يعيش سوق الكتاب في المملكة العربية السعودية فترةً من الانتعاش الذي يجعل القارئ السعودي مصدر الدخل الأول للناشر العربي. ناشرٌ عربي فضل عدم الكشف عن اسمه، صرح أن "معرض الرياض الدولي للكتاب" يمثل قبلة الحياة التي تمد الكثير من دور النشر العربية بالحياة حتى الموسم المقبل، وأضاف أن مشاركاته في معارض الكتاب العربية المختلفة لا يمكنها أن توفر له عشر الدخل الذي يتيحه له معرض الرياض. يثير هذا الواقع المختلف سؤالاً عن مصائر الكتب التي يقبل القارئ السعودي على شرائها من معارض الكتب والمكتبات التجارية، ونتيجة لسؤال العديد من مقتنيي الكتب وأرباب المكتبات الشخصية، بالإضافة إلى عدة زيارات لبعض المكتبات العامة في عدة مدن بالمملكة.. يعرض هذا التقرير بعض الحقائق المؤكدة لأهمية هذا الموضوع. تبدأ حياة الكتاب باقتناء القارئ له، ثم قراءته، ثم اتخاذ القرار بشأنه: سواء بالاحتفاظ به، أو بالتخلي عنه. يؤكد عدد من مالكي المكتبات الشخصية أن هناك مقدارا غير قليل من الكتب تنتفي حاجتهم إليه، ويكون القارئ مخيراً بين أمرين هما: تخزين الكتاب في المكتبة (ما يحولها إلى مستودع لكتب غير مرغوب فيها)، والخيار التالي هو التخلص من الكتاب بطريقة مبسطة ويسيرة، وهو ما لا توجد له قنوات كافية ولا يلقى أي اهتمام من الجهات المعنية. بالبحث عن أسباب احتياج القراء إلى التخلي عن بعض كتبهم، ظهرت أسباب عدة، منها: حصول القارئ على كتابٍ لا يرغب فيه، من خلال الاهداءات ونحوها، واستنفاد الغرض من الكتاب لكونه مما يُقرأ لمرة واحدة، أو لكونه كتاباً دراسياً لا يحتاج إليه الطالب بعد انتهاء الفصل الدراسي، أو لتغير اهتمامات القارئ وانصرافه إلى مجالات أخرى. أحد المثقفين تحدث عن تبرعه بمكتبته المتخصصة في العلوم السياسية لصالح أحد الباحثين المهتمين بعدما فقد الرغبة في مواصلة القراءة، وشعر بعبثيتها وعدم جدواها على حد تعبيره. وتشمل أسباب الحاجة إلى الاستغناء عن الكتب: وفاة مالك المكتبة، ما يجعل ورثته في حيرة بشأن التعامل مع ذلك الكم الهائل من الكتب التي لا تجد من يهتم بها. تكمن أهمية "تدوير الكتب" في تفعيله لدور الكتاب، وزيادة عدد المستفيدين من النسخة الواحدة من الكتاب، كما أنه يوفر الكثير من المال على الراغبين في اقتناء الكتب، وخاصة الكتب النادرة والباهظة، والتي لا يتاح شراؤها إلا بطلبها عبر الانترنت. ومن الطرق الشائعة للتخلص من الكتب: الإهداءات إلى الأفراد أو إلى المكتبات العامة، ومكتبات بيع الكتاب المستعمل، التي تقوم بشراء الكتب بسعر رخيص وبيعها بهامش ربح ضئيل. وتقوم بعض الجهات الخيرية باستقبال الكتب المستعملة مجاناً وبيعها بأسعار رمزية والاستفادة من ريعها لصالح الأعمال الخيرية، كما تفعل جمعية أيتام الطائف عبر معرضها الدائم للكتاب المستعمل في مدينة جدة. ويقوم نادي القراءة في جامعة الملك سعود بتنظيم معرض لتدوير الكتب بشكل سنوي، ويحظى بإقبال جيد حدا بنادي القراءة في جامعة الملك عبدالعزيز إلى تنفيذ الفكرة في مكتبة الملك فهد العامة. ويذكر على سبيل الطرفة أن الأديب الأيرلندي جورج برنارد شو أهدى أحد أصدقائه كتاباً من تأليفه، وكتب في طرة الكتاب: "برنارد شو يبعث تحياته"، ولم يلبث بعد فترة أن عثر على ذات الكتاب في مكتبة للكتاب المستعمل، فاشتراه وكتب على طرته: "برنارد شو يجدد تحياته"، ثم أرسله بالبريد إلى صديقه! تعاني قنوات تدوير الكتب من الضعف والفردية وغياب المظلات الداعمة، في ظل إهمال شبه تام لهذا الأمر من قبل المكتبات العامة التي يُنتظر منها تفعيل هذا الجانب خدمةً لجمهورها من القراء والراغبين في اقتناء الكتب بطريقة ميسورة.