامج الوطني
وترفض الاستاذ المساعد في جامعة الملك عبدالعزيز، قسم التقنية الحيوية، نائب المدير التنفيذي المكلف لجمعية البيئة السعودية الدكتورة ماجدة أبوراس، وجود قصور من قبل جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في مجال التوعية البيئية والمحافظة على بيئة نظيفة، مستشهدة بما تقوم به جمعية البيئة السعودية المرخص لها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال البرنامج الوطني للتوعية البيئية والتنمية المستدامة «بيئتي عالم أخضر ووطن أخضر» الذي تم رفعه لمجلس الشوى لاعتماده وهو أول برنامج عربي يناقش القضايا البيئية والتخطيط ويتحول لمبادرة عربية، مبينة أن البرنامج سيطبق على دول الخليج لمدة عشر سنوات.
مؤكدة ان البرنامج يحتاج لفترة طويلة للتطبيق حتى يتحول لسلوك وعادة، وأشارت إلى أن البرنامج يحتاج دعما ماليا كبيرا لتنفيذه، متأملة بإيجاد دعم مالي كبير من قبل وزارة المالية، وأبانت أبوراس أن البرنامج يتضمن دراسة أجرتها الجمعية، أوضحت أن تطبيق هذا البرنامج ورفع مستوى الوعي البيئي سيساهم في تخفيف أعباء مالية على الدولة، ويوفر 20 في المائة من الميزانية، لتتجه إلى مشاريع تنموية تعود بالنفع على الوطن والمواطن، وأشارت الدكتورة ماجدة إلى أن مبادرتهم وجدت ثناء كبيرا من قبل الشورى، لكن لم تصدر أية توصية تجاهها، متمنية دعم هذا البرنامج لمساهمته الكبيرة في رفع الوعي البيئي والحفاظ على بيئة نظافة مثالية.
وأكدت المدير التنفيذي المكلف لجمعية البيئة السعودية أن مستوى الثقافة البيئية متواضع ليس على مستوى السعودية فحسب، بل على مستوى العالم كله.
وأبانت أبوراس أن هناك دورين في حماية البيئة الأول يقع على كاهل الجهات الحكومية والدور الثاني على مؤسسات المجتمع المدني والأفراد.
موضحة أن الحكومة هي التي تسن القوانين لحماية البيئة وتعمل على رفع مستوى الوعي، ويأتي دور مؤسسات المجتمع المدني كجهة تكميلية.
وكشفت الدكتورة ماجدة عن توجههم الكبير للمدارس ورياض الأطفال والروضة بالاتفاق مع وزارة التربية والتعليم، مشددة على أن الاستثمار الأمثل يكون في النشء وليس في كبار السن، مؤكدة أن مثل هذه البرامج تؤثر بهم وتحول هذا العلم إلى سلوك مع زيادة جرعات البرامج التوعوية.
وأبانت أن جمعيتهم هي الجمعية البيئية السعودية الوحيدة المرخص لها، لكنها ترى أن الحاجة لجمعيات إضافية مرهون بما تقدمه، فالعبرة ليست بكم الجمعيات وإنما بمستوى ما تقدمه من برامج ومبادرات لمصلحة البيئة.
دور الشورى
وهنا ينفي عضو مجلس الشورى نائب رئيس لجنة الشئون الصحية والبيئية في المجلس الدكتور محسن الحازمي وصول البرنامج الوطني للتوعية البيئية والتنمية المستدامة «بيئتي عالم أخضر ووطن أخضر» الذي ذكرته الدكتورة ماجدة للمجلس.
وأبان الحازمي أن لجنة الشؤون الصحية والبيئية في المجلس تناقش التقارير السنوية للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة وتبدي الرأي بشأن ما يرد فيها، مشيرا إلى أن اللجنة المختصة توصي بناء على ذلك بما تراه حيال التقرير ويصدر المجلس قراراته بشأنها.
وحول تثقيف المجتمع قال الدكتور محسن «سبق للمجلس أن أصدر عدة قرارات تصب في هذا الاتجاه ومنها قراره الذي ينص على «دعم دور المجتمع المدني وتفعيله وتكوين جمعيات أهلية للبيئة في مناطق المملكة المختلفة».
وشدد الحازمي على أن الثقافة البيئية ليست غائبة تماما عن المجتمع، إلا أن هناك قصورا في مستوى الإلمام بأهمية البيئة وخاصة علاقتها بصحة الإنسان والحيوان والنبات.
ودعا عضو مجلس الشورى إلى الاستفادة من المدارس والجامعات والشركات البيئية العاملة في المملكة في زيادة البنية المعلوماتية عن الوضع البيئي وتعزيز جهود الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في نشر الوعي البيئي والثقافة البيئية في المجتمع، و ترسيخ المفاهيم البيئية على المستوى الوطني والمحافظة عليها ومتابعة أعمالها والالتزام بمقتضياتها، وزيادة تنسيق العمل البيئي بين الجهات المختصة وتقييم وتقويم جهودها، ودعم الرئاسة العامة ماليا وإداريا لتقوم بواجبها على الوجه المطلوب، داعيا كل الجهات المعنية من تربية وتعليم ووسائل إعلام بالمشاركة في الحملات التوعوية ودعمها.
مناهج البيئة
وهنا يؤكد مصدر في وزارة التربية والتعليم عن عزم الوزارة التوسع في التوعية البيئية من خلال المناهج، مبينا أن الوزارة تعمل على التوعية البيئية من خلال ما يعرف بالتربية البيئية، وهي عملية تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه، وتوضح حتمية المحافظة على المصادر البيئية وضرورة حسن استغلالها لصالحه والحفاظ على حياته الكريمة ورفع مستويات معيشته.
وأبان المصدر أن الوزارة وقعت مع عدد من الجهات المعنية لعمل برامج توعوية للطلبة والطالبات في مختلف المراحل لغرس قضية الاهتمام بالبيئة، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل على الاستفادة من الأنشطة اللاصفية والمعلم القدوة في تعزيز الثقافة البيئية، داعيا في الوقت نفسه الأئمة والدعاة وخطباء المساجد للمشاركة في البرامج التوعوية.
ويؤكد رئيس لجنة تقييم الأئمة والخطباء في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض الدكتور عزام الشويعر عن أن الوزارة تعمم على الخطباء بالحديث عن الاهتمام بالبيئة لأن ذلك ما دعت إليه الشريعة، مرحبا بالتعاون مع أي حملات توعوية تسهم في رفع الثقافة البيئية، وطالب الجهات التربوية ووسائل الإعلام والجهات البحثية بالقيام بأدوارهم.
الإعلام التوعوي
بدوره دافع المشرف العام على التلفزيون السعودي المستشار في وزارة الثقافة والإعلام عبدالرحمن الهزاع عن دور وسائل الإعلام، مؤكدا أن الإعلام وحده لا يتحمل مسؤولية القصور، بل إن جميع الجهات مقصرة، لكن الهزاع يؤكد على بدء الاهتمام برفع الوعي البيئي، مشيرا إلى أن كافة وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة بدأت تولي موضوع التوعية اهتماما وتخصص حيزا من برامجها وصفحاتها من أجل ذلك.
وكشف الهزاع عن تأهيل إعلاميين مختصين بالبيئة بالتعاون مع «الأرصاد» وباقي الجهات ليكونوا شركاء فاعلين في برامج التوعية، داعيا إلى الاستفادة من المسلسلات والمسرحيات والأفلام لتأثيرها الكبير في التثقيف البيئي.
وهنا رحب المنتج والفنان حسن عسيري بالتعاون مع الجهات المعنية بالبيئة لإنتاج مسلسلات توعي الناس بأهمية البيئة والمحافظة عليها، وهو ما أكد عليه المنتج ممدوح سالم المختص في مجالي الإنتاج السينمائي والمسرحي، مبينا أن ذلك يحتاج لدعم مالي، لكنه سيكون أكثر تأثيرا من باقي الوسائل التوعوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.