العريشي حققت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بصفة عامة، والحوسبة النقالة على وجه الخصوص، تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة. ويرى الباحثون أن هذا التطور يمهد الطريق لتقديم معلومات مفصلة عن البيئة الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بمواطني الدولة، بما يسمح لأعداد كبيرة منهم بالانخراط في أنشطة تعاونية لحل المشاكل القائمة عن طريق ما يسمى ب "التعهيد الجماعي" crowd sourcing والذي يعني ببساطة الانخراط في العمل التعاوني الجماعي. ويبشر هذا النهج بحدوث تحولات جذرية في أسلوب حياتنا، يقوم على الدمج بين ما تتيحه تكنولوجيا الاتصالات وتقنية المعلومات من القدرات الحوسبية والتشغيلية وقدرات الاستشعار من جانب، وبين قدرات البشر المعرفية والتشغيلية وقدرات الاستشعار لديهم من جانب آخر، بما يسمح لهذه القدرات مجتمعة أن تعمل معا بطريقة متسقة لتحقيق مرتكزات رؤية المملكة 2030، والتي تسعى "لتيسير سبل التفاعل بوسائل ذكيّة، وللاستماع إلى آراء الجميع"، فيصبح المجتمع في ذلك مثل كثير من مجتمعات الكائنات الحية على سطح الأرض، والتي تشكل بمشاركتها معا ما يعرف بالذكاء الجماعي أو التكافلي، وهو الذكاء الناشئ عن قيام كل فرد فيها بوضع قدراته المعرفية والحركية في خدمة الجماعة. في مجتمعات النمل على سبيل المثال، تكون القدرات المعرفية والحركية وقدرات الاستشعار التي لدى النملة الواحدة محدودة للغاية، إلا أن جماعة النمل تقوم بالتنسيق بين تحركاتها وبتبادل المعرفة فيما بينها عن مصادر الطعام والخطر، وتشكل بذلك قدرة جماعية قوية على الاستشعار تستطيع بها إيجاد الطعام في البيئة المحيطة، كما تشكل قدرة حوسبية تمكنها من معرفة أقصر طريق إلى الطعام وإلى العش، فضلا عن قدرة حركية تمكنها من نقل كميات كبيرة من الطعام إلى العش. وهذه القدرات مجتمعة تمكن مستعمرة النمل من التصرف بذكاء وقدرة عاليتين بما يمكنها من التكيف مع البيئة المحيطة بها، وهو ما لا تقدر عليه نملة بمفردها. وفي مجتمعنا، يمكننا القيام بأنشطة اسشعارية تشاركية من خلال التواصل والتعاون عن بعد، وربما بصورة غير مرئية، بين المواطنين وأجهزة الدولة، وذلك باستخدام معطيات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الموجودة في أيدي المواطنين ومنازلهم. ولا يعني ذلك مجرد إتاحة مواقع على الإنترنت للتفاعل مع المواطنين، وإنما يعني إتاحة تطبيقات ذكية تستعلم عن القضايا المختلفة، ويقوم المواطنون بالاستجابة الفورية من أجهزتهم النقالة، أو يقومون بالمبادرة بالتواصل دون سابقة استعلام. وعند انتشار تلك السلوكيات على مستوى الدولة، وتقاسم نتائجها بين قطاعاتها، فإنه سيكون هناك فهم أفضل لقضايا المجتمع وتفاعلاتها، مما سيتيح قدرة أكبر على التخطيط لمواجهة المشكلات والاستجابة المباشرة لتداعياتها، أو إصلاحها بناء على معطيات المواطنين التي ترد من خلال قنوات التواصل الذكية بين الأجهزة الحكومية من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى، وهو ما تسعى الرؤية إلى تحقيقه. فهلا استخدمنا ما في أيدينا من القدرات الحوسبية بحيث نصبح مثل النمل في تعاونهم وتعاضدهم؟ * عضو مجلس الشورى