اسهل قرار يمكن لأي شخص اتخاذه وتنفيذه على أرض الواقع هو أن يحصل على قرض ضخم من البنك بضمان راتبه الشهري وحقوقه الوظيفة وهو قرار سريع وسهل يتحقق في دقائق معدودة بمجرد الذهاب إلى مقر البنك وتقديم الطلب وينتظر لوقت قصير قد لا يتجاوز يوم الى ثلاثة ايام حتى يصل المبلغ الى حسابه البنكي الذي ينتفخ بمئات الألوف بمجرد اتخاذ هذا القرار السريع. تمهيداً لتحقيق حلم المضاربة بالاسهم والاستثمار في هذا المجال ولركل الحياة الجوفاء والصعبة ومقاومة الظروف والفقر وقلة ذات اليد، ولقلب حالة وحياته ومصروفاته رأساً على عقب من شظف وتقتير وقلة موارد الى غنى ووفرة وظروف مختلفة تماماً. وهي أحلام كقصور الرمال التي يبنيها الشخص على شاطئ البحر قد تصمد وتستقر وقد تنهار وتتحطم لو طفت على السطح اي امواج مرتفعة. وهي موجة عامة وشاملة يعيشها المجتمع وبالذات طبقة وفئة الموظفين فيه بإغراء القروض البنكية السهلة التي تصل إلى 15 راتباً يتيح للشخص فرصة لا تتكرر كما يقول الخبراء ويسمعها الضعفاء وقليلوا الخبرة والغلابة من الموظفين وهم من ينسحبون سريعاً إلى مياه الاسهم دون أن يتعلموا أبسط قواعد ومهارات الغطس والسباحة في المياه الغزيرة، إلى الدرجة التي تجعل الشخص الذي لا يضارب في الاسهم «كمن يغرد خارج السرب» في حياتنا الاجتماعية، اسطوانة تتكرر يومياً في العمل والمنزل والمقهى والمنتزه وصالات الافراح والاستراحات عن أسعار الاسهم وأحوالها وظروفها ونكساتها ومؤشراتها ومحفزات ببعضها والانهيارات المتوقعة والارتفاعات المنتظرة وما إلى ذلك من احاديث إذا فتحت لا يغلق الناس أفواههم من تدويرها وتقليبها وقتلها بحثاً ومناقشة، فإذا شق المؤشر طريق للون الاخضر ابتسم الجميع واستبشروا خيراً وتفاءلوا بمزيد من الارتفاع والصعود لجني أكبر كم وحجم ونسبة ممكنة من الارباح والغنائم واذا احمر لونه وانخفض مؤشره وانهار وانتكس، تشاءموا وتغيرت ملامحهم وطار النوم عن اعين الكثير منهم، بل إلى الحد الأكثر ألماً وصعوبة بأن ينقل بعضهم الى المستشفيات لغرف العناية المركزة محمولين بسيارات الاسعاف من صالات الاسهم بعد ان هاجمت الخسارة هامش الربح المحقق وغزت بهمومها رأس المال، وقضت ولو للحظات لهبوط وانهيار احلام الفقراء. والموظفون الكادحون الذين لو تسرعوا وهرولوا وباعوا لتحققت خسائرهم الكبيرة ويتكبدوا معها هموم السداد لخمس سنوات قادمة من الراتب الشهري الذي سيكون لا محالة ناقصاً على معدل الصرف الشهري المعتاد دون أن ينظر البنك بأي عين فيها رحمة ولا شفقة ولا نظرة لأن اجهزة الكمبيوتر تقوم بالحسم الشهري دون نظر ولا رحمة ولا شفقة بناءً على العقد الموقع والمبرم ويعد اسرع قرار يتخذه الشخص ويوافق عليه البنك في ساعات ويعود الحساب المنتفخ الى بالون طار وانبعث محتواها للهواء الطلق. وهذه ليست مبالغات ولا سرداً قصصياً خيالياً إنما هي حقائق من ارض الواقع يعيشها الناس يوماً بيوم وأسبوعاً بعد اسبوع وبالذات من يضاربون ويتاجرون في الاسهم المحلية او العالمية بما حصلوا عليه من مبالغ قروض فمنهم من ربح ومنهم من يحقق الخسائر وتتحول معهم الاحلام الوردية الى كابوس لا تنقطع همومه ومواجعه وهي تقض أحلامه الهانئة وراحة باله بعد الخسارة والسقوط في هاوية رغبة الربح السريع من ضربات الاسهم وحظوظها. فرصة الموظفين والكادحين القروض التي بلغت قيمتها لنحو 202 مليار ريال الى هذا العام 2005م لم يحصل عليها الاغنياء والاثرياء والتجار والمقتدرون بالقدر الذي تسابق من اجل الحصول عليها والنيل منها وقطف فرصة ارباحها والاستثمار من خلالها الموظفون والكادحون والبسطاء والسحطيون من الناس لمجرد الاستماع الى فرصة حققها زميل أو صديق أو قريب ونجح في الظفر بأرباح مغرية منها حققت له القدرة على بناء سكن او شراء شقة او سيارة وربما جميع ما ذكر من احلام ورصيد محترم من البنك لا يجعله رهينة التعلق والارتباط بالوظيفة وهمومها واحلامها المحدودة لمن هم يعيشون في اطار دخلها المحدود. وهذا ما جعل امراضاً نفسية تظهر «متلازما الاسهم» للاشخاص الذين تردت بهم الظروف وتحطمت بهم الاحلام وتعثرت امامهم الطرق بعد الخسائر تلو الخسائر وبعد ان تناقص رأس المال إلى الحد الذي جعله يعود لاحلام الوظيفة بأوراق مبعثرة وهموم ستستمر معه لا محالة طالما ان مرتبه منخفض بتأثير القسط الشهري حيث لا يستطيع بذلك الوفاء بمصروفاته الشخصية والعائلية، والحقائق الطبية تشير بأن الكثير أو بعضهم يدخلون الاقسام النفسية ويصبحون مراجعين مستمرين للاطباء النفسيين مع تضخم الهموم والمشكلات وبالذات إذا ارتبطت بالاحتياجات الاسرية والمتطلبات الاساسية فيعيش الشخص كما تقول الدراسات النفسية أسيراً لتلك الهموم ويظل طوال سنوات قادمة وهو في حصار الهموم المادية والمطالب الأسرية ويلقي اللوم على نفسه إثر قرار الاتجاه للإستثمار دون علم ودون دراية وبلا معرفة وبالاعتماد على الغير بنسبة 100٪ ويوقع نفسه في فخ احلام الربح السريع وفي شراك الخسارة التي تسبب هو فيها مع هوس وجنون وحمى الاسهم والتي بدورها تجعل اشخاصاً يربحون على حساب آخرين يحملون اثم الخسارة وهمومها ومواجعها. تنجيم وقراءة كف وليس الامر يتوقف فقط عند حد القروض بل ان بعضهم باعوا منازلهم ورهنوا ذهب زوجاتهم وبناتهم وامهاتهم من اجل اللحاق بقطار الاسهم وما تحمله لهم من وعود ثراء وغنى وأرباح هائلة خاصة عندما تأتي الروايات بالاسهم التي ارتفعت خلال سنة واحدة، او ستة اشهر من 150 ريالاً الى 1500 ريال ومن 1200 ريال الى 400 ريال كما حدث في اسهم شركات كثيرة منها شركة الصافي ومنها اسهم كانت قبل نحو خمس سنوات بعشرين وثلاثين ريالاً مثل القصيم الزراعية وتهامه وغيرها من الشركات الصناعية مثل صدق ونما واللجين والآن هي تراوح بين 300 الى 500 ريال، هذه القصص تجر معها البسطاء والساذجين الذين يرمون كل ثقلهم وحمولة احلامهم ورغباتهم وامنياتهم في ساقية الاسهم وميدانها دون ان يضعوا احتمالاً في لحظة التفكير الآني لأن تنخفض الى سابقة عهدها وماضي تاريخها لو انتكس السوق وأحمر لونه، مع موجة الاندفاع والإنصات الكامل لروات الاسهم وكلام خبرائها بينما هو تحليل وكلام يحتمل الصواب والخطأ وليس تنجيماً ولا قراءة كف ولا تحضيراً للغيب. ما يحدث الآن في منتديات الانترنت هو فعلاً كالتنجيم في ظهر الغيب، يظهر شخص ما يعرف باسم مستعار يرمي للبسطاء نبوءاته والتي احياناً تكون في محلها من حيث جني الارباح والارتفاع والذي يصاحب السهم المعين. ويتبعه الناس بكل جموح احلامهم الوردية وامنياتهم المستقبلية اشتر بالمواشي بكذا وبع بكذا خلال مساء اليوم او الغد». «اشتر اللجين ماركت اليوم فالهامور سين وضع حمولته في خراجها» «اشتر الكهرباء او القصيم ولا تنسانا من الدعاء الخالص». من يسند ظهور الهوامير هل هؤلاء يعملون هكذا لوجه الله، هل يفتحون تلك المنتديات ويتحملون متاعب متابعتها وتشغيلها وحجم الاقبال الضخم اليومي عليها هكذا لمجرد الحصول على اي انفاق اعلاني لا يكاد يغطي مصاريف المتابعة اليومية والتشغيل المستمر. ام انها تسند ظهور الهوامير عندما يحطون رحالهم من سهم لآخر وعند حملة تصريف ضخمة يجب ان يقابلهم حجم اقبال وشراء هائل، هل يعي الصغار مثل هذا، هو يرد الى اذهانهم هذه الاسئلة، بل ان بعضهم يقومون بالاشتراك في مواقع منتديات الانترنت برسوم مادية شهرية في خدمات رسائل الجوال التي تبث في اوقات معينة اثناء وقت التداول بهدف ارشاد المتداولين الصغار للشراء في هذا السهم او ذاك مقابل رسوم متفق عليها بعضها ب 300 ريال في الشهر وبعضها بأكثر من ذلك والصغار يتعاملون مع نصائح هذه الرسائل بإنصياع تام وينفذون ما يأتي فيها بتقيد صريح طمعاً في الارباح وقناعة بصحتها سواءً كانت بدراسات عميقة او توقعات شخصية، المهم ان يرتفع السهم ويبيع والمساهم ويطير بأرباحه الى حين ورود نصيحة في رسالة جوال اخرى، وإذا خاب ظن الرسالة وفشل توقع او تنجيم مرسلها انهالت عليه الشتائم والسباب كما حدث في المواشي بعد ان انهار سهمها لرفض هيئة السوق المالية طلب زيادة رأس مالها رغم ان احد كبار اصحاب المتداولين كان يؤكد قبول الطلب. فأنهار السهم على رأس المشترين الصغار وهو مجتهد في نهاية الأمر كما يبرأ نفسه ويدعي ذلك، فإن اصاب او أخطأ فهو يعلق الرأي على مبدأ الاجتهاد الذي يحتمل الحالتين. وحال هذه المواقع كالطاولة التي تجمع الهوامير بالصغار هذا يريد ان يربح وربحه على حساب الصغير، والصغير يريد مجاراته ومحاكاته والاقتراب منه لنزع او مشاركته في ارباحه فإذا اشترى سار خلفه بحمولة مشترياته من الاسهم وإذا باع اتبع طريقه وسلك مسلكه وساير سياسته وجارى طموحه وهو اسرع طريق للثراء تحت مبدأ «جاور السعيد تسعد» وجاور الفقير تزداد فقراً. هموم الاسهم وكرات الثلج العيادات النفسية تؤكد حسب افادات من اطبائها ان مرضى الاسهم ليسوا بالقليل مع هذه الموجة العارمة التي غطت سماء المجتمع السعودي سحابة تحمل مع اراضيها غيوماً سوداء تحمل الكثير.. وعود الارباح ومحفزات النشاط الاقتصادي والاستثماري في الاسهم لكن كثيراً من البروق لا ترمي بعدها مطراً وكثيراً من الرعود تثير الهلع والخوف والقلق للخائفين والمرجفين والصغار والاقزام فينهاروا سريعاً ويهرعوا للبيع والتصريف خشية. مزيد من الانهيار والسقوط فيصبح السقوط على الرأس مدوياً ومنزفاً، وتزداد الهموم النفسية والمرضية لو عادت الاسهم سريعاً للارتفاع ويكرر معها الصغار كلمة ياليت وياليت لكن كما يقول الشعبيون لا تعمر لهم بيتاً، وكرات الثلج كلما تدحرجت ازداد وزنها وتضخم حجمها.م