شهد مجلس إدارة الهئية السعودية للمهندسين القادم ليس الأول لهيئة المهندسين بعد إقرار نظامها بمرسوم ملكي في العام 1423ه فقد سبقه مجلس سابق عمل لمدة ثلاث سنوات، غير أن الفارق الأهم بين المجلسين هو أن المجلس الحالي سيكون منتخباً بالكامل بعكس المجلس السابق الذي كان يضم أعضاء معينين. لقد جاءت الموافقة السامية على انتخاب جميع أعضاء مجلس إدارة الهيئة السعودية للمهندسين كخطوة حكيمة قوبلت بالترحاب والارتياح من كافة المهندسين السعوديين، فقد شعروا بالفخر والاعتزاز عندما أولتهم القيادة الحكيمة كامل الثقة لاختيار من يمثلونهم في مجلس إدارة الهيئة، وهذا الأمر ليس مستغرباً في ظل الرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده حفظهما الله. إن هذه الثقة التي منحت للمهندسين السعوديين لاختيار مجلس إدارة هيئتهم عبر صناديق الاقتراع لها مدولولات كثيرة، فهي من جهة تعكس التوجهات الحكيمة للقيادة الرشيدة بدعم مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز أوجه الشفافية وتشجيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، ومن جهة ثانية تعطي دلالة على الاعتراف بأهمية مهنة الهندسة كدعامة أساسية من دعامات الاقتصاد الوطني وأهمية المهندس الفرد كمحرك رئيس لعجلة التنمية. كما أن هذه الخطوة الرائدة شاهد على الثقة الكبيرة التي يحظى بها المهندسون السعوديون نظراً لما يتمتعون به من العلم والفكر والوعي والحس الوطني. ولذلك لا غرابة في أن تكون الهيئة السعودية للمهندسين من أولى الهيئات المهنية في المملكة التي حظيت بشرف الاعتراف الرسمي بها في العام 1423ه ثم الموافقة على انتخاب كامل أعضاء مجلس إدارتها في العام 1425ه.. الهيئة السعودية للمهندسين الموجودة اليوم بدأت كفكرة راودت بعض المهندسين السعوديين قبل ربع قرن، فقد ولدت في عام 1402ه اللجنة الاستشارية الهندسية التي ارتبطت أولاً بمجلس الغرف التجارية الصناعية ثم بوزارة التجارة. هذه اللجنة لم يكن لها دور حقيقي فاعل في تطوير المهنة وخدمة المهندسين، وقد تسبب هذا الأمر في إحداث أزمة ثقة لدى المهندسين السعوديين تجاه لجنتهم الهندسية. هذا الإخفاق التاريخي للجنة الهندسية يجعل المهندسين يتساءلون بحذر عن مستقبل الهيئة السعودية للمهندسين التي حلت كبديل للجنة الهندسية بعد الاعتراف بها رسمياً. فهل يستطيع مجلس إدارة الهيئة القادم عبر صناديق الاقتراع أن يعيد زرع الثقة ويجعل للهيئة دوراً حقيقياً فاعلاً، وأن ينعكس هذا الدور على مسيرة ونوعية العمل الهندسي وعلى المهندسين الأفراد. يبدو أن هذا هو التحدي الأكبر الذي سيواجه مجلس إدارة الهيئة المنتخب. وهذا المجلس يتكون من عشرة مقاعد ربما لا تكون كافية لتمثيل المهندسين السعوديين الذين ينتشرون جغرافياً في مناطق المملكة وتتباين تخصصاتهم الهندسية لدرجة التعارض أحياناً، فضلاً عن اختلاف القطاعات التي ينتمون إليها. وهذه الأخيرة ستشكل حجر عثرة ربما يقلل من فاعلية قرارات المجلس لأن احتياجات وتطلعات المهندسين من ملاك المكاتب الهندسية قد تتعارض مع رؤية المهندسين من القطاعات الحكومية، وتزداد حدة هذا التعارض عندما يكون أعضاء المجلس الممثلين للقطاعات الحكومية هم من أصحاب القرار. وهذا الكلام ينسحب على تعارض المصالح بين المهندسين الأفراد (المرؤوسين) وهم الأكثرية الساحقة، وبين المهندسين أصحاب القرار من (الرؤساء) وهم فئة قليلة جداً، ولنا أن نتساءل ماذا سيحدث إذا كان المهندسون الأفراد يعانون من رؤسائهم في العمل ويتطلعون لانصافهم من مجلس هيئة المهندسين فيتفاجأون بأن أعضاء المجلس هم ذات الأشخاص.! عندما نحاول تصنيف المرشحين الثلاثة والسبعين الذين خاضوا الانتخابات للتنافس على المقاعد العشرة نجد أنهم من تخصصات هندسية مختلفة يغلب عليها تخصصات الهندسة المدنية (36٪) والهندسة المعمارية (28٪) والهندسة الكهربائية (16٪). كما أنهم ينتشرون في بعض المدن الرئيسية وتحتل العاصمة الرياض المرتبة الأولى بنسبة (55٪) من عدد المرشحين تليها الدمام بنسبة (17٪) ثم جدة بنسبة (16٪). في حين ينتمي المرشحون لأربعة قطاعات كبيرة معنية بالهندسة وهي القطاع الأكاديمي وتمثله كليات الهندسة والعمارة في الجامعات، والقطاع الحكومي وتمثله الوزارات والأمانات والإدارات الحكومية، وقطاع الشركات الكبرى مثل أرامكو وسابك، وقطاع المكاتب الهندسية العاملة في السوق. وإذا ما تناولنا موضوع القطاعات المعنية بمهنة الهندسة من منظور المصالح بعيداً عن هموم المهندسين الأفراد سنجد أن كل قطاع يسعى جاهداً للظفر بعدد أكبر من مقاعد المجلس العشرة لكي يكون له صوت مسموع وثقل في المجلس، وبالتالي يضمن عدم الإضرار بمصالحه على مستوى القطاع وليس على مستوى المهندسين الأفراد. وإلا فما هو الهدف من تبني بعض القطاعات والشركات الكبرى في الأسابيع القليلة الفائته لتسجيل أعداد كبيرة من مهندسيها في عضوية الهيئة ودفع الرسوم المستحقة عنهم، وهل أتت هذه الخطوة عن قناعة بأهمية انتساب المهندس لمرجعية مهنية وإن كان ذلك صحيحاً فلماذا تأخرت كل هذا الوقت، أم أنها مجرد مقدمة لخوض الانتخابات والتصويت للمرشحين (الرسميين) من نفس القطاع، وماذا عن مصداقية الأقاويل التي رددها البعض حول قيام بعض القطاعات الكبرى بالدفع بمرشحين لها لعضوية المجلس ودعمهم رسيماً رغم عدم الإفصاح عن ذلك بشكل مباشر، وماذا أيضاً عن الشائعات حول وجود ضغوطات على المهندسين العاملين في تلك القطاعات للتصويت لمرشحين بعينهم. هذه التساؤلات وغيرها ربما تخيم على مستقبل مجلس إدارة الهيئة المقبل، خصوصاً في ظل إنعدام الشفافية والوضوح واستمرار الوصاية على المهندسين الأفرار، واستغلالهم كجسر للوصول إلى عضوية المجلس دون الإلتفات إلى مطالبهم وإحتياجاتهم. يجب أن نتفق جميعاً بأهمية إعطاء الفرصة الكاملة لكافة المهندسين لاختيار من يمثلهم في المجلس ممن يعتقدون بأنه الأقرب لتحقيق طموحاتهم بعيداً عن الضغوطات والمحسوبيات والتحزبات التي لن تخدم المهنة ولا المهندسين. وهذا المطلب المهم يصبح أكثر إلحاحاً الآن لتبني منهج المصارحة والشفافية والحوار الوطني بين مختلف الشرائح والإتجاهات والأجيال. وإذا كانت التنافسية أمراً مشروعاً في أي عملية انتخابية فإن ما نخشاه أن تطغى حدة التنافس على اعتبارات الكفاءة والجدارة في هيئة مهنية هندسية متخصصة، فالتسابق بين المسؤولين في القطاعات المختلفة على مقاعد المجلس ربما لن يخدم التوجهات المهنية للهيئة مما سيلحق الضرر بالمهندسين الأفراد، والأخطر من ذلك أنه سيجعل من المجلس مسرحاً لتبادل المصالح بين القطاعات دون الالتفات إلى المهندسين الأفراد الذين يعانون أشد المعاناة من قطاعاتهم التي يعملون بها، ويتطلعون إلى أعضاء في مجلس الإدارة يشعرون بهمومهم ومشاكلهم. هؤلاء المهندسون يعولون الكثير على المجلس القادم في سبيل تصحيح أوضاعهم الوظيفية والمادية، خصوصاً وأن مجلس إدارة الهيئة السابق والمجالس السابقة للجنة الهندسية قبل أن تتحول إلى هيئة كانت في مجملها عبارة عن مجالس (برجوازية) تتكون من عدد من (الشخصيات الهندسية الكبيرة) التي لا يمكن اعتبارها تمثيلاً حقيقياً للقاعدة الهندسية. والتجارب السابقة أثبتت بأن هذه النوعية تعيش في أبراجها العاجية العالية ولا تشعر بالمهندسين المنهكين في حقول العمل، وخصوصاً من فئة المهندسين الشباب الذين يرضخون تحت ظروف قاسية. هذا الدور المهني الهام الذي ينطلق من المهندس الفرد وليس من القطاع الذي ينتمي إليه لن يكون بالمقدور تبنيه بواسطة أعضاء مجلس إدارة هيئة المهندسين من أصحاب المناصب العليا في القطاعين الحكومي والشركات الحكومية الكبرى لأنهم لا يملكون الوقت الكافي بسبب إنشغالاتهم الرسمية المرهقة التي تجعل من الصعوبة الوصول إليهم والتواصل معهم، وإذا ما قدر لأصحاب المناصب العليا الفوز بمقاعد المجلس نظراً للدعم اللوجستي الكبير الذي يجدونه من قطاعاتهم، بالإضافة إلى الاستفادة من نفوذهم الشخصي وبريق ألقابهم الوظيفية فسنجد أن الخاسر الأكبر من هذه العملية هو المهندس الفرد بالإضافة إلى المكاتب الهندسية التي تعاني من صعوبات كثيرة تنظيمية ومالية وفنية ولاتجد الجهة التي تحميها وتكفل لها حقوقها.