اهتم الإسلام بالأسرة اهتماما بالغا باعتبارها ركيزة رئيسية من ركائز المجتمع الإنساني، وأهم لبناته وإذا صلحت صلح المجتمع، وبالمقابل إن فسد هذا النسيج فسد المجتمع، ولذلك أحاط الإسلام الحياة الزوجية بسياج عظيم يشمل كل الجوانب الروحية والنفسية والاجتماعية والصحية والعاطفية، وهيأ لتنشئتها نشأة متوازنة تشمل كل عناصر النجاح حيث أرشد إلى كيفية الاختبار، وكيفية الحفاظ على العلاقة الزوجية وضبط توازنها، وجعل الإسلام من أهم مقاصد الشريعة في الزواج الألفة والمودة والمحبة والرحمة والإحسان والمشاعر الوجدانية المتبادلة، يقول الله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)) سورة الروم، وهذه الآية الكريمة تتضمن إشارة واضحة على أن كل واحد من الزوجين يصبح سكناً حقيقياً للآخر، وذلك لبقاء نسل الإنسان محفوظاً، ومحفوفاً بوسائل الحماية، والعواطف، ولتحقيق هذه المقاصد العظيمة شرع الإسلام كل ما يحققها ويكون وسيلة لأدائها، فقد شرع النظر إلى المخطوبة ثلاث مرات، بل أمر به، ودعا إلى اختيار الولود الودود، واختيار سليمة البدن والعقل قوية البنيان، صحيحة الجسم التي تنجب أولاداً أصحاء. وهكذا الأمر تماماً بالنسبة للمرأة التي عليها أن تختار شريك حياتها بالمواصفات المطلوبة، وملاحظة أن العرق دساس، ولذلك أصبح موضوع الفحص الطبي قبل الزواج ( إلزاميا) في معظم المجتمعات العربية ومنها مجتمعنا السعودي الفتي، وذلك من اجل تجنب الكثير من المشاكل المتعلقة بالأمراض الوراثية وتحدياتها المستقبلية، خاصة وان الإحصائيات الطبية وأرقامها المزعجة. تشير معطياتها إلى ارتفاع نسبة الامراض الناجمة من زواج الأقارب في الشرق الأوسط، مثل التخلف العقلي الوراثي بأنواعه، وأمراض فقر الدم التحللي الوراثي وغيرها من الامراض، ولذلك قدم الأطباء النصيحة للمقبلين على الزواج بضرورة إجراء الفحص الطبي قبل الزواج بعد ظهور العديد من النتائج التي تحمل أرقاما مزعجه وإحصائيات مخيفة عن الامراض الوراثية من جراء زواج الأقارب التي تأتي عندما يكون هناك تأريخ وراثي لشجرة العائلة أو النسب لدى احد العروسين أو كليهما! ومع الأسف أن هناك من يضرب بنتائج الفحص الطبي-غير المتوافق- عرض الحائط بعد ظهور نتائج سلبية ومعطيات عكسية ويتم الزواج بطريقه فيها لون من ألوان المحسوبية أو التحايل على النظام دون إدراك ابعاد ومخاطر زواج الأقارب غير الصحي، ونسبة الامراض المحتملة من جراء اتمام الزواج بعد ظهور نتائج الفحص! ولذلك ينبغي الزام طرفي العقد بإحضار شهادة الفحص الطبي قبل اجراء عقد الزواج، ويكون هناك محاسبة وغرامة مالية لمن يخالف ذلك بالذات من (بعض) مأذوني الانكحة وتساهلهم في ذلك، خصوصا أن للفحص الطبي قبل الزواج فوائد جمة تنعكس على صحة وسلامة وعافية البناء الأسري، ومنها على سبيل المثال التأكد من السلامة البدنية والوراثية والنفسية والصحية للشاب الخاطب، أو الفتاة المخطوبة، المقبلين على الزواج، ومعرفة عما كان في أحدهما، أو كليهما من عقم، أو عجز كامل أو ناقص، ومن الأمراض التناسلية، والوراثية، أيضا حماية الافراد من الامراض المعدية التي ربما تنتقل بين الزوجين، وإمكانية العلاج المبكر لهذه الأمراض ان أمكن ذلك، وكذلك المحافظة على صحة النسل، وسلامة الذرية. وهذا الاتجاه الصحي لا شك هو من الضروريات التي تساهم في استقرار البناء الأسري والنهوض بوظائفه، ولذلك يجب أن يكون هناك توعية طبية أسرية مكثفة، وتنوير المجتمع في قالبه المؤسسي بضرورة الفحص الطبي – حتى في ظل إلزامه -وعدم إتمام الزواج إلا بعد ظهور نتائج الفحص الإيجابية التي تنعكس على استقرار الأسرة، وضبط توازنها صحياً ونفسياً واجتماعياً وعاطفياً. * باحث أكاديمي