نددت المنظمات الحقوقية في الجزائر، نهاية الاسبوع، برفض نواب الغرفة السفلى في البرلمان الجزائري المادة 7 من قانون محاربة الفساد الذي صادقوا عليه الثلاثاء الماضي، معتبرة هذا الموقف بمثابة سابقة خطيرة بإمكانها توسيع الهوة بين الشعب ومنتخبيه على مستوى أهم مؤسسة في البلاد. ويذهب المحامي بوجمعة غشير رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان إلى ان قانون محاربة الفساد قد تم إفراغه من كل محتوى بإلغاء المادة 7 التي تلزم كل الإطارات السامية في الدولة بالتصريح بثرواتهم وممتلكاتهم قبل وأثناء تقلدهم لمناصبهم، باعتبار ان القانون يهدف إلى وضع أسس الحكم الراشد. متسائلا عما بقي من شفافية عندما نمنع الصحافة والصحفيين المحققين والمنظمات غير الحكومية من التحقيق في تسيير الشؤون العامة؟. ويعتقد غشير ان هناك تناقضا صارخا بين إرادة محاربة الفساد وبين سلوكيات نواب البرلمان، مضيفا بأنه من غير المعقول ان يحظى النواب بكل هذه الامتيازات، داعيا إلى تشجيع إنشاء صحافة التحقيقات وتجنب محاكمة الصحافيين قدر الإمكان. ويرى رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان ان قانون محاربة الفساد الذي صادق عليه النواب بصيغته تلك فقد بات عديم الجدوى، وبالتالي يجب الاحتفاظ، برأيه بقانون العقوبات الذي هو جد واضح حول هذا الموضوع. ويتفق الجيلالي حجاج رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد الفرع الجزائري لمنظمة الشفافية الدولية مع غشير حول هذه النقطة، مضيفا بان هذا القانون قد أصبح بلا معنى بعد حذف المادة السابعة. ويرى حجاج ان ممثل الحكومة لم يفعل أي شيء لشرح أهمية هذا القانون، مشيرا إلى انه لم يفاجئ بموقف النواب، وان الحكومة لم تبذل أي جهد لتمرير قانون محاربة الفساد كما هو. وأوضح ممثل الشفافية الدولية في الجزائر، ان مشروع قانون كمحاربة الفساد قد تم تقديمه خلال شهر يونيو المنصرم وكان البرلمان حينها فارغا، وهو ما يشكل برأيه أول عنصر سلبي في هذه القضية، مضيفا بان ممثل الحكومة لم يحسن شرح مشروع القانون. أما الأخطر من كل هذا، برأي الجيلالي حجاج، فيكمن في تبني القانون المعدّل بمادته 71 والذي ينص على إلغاء أمرية 11 يناير 1997 حول وجوب ان تصرح الإطارات السامية للدولة بممتلكاتها وبثرواتها، ويبقى الأهم برأي حجاج ان تتوفر الإرادة السياسية للمضي قدما في طريق محاربة الفساد والرشوة في الجزائر. ومن جهته يرى نور الدين بني سعد الأمين العام للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ان الجزائر قد وقعت على الاتفاقية الأممية حول محاربة الفساد وبالتالي يتعيّن عليها الوفاء بالتزاماتها الدولية في هذا المجال، مضيفا بأنه موقف النواب من القانون غير قابل للشرح. وفي سياق متصل، نددت بعض أحزاب المعارضة بسلوك النواب، فقد اعتبر التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية البربري ان إلغاء النواب للمادة 7 التي تفرض عليهم التصريح بممتلكاتهم يكشف عن الوجه الحقيقي للتحالف الرئاسي الحاكم أي ان هذا التحالف الذي يضم كلا من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم قائم أساسا على اقتسام الغنائم على حساب المصالح العليا للجزائريين واصفا هذا التحالف ب الهجين أما جبهة القوى الاشتراكية أقدم حزب معارض في الجزائر، فتعتقد انه لا توجد حياة برلمانية في الجزائر فكثير من القوانين التي تمس مباشرة بمصالح الجزائريين تم تمريرها دون ان تناقش أو يتم إثرائها. وترى القوى الاشتراكية ان الهيئة التشريعية في الجزائر فقدت مبررات وجودها. أما فيما يتعلق برفض النواب المصادقة على المادة 7، فقد تأسف علي العسكري الأمين الوطني الأول للحزب لهذا الموقف،معتبرا ان النواب كان يجب ان يكونوا قدوة لبقية الإطارات السامية في الدولة، وانه حتى الذين يصرحون بممتلكاتهم لا يفعلون ذلك بصفة صادقة كما ان العدالة لم يسبق لها ان تحركت لوقف مثل هذه الممارسات. ومن جهة أخرى، يرى العديد من المحللين انه لا يمكن الحديث عن وجود أي ثقة بين نواب المجلس الشعبي الوطني بعد موقفهم الأخير ورفضهم المصادقة على المادة 7 من قانون محاربة الفساد، وعلى أساس انه من بنات أفكار الحكومة لتضييق الخناق على الهيئة التشريعية. فنواب جبهة التحرير الوطني الحزب الذي يحوز الأغلبية في الغرفة السفلى في البرلمان الجزائري، فقد ارجعوا سبب رفضهم للمادة السابعة إلى مخاوف انتابتهم من لجوء الجهاز التنفيذي إلى استعمال قانون محاربة الفساد كأداة لتصفية الحسابات مع البرلمان. وحسب مصادر مقربة من المؤسسة التشريعية فان هذا الرأي يتقاسمه أغلبية نواب المجلس الشعبي الوطني، الذي يعتبرون ان المادة السابعة من قانون محاربة الفساد تحتمل الكثير من الغموض ويمكن ان استغلالها للضغط على عدة مستويات، علما ان المنتخبين المحليين لا يتمتعون بأي حماية، وإذا كان حزب جبهة التحرير الوطني يحوز أغلب البلديات في الجزائر، فان الحكم يستحوذ عليه التجمع الوطني الديمقراطي. ولا يستبعد نواب آخرون من جبهة التحرير الوطني ان تكون المادة السابعة من هذا القانون من وضع التجمع الوطني الديمقراطي، وبالتالي فان إلغائها مرده مخاوف من ان تتحول إلى سلاح في يد الحكومة تساوم بها أعضاء الهيئة التشريعية لتمرير ما شاءت من مشاريع القوانين. وارجع نواب الحزب العتيد رفضهم لهذه المادة بكون كل الإجراءات موجودة حاليا في القوانين المعمول بها. وإذا كان عدم التصريح بالممتلكات من قبل المنتخبين والنواب والإطارات السامية للدولة قبل وأثناء توليهم لمهامهم يشكل جنحة في حد ذاته، ففي هذه الحالة يؤكد نواب جبهة التحرير الوطني ان السلطة الوحيدة المخولة لمعاينة هذه الجنحة وإثباتها هي السلطة القضائية وليس أي شخص أخر. وفي حال ثبوت التهمة أو الجنحة على النائب أو الإطار السامي أو المنتخب المحلي ففي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى الإقالة أو رفع الحصانة وتقديمه إلى المحاكمة.