لعل أبرز ما يميز أديب مكة الراحل أحمد محمد السباعي (1905 1984)، استخدامه أساليب إبداعية لإيصال فكرته بما يمتلكه من فطرة ومهارات عالية في الكتابة، خصوصا أن حاسة الأدب والتاريخ تفتحت لديه في سن مبكرة، ومع أنه لم يبدأ الكتابة إلا عند سن 27 عاما في 1350ه (1931). كما أنه جعل لنفسه رسالة محددة يؤديها في نشر الأدب والفكر والتنوير وتوعية أبناء المجتمع وتعليمهم، بعيدا عن الخصومات الذاتية بين الأدباء والكتاب. وتعدد أعماله وأفكاره جعلته محافظا على الريادة في التعليم والأدب والصحافة، فمثّل نموذجا للأديب الحقيقي لحركة التنوير السعودية في ذلك الوقت، ولذلك صنف من الرواد الذين رسموا أنموذجا تقتدي به الأجيال. استطاع السباعي في كتاباته تصوير ذكريات الماضي بشجن وحنين، بفكرة متعمقة سريعة الفهم، وفي كتابيه «أيامي» و«خالتي كدرجان» قدم بكل صراحة وشفافية صورا آسرة لعدة جوانب اجتماعية في طفولته وصباه، وكأن القارئ يسمع أو يشارك في تلك الأحداث. ويمكن اعتبار السباعي «رائد أدب الاعتراف» في الواقع المحلي من خلال سيرته الذاتية، كما يرى الأديب سحمي الهاجري، الذي أوضح أن السباعي بدأ بنفسه ليدعو المجتمع إلى «الاعتراف» بعيوبه ويتطهر من آصاره وأوضاره، وعالج عيوبه منذ البداية حتى صار من الأشخاص المشار إليهم بالبنان، كتابة السيرة على مرحلتين، أولهما بالتلميح، والثانية بالتصريح، تدل على حنكة السباعي واستفادته من فشل تجربة المسرح، وأن هذه الوسائط المعرفية والجمالية الحديثة تحتاج إلى نوع من التمرير المتدرج». للأديب السباعي عدة «أولويات»، كما ذكرها الباحث محمد القشعمي، أبرزها: أول من ناقش تعليم المرأة في الصحافة السعودية وأول من كتب باسم فتاة، أول من ألف مقررا مدرسيا (سلم القراءة العربية «ستة أجزاء»)، أول من أسس مسرحا بالمملكة، أول من ناقش مشكلات التربية وطالب بالإجازة الصيفية للمدارس، أول من ناقش مشكلات المطوفين (مطوفي الحجاج) في الصحافة، أول سكرتير للإذاعة عند تأسيسها، أول من كتب في السيرة الذاتية في الأدب العربي بالمملكة، أول من تقمص شخوصا من الجن وتحدث بلغتهم، أول رئيس لنادي مكة الأدبي عند تأسيسه عام 1395ه. وثمة ثلاث نقاط تلخص توجهات السباعي المعرفية والثقافية الأدبية، طرحها الكاتب فاروق با سلامة، أولا: الناحية التعليمية في شؤون التدريس والتربية والتعليم. ثانيا: الجانب القصصي والروائي. ثالثا: التاريخ والعمران باعتباره مؤرخ مكة العلمي والعمراني والمعنوي. كتب السباعي في الشأن العام، والتاريخ، والقصة، والرواية، والنقد، والشعر، والمسرح، فكان أديبا، ومؤرخا، ورائدا مسرحيا، وشيخا للصحافة، ومتحدثا إذاعيا بارعا، فلقب ب «الأديب المتعدد المواهب»، واستحق بذلك أول دورة لجائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1403ه (1983). أصدر وأنشأ العديد من الصحف والمجلات الأدبية، وبدأ حياته الأدبية محررا وكاتبا في جريدة «صوت الحجاز»، ثم أصبح مديرا للجريدة ورئيسا لتحريرها عندما أنشئت الشركة العربية للطباعة والنشر عام 1356ه (1937) التي أصبح مديرا للشركة، بعدها أسس مطبعة «الحرم» التي أطلق عليها فيما بعد «قريش»، وفي عام 1377ه (1958) أصدر جريدة «الندوة» (تخلى عنها بعد انضمامها لجريدة «حراء»)، وأصدر مجلة «قريش» الأسبوعية عام 1380ه (1961)، وكان قد بدأ معلما بالمدرسة التحضيرية، ثم مديرا لمدرسة دار الفائزين، وعمل فترة من الزمن مفتشا في وزارة المالية لفترة من الزمن، ومطوفا للحجاج، حتى تفرغه للأدب والثقافة والتأليف عام 1370ه (1951). وفي مجال التأليف له عدة كتب؛ قصص قصيرة، وترجمة ذاتية، تاريخية، تربوية، ومنها ما هو في تحليل الجرائم ودوافعها، ومناسك الحج والأماكن المقدسة، والأمثال الشعبية، ومن ضمن مؤلفاته: تاريخ مكة، سلم القراءة العربية، فكرة، يوميات مجنون، أبو زامل، دعونا نمشي، أيامي، خالتي كدرجان. بدأت حياة السباعي مع التعليم في «الكتاتيب» بحفظ القرآن، انتقل عقبها إلى مدرسة نظامية أسسها الشريف حسين في مكة، وانتقل بعدها إلى المدرسة الراقية، ثم التحق بمدرسة الأقباط العليا بالأسكندرية لمدة عامين، وحينها توقف تعليمه الرسمي عند هذا الحد. وكان الكاتب المسرحي إبراهيم الحارثي، قد أثار شكوكا (عام 2013) حول ريادة السباعي للمسرح السعودي، موضحا أنه أنشأ مسرحا وأوكل عملية الإخراج والكتابة والتمثيل لغيره، معتبرا أن ريادة السباعي المسرحية ريادة مغلوطة وظالمة له، لأن له عطاءات إعلامية وثقافية كبيرة لكن المسرح ليس هدفه ولا قضيته، مبينا أن حصر ريادة المسرح في السباعي يظلم المسرح السعودي، والخطأ يكمن في عملية التوثيق. وفي رد للكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي على ما كتبه زميل مهنته إبراهيم الحارثي، أوضح أن «السباعي» القاص والروائي والكاتب والصحفي ليس مهموما بالمسرح كاشتغال، لكنه كان مشغولا به كفكر، وإلا لما خسر تلك الخسائر (المالية) في سبيل مشروع ليس ماديا بقدر ما هو فكري، مع أن «ردة» لم يخف أن المسرح كان معروفا قبل السباعي وبعده، ولكنه شدد على أن ما يحسب له هو محاولته تأسيس ما لم يتمكن غيره منه، وهو إنشاء فرقة لها مسرحها ومشروعها التدريبي الذي كان يمكن أن يكون نواة لمعهد مسرحي.