العراق على أبواب انتخابات مبدئياً في ظل الاحتلال الأميركي. والقانون الذي على أساس النسبية انطلاقاً من اعتبار البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة. وليس ثمة سر في القول انه ثمة من يفكر طائفياً ومذهبياً هناك. كما ليس ثمة سر في الاعتبار أن ذلك واقع من جهة، وعدم معرفة التعاطي معه من جهة ثانية سيولّد مشكلة كبيرة ستؤثر في مستقبل العراق عندما تتوقف الحرب إذا توقفت في المدى المنظور!! ثمة في الوسط الشيعي من يفكر أن الشيعة أكثرية وبالتالي أي انتخابات وخصوصاً على أساس الدائرة الواحدة ستوفر النجاح لهم وبالتالي ستكون الهيمنة أو سيكون القرار لهم. ولذلك فإن ثمة ضرورة لإجراء الانتخابات، ورفضاً لتأجيلها كما طالبت أحزاب عديدة من بينها حزب رئيس الحكومة إياد علاوي، الذي عاد والتزم بالموعد المحدّد بعد صدور مواقف أميركية حازمة في هذا الاتجاه. وهؤلاء الذين يمثلون مثل هذا التفكير لهم رأي يقول أيضاً بعدم جدوى المقاومة للاحتلال ما دام القرار سيكون بين أيديهم. وحده السيد مقتدى الصدر خرج على هذا الرأي وعلى ما يبدو أخرج من اللائحة الانتخابية التي يدعمها المرجع الشيعي الأبرز السيد آية الله السيستاني. واشترط الصدر الالتزام بطلب خروج الاحتلال في فترة زمنية محددة إذا أمكن، للمشاركة في الانتخابات. قد لا يكون هذا المطلب نهائياً وقد يكون موضع نقاش ولكنه ثابت حتى إشعار آخر. وثمة في صفوف الشيعة من يعبر عن ضرورات المشاركة في الانتخابات وعدم المشاركة في المقاومة بطريقة أقسى تنطلق من نظرة مذهبية ضد السنة ومن قناعة بأن هؤلاء قد حكموا البلاد لفترة طويلة لوحدهم وظلموا اخوانهم واستبدوا واستأثروا بكل شيء وقد آن الأوان لانتزاع السلطة منهم «وبالخيار الشعبي الديمقراطي»!! وثمة في الوسط الكردي من يعتبر - بل ربما ثمة شبه اجماع هناك - أن الأكراد يجب أن يحافظوا على مكاسبهم والا يتنازلوا عن شيء في مناطقهم لجهة السلطة والإدارة الذاتية للمؤسسات وأن يكون ذلك منطلقاً لشراكة قوية وفاعلة في التركيبة السياسية العامة في البلاد ولذلك طالبوا برئاسة الجمهورية أو برئاسة الوزارة معتبرين أن ذلك حق من حقوقهم ولابد من تأكيده بعد سنوات من القهر والظلم والاستبعاد والاستعباد أحياناً وبعد تضحيات كبيرة وامام استحالة اقامة دولة كردية في المنطقة تجمع الأكراد كلهم فيكون التعويض في رئاسة العراق أو رئاسة حكومته!! أما في الوسط السني فهناك من يدعو إلى المشاركة في الانتخابات وفي ظل الظروف الحالية كي «لا نخسر كل شيء». وثمة من يحذر من المشاركة ويدعو إلى المقاطعة لأن القانون مجحف وسيؤدي إلى «سيطرة الآخرين على القرار». وثمة من يرى استحالة في اجراء الانتخابات في ظل الاحتلال وهو يدعو إلى مقاومته. وثمة من يرى الانتخابات في ظل الاحتلال غير شرعية أو ستكون موضع تشكيك. وثمة من يدعو إلى المقاومة والتحرير قبل كل شيء ثم تأتي الانتخابات. وثمة بالتأكيد قوى سلفية متطرفة تستهدف الشيعة وترى فيهم خطراً على البلاد ومستقبلها. ولا شك في أن لهذه التوجهات امتدادات في الخارج أو ارتدادات وتحديداً في دول الجوار. ولكل هذه العوامل تأثيرات مهمة في داخل العراق أي على مستقبله وفي خارجه أي على أمنه واستقراره وعلاقاته مع دول الجوار وغيرها من جهة ثانية. لذلك سمعنا تصريحات من هذه الجهة تحذر ايران من التلاعب بأمن واستقرار العراق تحت عنوان دعم المقاومة. أو التواصل مع الاشقاء أو مع المراكز والمرجعيات الدينية. حتى أن وزير الدفاع العراقي اعتبر ايران مجدداً «العدو الأول والأخطر للعراق وللعرب عموماً» مذكراً بالمواقف السابقة لصدام حسين والتي أدت إلى حرب ضد ايران استنزفت طاقات البلدين والمنطقة عموماً ولم تخدم سوى أميركا وإسرائيل اللتين أصبحتا اليوم داخل العراق مباشرة، إلى جانب تأثيرهما الكبير في مستقبل المنطقة كلها!!. وسمعنا من مواقع اخرى تحذيرات من بقاء قوات الاحتلال وممارسة دور «الاستعمار الجديد الذي سيكون مصيره كمصير الاستعمار القديم» على حد قول وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل. وأطلق آخرون تحذيرات من «هلال شيعي» مساحته من ايران إلى لبنان، وأطلقت في هذا السياق تحذيرات ضد ايران وسوريا المتهمة بدعم المقاومة في العراق، وايواء عناصر بعثية قديمة، وتأمين التمويل لكل العمليات في الداخل، والتي على ما يقول متهموها لم تغير سياستها فعلياً، ويرى بعضهم أنها ستواجه مشاكل كبيرة نتيجة هذه السياسة لأنها إذا سايرت المقاومة في «الجيب السني» لكسب الرأي العام داخل سوريا وخارجه فإن في ذلك خطراً وخطأ كبيرين سيؤديان إلى مشاكل أكبر مع أميركا ودول الجوار التي يمكن أن تواجه حالات مشابهة. وإذا سايرت الشيعة (أي سوريا) فستكون لها مشاكل أيضاً مع أميركا ومع دول الجوارالسنية والتي يمكن أن تواجه حالات رفض أو تمرد أو .... وفي كل الحالات يعتبر متهمو سوريا أن عليها أن تعتمد سياسة ثابتة تساهم في تثبيت الأمن والاستقرار في العراق وإلى أن يتأكدوا من هذا التوجه فإن الضغوطات في نظرهم ستستمر عليها. وإلى جانب الشيعة والسنة والأكراد ثمة أقليات مسيحية تتعرض كنائسها لاعتداءات مشبوهة الهدف منها اثارة المخاوف والهواجس والانقسامات الطائفية إلى جانب الانقسامات المذهبية وربما يذهب البعض إلى حد التفكير بتهجير المسيحيين من تلك البلاد وهم أغنوا حضارتها وتاريخها وثقافتها واقتصادها كثيراً. المسيحيون يريدون الانتخابات ولكنهم يريدون ضمان تمثيلهم وإلا ستكون الأكثرية المسلمة في النهاية هي المسيطرة وسيهمشون. وإذا كان ثمة من يرفض تهميش السنة فما باله بالمسيحيين إذا الذين يواجهون ضغوطات أكبر؟؟. لا شك في أن الأوضاع معقدة جداً. وأن ثمة فسيفساء عراقية شبيهة إلى حد ما بالفسيفساء اللبنانية مع فارق كبير في طبيعة النظام اللبناني الذي لايزال ورغم كل شيء يتمتع بقدر من حرية التعبير والديمقراطية دون أن ننسى أن الحرب أثرت كثيراً وعلى جيل بأكمله وزرعت بذوراً طائفية ومذهبية في النفوس لكن ثمة شبه اجماع على المحافظة على التنوع اللبناني في إطار وحدة وطنية لبنانية حقيقية ثابتة وقوية. من ههذا المنطلق ينبغي الاستفادة مما جرى في لبنان. إن على صعيد قوانين الانتخاب أو التعامل معها. فالمقاطعة جربت في لبنان. اعتمدها فريق مسيحي وشارك بعض المسلمين فيه، اعتبروا أن القانون جائر. الانتخابات أفرزت مجلساً صاحب قرار ولكن لا يمثل كل اللبنانيين عموماً في إطار الخصوصية اللبنانية. وبالتالي حصل خلل في لبنان لم تكن آثاره إلا سلبية على أصحابه وعلى الدولة اللبنانية كلها. وفي مرحلة معينة أجريت الانتخابات وكان الاحتلال الإسرائيلي جاثماً على جزء من الأرض اللبنانية، وبالتالي يجب الانتباه إلى خطر المقاطعة، إلى جانب انتباه المسؤولين العراقيين إلى خطر القانون الحالي وإلى أزمة المصداقية القائمة بينهم وبين العراقيين، وإلى الوضع الأمني المتوتر، وإلى عدم الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي والأمني، وإلى المشاعر الطائفية والمذهبية المتأججة والتي لا تتأتى من الخارج. هي موجودة وربما تجد من يحتضنها من هنا وهناك. والخطر الأكبر على العراق قبل الانتخابات وخلالها وبعدها هو الحالة الطائفية، والتي يمكن للانتخابات أن تكرسها بكل وجوهها السلبية بما يتجاوز التنوع الذي هو غني. والأخطر من ذلك أن هذا الأمر مع المؤشرات التي ذكرناها قد يكون منطلقاً لصراعات في المنطقة كلها تغير وجه أنظمتها وفي ذلك خدمة لأميركا وإسرائيل. ربما قال البعض إن ثمة مبالغة في ذلك. أو إن ثمة محاولة لتحميل العراق أو العراقيين وحدهم مسؤولية ذلك. في الحقيقة ليس هذا ما أقصده. بل انطلق من وقائع ملموسة على الأرض ومن مواقف وتصريحات تعبّر عن مخاوف ترافقها اتهامات يرد عليها باتهامات أخرى، والعلاقات بين أنظمة المنطقة ليست على ما يرام. فكل نظام منغلق على ذاته. مهتم بشؤونه. وكامن لجاره لأن أزمة الثقة عميقة بينهم. كذلك فإن ثمة تاريخاً من الصراعات والأحقاد وغياباً لقيادات تاريخية تتميز بصدقية وقدرة على التأثير. إن محاولة إسقاط وتغيير بعض أنظمة المنطقة قائمة ويحاول البعض تحقيقها بشكل أو بآخر. وليس لأحد فيها مصلحة بالترويج «لهلال شيعي» و«هلال سني» هناك.. ونجمة هنا ونجمة هناك من هذا اللون الديني أو ذاك.. ولا يزال الوقت ممكناً للانقاذ - وإن كان لا يعمل لمصلحتنا - ليكون الجميع جزءاً من القمر العربي المضيء طريق المستقبل إلى التعاون والتضامن والتطور والحرية والديموقراطية التي تفرضها حاجات مجتمعاتنا وضرورات حماية مستقبلنا ولا ينبغي أن نقتنع بها فقط لأن أميركا ترفع شعاراتها!!