أنا على يقين أن طرح فكرة مستشفى يدار بطاقم نسائي كامل هي فكرة مكنونها العادات والتقاليد مغلفة بغطاء عاطفي ديني دون النظر للمعطيات الواقعية لإقامة مستشفى، مع العلم أني أتمنى في يوم من الأيام أن يتحقق ذلك الحلم ولكن بتقدير حقيقي وواقعي وبحكم الخبرة المتواضعة بالعمل في مجال المستشفيات وتحديدا في تخطيط القوى العاملة والموارد البشرية إنه لن يتحقق ذلك في زمننا هذا. قد يستغرب البعض من استبعادي ذلك؛ لكني أتحدث عن الواقع وقياسا على المعطيات الحالية والمنطق العقلي بعيدا عن العاطفة واستغلال مشاعرنا الدينية والاجتماعية بطرح مثل هذه الفكرة! والعجيب أن هذه الفكرة طرحت عدة مرات في الصحف وأحاديث اجتماعية وأخيرا أحد المشايخ الأفاضل في برنامج تلفزيوني! وبرأيي استبعاد هذه الفكرة يأتي على جهتين عمليا بحسب المعطيات الواقعية واقتصاديا. إن المستشفى يقوم على العديد من الأقسام الإدارية والداعمة وهي الموارد البشرية والصيانة والخدمات المساندة وتقنية المعلومات إلخ، ولو ذهبنا لقسم الصيانة فقط وهي مهن تتطلب غالبا رجالا للقيام بها وأضرب مثلا بذلك الكهربائي والسباك و(التحميل والتنزيل) والنظافة إلخ وهذه الخدمات تعتبر ذات أهمية كبرى في المستشفى (هل نستطيع تغطيتها بنساء)؟ هناك تخصصات دقيقة ومعرفية مطلوبة لإقامة مستشفى وهي لم تُشبع بكوادر سعودية سواء رجالية ونسائية، فكيف يتم تغطيتها نسائيا بتلك التخصصات! ولحداثة الطب في المملكة العربية السعودية فإننا لازلنا نستقطب أطباء من خارج البلد بتخصصات تعتبر أقل أهمية من غيرها وذلك لنقص الكوادر فكيف بنا بالتخصصات الدقيقة والنادرة! أيضا تشغيل المستشفيات وإدارتها ترتبط بجهات متعددة وتلزم التعاقد مع الشركات من أدوية وصيانة الأجهزة طبية وأثاث المكتبي وغيره وتحتم تواجدهم باستمرار في المستشفى، هل أيضا نطالب تلك الشركات بتأنيث تلك الوظائف، والعمل في المستشفى يحتاج غالبا من موظفيه السفر لعدة احتياجات منها التوظيف والتعاقد وحضور مؤتمرات ودعوات الشركات هل ستتاح الفرصة لجميع الموظفات بالسفر وبهذا خالفنا الهدف المنشود للمستشفى وجعلنا الاختلاط خارجيا! المستشفيات لدينا هي منظومة علاجية وأيضا تعليمية وتتوجب نقل العلم وعمل الندوات والمحاضرات، وهذه غالبا تحتاج تواصل الجنسين والاختلاط لامتداد العلم وإيصال المعلومة. إن الحسنة الوحيدة من هذا المقترح هي عدم وجود مواقف سيارات للموظفات وهو حقيقة عبء تعانيه جميع المستشفيات، إلا إذا سمح للنساء بالقيادة. لنكن عقلانيين في حكمنا ولا نستخدم العاطفة الدينية في إصدار أفكارنا وقراراتنا، نحن نتمنى ذلك وقد يتم على مستوى عيادة صغيرة أو عيادات أولية (مع جزمي بألا استغناء عن الرجل في تشغيلها)، أما أن نذهب إلى أبعد من ذلك، إلى مستشفى متكامل.. فهذه في الوقت الحالي فعلا تحتاج إعادة نظر ومراجعة واقعية لأصحاب تلك الفكرة.