طه حسين ليس من قبيل التنكير لكتب المؤلفين أو أنفس المؤلفين! أن يقدم لهم أديب أو مؤلف كتبهم؛ وإنما يشير ذلك إلى قوة هذه الكتب وعمقها الموضوعي حتى شهرة مؤلفيها، الأمر الذي يدفع طه حسين أن يقدم لكتب آخرين لأحمد أمين في «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام» ومحمد السباعي ويوسف السباعي ابن محمد في رواية «الفيلسوف»، وسوى ذلك من كتب قدَّم لها طه حسين بمقدمات ضافية وتقديمات جيدة مما أسميه ما تبقى لطه حسين ألا وهو أسلوبه الأدبي حتى في كتبه شخصياً يبقى لطه الأسلوب السهل الممتنع والتقديم الممتع إذا ألفّ أو كتب أو قدم للآخرين من كتب أو مؤلفات أو مصنفات للتحقيق الأدبي للتراث وتحقيق كتب الثقافة المعاصرة، فيبدو طه مقدماً بارعاً ومحققاً مدققاً. يلم بالموضوعات الكتابية ومصنفاتها العلمية وأبوابها وفصولها المعرفية حيث قد أدرك عصر المؤلفين المذكورين وكتب المقدمات لكتبهم في طبعاتها الأولى؛ مما يدل على معاصرته لأعمارهم! بل كان من أنداد مثقفي هذا العصر الذهبي الرائع، ومعاصراً لهم منذ مطالع القرن العشرين المنصرم. ويتقصى طه حسين مقدماته لكتب اصدقائه بالبيان الجميل والثناء العطر والتقديم الشامل بلا تحفظ أو تلكؤ وإنما يقدم الكتاب في دقة واريحية أدبية ماتعة متبحراً من معلوم هذا الكتاب وموضوعه ومن فكرة الكتاب ومضمونه ومن هذا الكتاب أسلوبه وبيانه. ناهيك انه بارع وأديب كبير يدرك الكتاب من موضوعه والمؤلف من عنوانه والبيان من مضمونه وبذلك يظهر الكتاب بتقديم جيد ويتقبله المتلقي بحفاوة ويقرؤه القارئ بسلاسة. وليس هذا فحسب بل انه يجود بأفكار جديدة وقيم حديثة ومعانٍ حميدة في إطار معرفتيه الأدبية وفكره النثري وأسلوبه البياني. نعم يبدع طه في مقدمات الكتب ويطيل في هذا التقديم للكتب والتمهيد لقراءتها يكاد كل مقدمة أن يعد فصلاً أو باباً من الكتاب المقدم وجزءاً منه لا يتجزأ، نظراً لبعده الفكري وكونه الأدبي إن جاز التعبير. وبذلك يبدي طه مقدمة للكتاب تجدد الموضوع لا لمناقشة أو نقد بل ليذكرِّ المؤلف والقارئ بالموضوع الذي طرحه ليعيه المتلقي بيسر ويتلقفه بجدارة ويستقبله بأريحية. ثم يبرز أهمية الكتاب الذي يقدمه من جوانب الموضوع وتركيز المؤلف في هذا الموضوع من فصول وأبواب في تضاعيف الصفحات وسطورها والأفكار ومعانيها والحروف وقيمها، لذلك كله يدبج طه مقدماته الكتابية بتناول جد وأسلوب بارع ويقدم الكتاب وكله ثقة ببضاعة غالية من المؤلف وموضوع شيق وفكر مستنير. وهذا واضح في مقدمته لفجر الإسلام وضحاه لأحمد أمين، حيث يتناول الكتابين برؤية ثقافية يركز بها موضوعهما الثقافي وجدولهما الفكري وفكرتهما الأدبية. ويستطرد في ذلك بسطور منيرة أدبياً وأسلوبياً حتى يأتي على موضوعه كاملاً يشمل دفتي الكتاب معنوياً وفكرياً، وقيمياً مع التناول العام الشامل لاستطراد المؤلف في كتابه عند طرحه للموضوع وفكرته العامة. ثم يشير إلى محاسن الكتاب بتأكيد الموضوع في طرح المؤلف الذي زيَّن كتابه بترصيع ملون للأفكار وتوشية للعبارات بجميل الكلم وحسن اللفظ وتحسين الكلام المضيء والرائق من القول. فيكسو الكتاب بلباس قشيب وظاهر جديد وحُسن جميل مظهراً ومخبراً جليين. ثم يأتي أحياناً ببيان لما أسداه المؤلف ومعه صديق مثله كان يقول المقدم طه حسين: ومهما أنس فلن أنسى فضل رجلين اثنين هما اللذان وصلا أسبابي بأسباب الثقافة الغربية قبل أن يتاح لي التماسها مباشرة في مظانها، وهما محمد السباعي الذي أظهرني على شيء من الثقافة الانجليزية، وفتحي زغلول الذي أظهرني على شيء من الثقافة الفرنسية. طه حسين في تقدمه لرواية (الفيلسوف) لمحمد ويوسف السباعي، الطبعة الأولى ديسمبر 1957م الناشر للشركة العربية للطباعة والنشر - القاهرة. شيء مثل هذا، اعتراف في محله وتذكار جميل ذكره طه لرفيقيه كي يكتب للتاريخ الثقافي في حياتنا الأدبية بمثل هذه الفكرة الثقافية والذكرى الأدبية المنيرة ويدل ذلك على وفاء الأديب الكبير طه حسين لأقرانه من الأدباء والمؤلفين والكتّاب والباحثين الذين جاراهم في دنيا الأدب وعالم الثقافة والحركة المعرفية والأدبية في مصر وسائر العالم العربي لما في ذلك من تنشيط الحركة الأدبية وحركة الثقافة والأدب والفن والفكر وفي شتى المجالات وفي شتى السبل المؤدية للنجاح، نجاح العمل الأدبي وحركته الثقافية بأوسع مجال وفي المجال الفكري بلا حد أو شد بل بأسرع وقت ممكن لتوسيع الدائرة الأدبية في الحياة.. حياة الثقافة العربية ودينها الإيماني والقلبي والأدبي ويتم ذلك بانطلاقة معنوية وأدب جم ولطف معنوي كي يرضى المتلقي عن الكتاب المقدم، والمؤلف الجيد والمصنف العتيد. إن مقدمات طه حسين للكتب تعتبر تقديماً ثقافياً وأدبياً على طبق من ذهب.. الذهب المعنوي والماس الفضي الغالي الثمن، انه تقديم في محله ومشجع قوي في وقته الثمين للاطلاع عليها وقراءتها والبحث في سطورها وفصولها فصول تلك الكتب التي قدم لها طه الأديب الكبير بالمقدمة التمهيدية التي لا ينبغي ان يتجاوزها إلى البداية التابعة لكتاب المؤلف، أي قارئ لهذا الكتاب لأن عذوبة هذا الكتاب من مقدمته يظهر الإشارة إلى موضوعه الدسم معنوياً والقيم فكرياً والمفيد علمياً، فيتعرف على البدايات، بدايات الكتاب ووسطه ونهاياته، شمولياً وكلياً، وبذلك يستوعب المتلقي هذا الكتاب أو ذاك الذي قدمه طه إنطلاقاً من الوعي الذهني والمفهوم المعنوي للطرح الأدبي والموضوع الكتابي الذي أدرجه المقدم طه، والمؤلف الكتابي في الكتاب الذي يواجه قراءه بموضوعية ويواجه طه الكتاب بصدق تقديم وخير تمهيد فينحسب ذلك على إقبالهم إليه، هذا وطه موقفه موقف أديب وقارئ كيف لو كان موقفه موقف ناشر أو موزع أو ادعاء الأمر الذي يحبب الكتاب للقراء أدب طه وتقديمه للكتاب بأحسن طرح ممكن، وتقديم كتاب محسن فيتقبله القارئ بتمكن ليتمعن في قراءته ويتمكن من فهمه بعد وعيه لما في الكتاب من مقدمة ذائعة وتقديم جم عميم يدل على فكر الكتاب الثري وموضوعه الثمين السوي رواية كان أو بحثاً أدبياً أو رسالة فنية نثراً أو شعراً، فهذه عناصر كتابية ومحاور ثقافية وطرح كتابي فاخر، ولعل مثل مقدمات طه حسين للكتب في مصر أسوة لعامة العالم العربي الذي سرت للعديد من الكتاب والمؤلفين بأن يقدموا كتبهم أكثر من واحد وفي مقدمة كتاب «الغربال» لميخائيل نعيمة بقلم عباس محمود العقاد خير مثل لذلك، ونذكر في صدد ذلك مقدمة أ. محمد سعيد العامودي لكتاب زميله أ. عبدالقدوس الأنصاري عن الشاعر العراقي العريق عبدالمحسن الكاظمي، علماً بأن تقديم العامودي عبارة عن قصيدة شعرية ضمنها موضوع الكتاب المؤلف وذكر الكاتب الذي ألفه. فاروق صالح باسلامة