تستعد اميركا اللاتينية في العام 2006 لتأكيد انعطافها نحو اليسار الذي باشرته من خلال سلسلة لا سابق لها من الانتخابات الرئاسية في 11 دولة في غضون 14 شهرا بينها المكسيك والبرازيل القوتان الرئيسيتان في المنطقة. وقد فاز في الايام الماضية الاشتراكي ايفو موراليس زعيم مزارعي نبتة الكوكا في بوليفيا خلال الانتخابات الرئاسية وسيصبح في 22 كانون الثاني - يناير اول هندي رئيسا لبوليفيا. واعلن موراليس مراجعة كل عقود استثمار المحروقات التي ابرمت مع الشركات المتعددة الجنسيات معتبرا «ان العقود غير شرعية وغير دستورية» و«ان المحروقات ملك للدولة» ويمكن الشركات «ان تكون اطراف شراكة وليس مالكة». وتختتم سلسلة الانتخابات هذه في كانون الاول - دسيسمبر 2006 في فنزويلا حيث يؤكد الرئيس هوغو شافيز انه خليفة الزعيم الكوبي فيدل كاسترو وحامل راية «الثورة الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين» في اميركا اللاتينية. وقد تشهد المنطقة ظاهرة انتقال العدوى فبعد الانتخابات في كانون الاول - ديسمبر في تشيلي وبوليفيا ستنظم انتخابات العام 2006 في كوستاريكا (شباط - فبراير) والبيرو (نيسان - ابريل) وكولومبيا (ايار - مايو) والمكسيك (تموز - يوليو) والبرازيل (تشرين الاول - اكتوبر) ونيكاراغوا (تشرين الثاني - نوفمبر). وقد تنضم الاكوادور التي تشهد ازمة سياسية اثر اقالة رئيسها في نيسان - ابريل الماضي، إلى هذه المجموعة ايضا. وبعد عقد التسعينات الذي شهد صعود انظمة ليبرالية بدفع من صندوق النقد الدولي، تشهد المنطقة انعتاقا من هذه الوصاية ظهر خلال قمة الدول الاميركية في مار ديل بلاتا حيث واجهت منطقة التبادل الحر بين الدول الاميركية التي تدعو اليها واشنطن، معارضة المحور المؤلف من دول ميركوسور (البرازيل والارجنتين واوروغواي وباراغواي) وفنزويلا. والمسكيك التي لطالما كانت الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة للدفاع عن هذه المنطقة الجمركية الشاسعة الممتدة من الاسكا إلى ارض النار والتي تحولت إلى سبب انشقاق داخل اميركيا اللاتينية، على وشك الانعطاف يسارا ايضا على ما يبدو. اذ يتربع اندريس مانويل لوبيس اوبرادور مرشح حزب الثورة الديموقراطية ورئيس بلدية مكسيكو سابقا منذ عدة اشهر على عرش استطلاعات الرأي رغم اتهامات حزب العمل الوطني اليمني الكاثوليكي الحاكم والحزب الثوري التقليدي الذي تولى الحكم على مدى اكثر من سبعة عقود، له بأنه شعبوي. وقادة اليسار في اميركا اللاتينية ليسوا على التشدد نفسه والحالة تختلف من بلد إلى اخر حيث وصلوا إلى السلطة من الارجنتين إلى البرازيل مرورا بتشيلي وبنما واوروغواي وفنزويلا. وفي البرازيل سيحاول لويس ايناسيو لولا دا سيلفا التقدمي المعتدل الفوز بولاية جديدة لكن سلسلة من فضائح الفساد لطخت سمعة حزب العمال تعيقه في ذلك. ويبدو نجاحه غير مضمون في مواجهة رئيس بلدية ساو باولو الحالي الاشتراكي-الديموقراطي جوزيه سيرا. في المقابل من غير المتوقع ان تفلت ولاية ثانية من الرئيس الكولومبي الفارو اوريبي (اليمين المحافظ) الذي يريد تكريسها للقضاء على التمرد وتسريح الميليشيات. وسيكون هوغو شافيز ثالث رئيس في اميركا اللاتينية يسعى إلى الفوز بولاية جديدة بعدما اعلن اخيرا فوز حزبه في انتخابات تشريعية قاطعتها المعارضة مما جعل الرئيس يهيمن على البرلمان في كراكاس. ونفوذ فنزويلا العملاق النفطي في منطقة الكاريبي الذي تخشاه واشنطن قد يمتد إلى اميركا الوسطى حيث تحظى الحركة الساندينية بزعامة دانيال اورتيغا بفرص كبيرة لاستعادة السلطة في نيكاراغوا. وفي بقية منطقة الانديس يتوقع ان تفوز امرأتان بالرئاسة هما في تشيلي الاشتراكية ميشال باشليه وفي البيرو الاجتماعية-المسيحية لورد فلوريس. وقد فازت باشلي وهي ابنة جنرال قضى بعد تعرضه التعذيب في ظل نظام بينوشيه الدكتاتوري، في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية بحوالي 46٪ من الاصوات لكن سيكون عليها مواجهة خصمها اليميني سيباستيان بينيرا في دورة ثانية الشهر المقبل. اما في البيرو فينتظر ان تلقي عودة الرئيس السابق البرتو فوجيموري الملاحق قضائيا والمرشح للانتخابات من سجنه، بظلالها على الاقتراع.