إن نمو التكنولوجيا النقالة أمر لم يسبق له مثيل. فحسب شركة الاستشارات والأبحاث الشهيرة جارتنر، فإنه في عام 2013 ستتفوق الأجهزة النقالة على الحواسيب الشخصية وستصبح هي الأكثر تعاملا مع الإنترنت، وبحلول عام 2015 سيكون 80% من الأجهزة المباعة في الأسواق ستكون من الهواتف الذكية، منها حوالي 20% فقط تعمل بنظام وندوز، وسيكون 50% من أجهزة اللاب توب من الحواسيب اللوحية tablet، ومن المرجح أن يكون ويندوز 8 في المرتبة الثالثة بعد كل من أندروويد وآبل IOS . وسيتم انتهاء عصر هيمنة الحاسوب الشخصي بنظام تشغيل ويندوز وبدء عصر ما بعد الحاسوب الشخصي، حيث يكون ويندوز مجرد نظام تشغيل وسط عدة أنظمة متاحة في بيئات تكنولوجية متعددة. وقد صاحب هذا النمو في التكنولوجيا النقالة نموا مذهلا في تطوير التطبيقات التي تعمل على الأجهزة النقالة، والتي وصل عدد ما تم تنزيله منها في عام 2012 إلى 45 بليون تطبيق، ويتوقع أن يصل هذا العدد إلى 300 بليون في عام 2016 حسب توقعات جارتنر. ويرجع السبب وراء تلك الشهية المفتوحة لتطبيقات الأجهزة النقالة إلى أنها مجانية في أغلبها، حيث تبلغ نسبة التطبيقات المشتراة هذا العام 11% فقط من إجمالي التطبيقات التي تم تنزيلها، ويتوقع أن تنخفض تلك النسبة إلى 7 % بحلول عام 2016. ولذا فإن المؤسسات والشركات على شفا ثورة حقيقية في مجال تكنولوجيا المعلومات تتيح لها فرصا هائلة للأعمال، إلا أنه ينبغي عليها في نفس الوقت مواجهة تحديات لا يستهان بها في مجالات التأمين والتكلفة والحوكمة، وهي ثورة تذكرنا بثورة الإنترنت التي انطلقت في بداية التسعينيات من القرن الماضي والتي كان الابتكار المستمر وإقبال المستخدمين على استخدامها القوتين الدافعتين الرئيسيتين لها، وهو ما نلحظه الآن بصورة أكبر، فالابتكارات النقالة متلاحقة، وكل ابتكار جديد يفرز إما أنواعا جديدة أو مواصفات أحدث واستخدامات أكثر تنوعا، والناس يلهثون وراءها فيستبدلون أجهزتهم النقالة بالأنواع الأحدث عاما بعد عام، ويزداد استخدامهم لها على نطاق واسع في حياتهم اليومية حتى أصبحوا الآن يتطلعون لاستخدامها بنفس القدر في أعمالهم. وفي استطلاع لرأي 250 مديرا تنفيذيا حول استراتيجيتهم لاستخدام التكنولوجيا النقالة في مؤسساتهم، أفاد 56% منهم بوجود طلبات مستمرة من موظفيهم لنشر الأجهزة النقالة في المؤسسة، وأفاد 30% منهم باحتمال استبدال أجهزة اللاب توب بالحواسيب اللوحية في غضون سنوات قليلة، كما أفاد 77% منهم بأنهم يخططون للسماح لموظفيهم باستخدام أجهزتهم النقالة في التعامل مع بيانات مؤسساتهم وتطبيقاتها، كما أفاد كل منهم بتوقعه باستخدام أكثر من 25 تطبيقا للأعمال على الأجهزة النقالة في العامين المقبلين في مؤسسته. ومن المتوقع أن تقوم المؤسسات بتوظيف التكنولوجيا النقالة في عدة مجالات. في زيادة التواصل بين موظفي المؤسسة الواحدة باستخدام البريد الإلكتروني وتبادل الملفات الصوتية والنصية وعقد المؤتمرات عبر الأجهزة النقالة، أو في زيادة إنتاجية الموظفين بالاستفادة من أوقاتهم التي يقضونها بعيدا عن مكاتبهم، بحيث يستطيعون تشغيل تطبيقات إدارة العملاء أو تخطيط الموارد من أي مكان، أو كتابة تقاريرهم بصورة فورية فور انتهاء رحلات الأعمال، أو في التواصل المباشر والمستمر مع أجهزة الاستشعار التي تقوم بالمراقبة والتحكم، فيمكن على سبيل المثال أن يتلقى الأطباء المعلومات الطبية عن الحالات الحرجة من الأجهزة الطبية التي تتصل بأجسام المرضى ذوي الحالات الحرجة، وذلك على أجهزتهم النقالة... إلخ. والأمن الإلكتروني هو العقبة الأساسية أمام انتشار التكنولوجيا النقالة في محيط الأعمال. ففي استطلاع الرأي السالف ذكره، أفاد 45% من المديرين التنفيذيين المشاركين فيه بأنه هو التحدي الحقيقي الذي يواجههم، حيث أن البيانات المتداولة في الشبكات اللا سلكية النقالة أكثر عرضة للنفاذ إليها أو سرقتها من تلك التي يتم تداولها في الشبكات الداخلية للمؤسسات، هذا بالإضافة إلى زيادة احتمالات فقدان أو سرقة الأجهزة النقالة نفسها بما قد تحمله من معلومات حساسة. وتلجأ المؤسسات حينئذ لاتباع سياسات توازن بين احتياجات المستخدمين وبين متطلبات التأمين، فيمكن على سبيل المثال إتاحة استخدام تطبيقات تخطيط الموارد (ERP) من الأجهزة النقالة دون تنصيب تلك التطبيقات على الأجهزة نفسها. لقد آن الوقت لكي نضع استراتيجية لاستخدام التكنولوجيا النقالة في كل المجالات الحاسوبية على مستوى الدولة وفي القطاع الخاص، لكي نستفيد بما في أيدي الناس من طاقة حوسبية معطلة. إن استراتيجيات استخدام التقنية النقالة يجري وضعها الآن في المؤسسات العالمية، ويدرس التنفيذيون في هذه المؤسسات كيفية مواجهة التحديات والمخاوف المتوقعة من استخدام تلك التقنيات، وكيفية الحصول على ما تتيحه من خدمات آمنة وموثوقة في بيئة تكنولوجية ينتابها تغيرات مستمرة ويزداد تعقيدها يوما بعد آخر، ولا ينبغي علينا أن نتخلف عن ذلك. * أستاذ المعلومات جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى