أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله عزَّ وجلّ والعمل على طاعته والتقرب إليه بالأعمال الصالحة ما ظهر منها وما بطن. وقال في خطبة الجمعة يوم أمس في المسجد الحرام إنه ليس بخاف ما تعيشه أمة الإسلام من ضعف وتفكك وروح انهزام وكأنها تعيش حال من التيه والضياع في كثير من بقاعها ومع هذه الصورة القاتمة التي يغني وصفها عن حالها يقال بكل ثقة وقوة إن الأمة رغم كل هذه الأحوال البائسة تمتلك بفضل الله ومنته مقومات أساسية تجعلها في موقع التأثير ومركز الثقل في عالم التدافع الحضاري والتنافس العالمي. مشيراً أن الذي يبعث عن هذا الحديث بقوة ما تكشف في العالم من ظلم وتعسف وتجاوز للمواثيق الدولية والعهود الأممية في هذه الأجواء الظالمة والتجاوزات الفاضحة. ليحق لأهل الإسلام أن يتحدثوا عن أمتهم ومقوماتها وقدراتها وامكاناتها وبواعث الأمل الكبيرة للنهوض بكبوتها واستعادة حقوقها وبخاصة بعد أن اجتمعوا هذا الاجتماع الكبير والمبارك في رحاب بيت الله واحتضنتهم هذه البقاع الطاهرة في رعاية الله ثم ولاة أمرها وأهلها. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام أن هذه المتغيرات والفتن والمظالم والتجاوزات تستدعي المراجعة الجادة في الأوضاع تعتمد بعد الله على النظر في مقومات الأمة ومواطن قوتها وسبيل نهوضها واستعادة حقوقها، مشيراً أن أول مسببات نهوض الأمة ومقوماتها وأسس أركانها مرجعيتها، فمرجعيتها كتاب الله وسنَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويقال ذلك أنهما يمثلان المنهج الدستوري في تشييد الصرح الحضاري الذي يدعم بالسلام والأمن والعدل والرفاه والسعادة. وأن هذه المرجعية لا تنحصر في نصوص الكتاب والسنَّة فحسب بل بكيفية إعمال هذه النصوص في صياغة لبنة الحضارة، وهو الإنسان حيث تصوغه إنساناً سوياً متوازناً منسجماً في حركته وعطائه عادلاً في ميزانه. وأضاف الدكتور ابن حميد إن من مقومات الإسلام طاقتهم البشرية الهائلة فهم يمثلون ربع سكان الأرض.. وتأتلف فيها وتنسجم جميع الأجناس والأطياف والقوميات مما يرصد سبيلاً واضحاً ودعماً عظيماً للتكامل الذي تحتاجه البنية الحضارية. كما أن من مقومات الأمة موقع الأمة وثرواتها فإن خارطة الأمة الجغرافية والاقتصادية لا تكاد أن تترك موقعاً استراتيجياً ولا ثروة من ثروات الأرض في الباطن والظاهر إلا وكان لها فيه سبق ظاهر كماً ونوعاً. وليس من المبالغة القول إنها من أكبر أسباب تسلط الأجنبي ومقاومته نهوض الأمة وإصلاحها الإصلاح الحقيقي. وأضاف فضيلته أن مقومات الأمة التماسك الاجتماعي فيما بينها وأن الروابط التي أحكم وثاقها الشرع الحكيم في إبقاء لُحمة الأمة بنياناً يشد بعضه بعضاً هي التي جعلت هذه الأمة متجانسة منسجمة متحابة على الرغم من كل الأمواج والأعاصير التي تحاول النيل منها أو إثارة النعرات فيها. ففي الأمة ولله الحمد من عوامل التماسك والتشابك ما لا يقبل التشكيك {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون}. ويقول عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. ومن أعظم مقومات هذه الأمة جمعها بين المناعة الذاتية والاستجابة مع الانفتاح أصلها ثابت وفرعها في السماء شجرة راسخة محافظة على أصلها ونوعها ونموها، وهي مع الريح تميل لكنها لا تنكسر ولا تتغير ولا تقف عن النمو. مشيراً أن أمتنا تملك هذه الخاصية العجيبة لأن هذا هو الدين في أصوله الثابتة ومواطن الاجتهاد فيه، مؤكداً أن دين الله قد وفر للمسلمين الحصانة والمناعة تمكنهم من التعامل مع السوق الحضاري بقاعدة العطاء في الانفتاح والأخذ بعد غربلته وتصفيته. وأشار فضيلته أن بناء الحضارة في ديننا مبادئ وقيم وليس ماديات واختراعات واكتشافات فحسب وان كلا الطاقتين المادية والروحية محل العناية في الإسلام بالروح والمادة جميعاً يكون الإنسان متناسقاً ومتوازناً في التفكير والبناء والأخذ والعطاء. مشيراً أن السياسة والاقتصاد والمخترعات والأدوات جميعها هي من أشياء الإنسان التي يمكن استردادها أثناء عافية الأمم. أما الروح والقيم والثقافة فهي تعني فكر إنسان ونظرته للحياة والاحياء والأشياء والنشأة والمصير. ومن أجل هذا فإن قوة القيم والثقافة هي الحرص المنيع لحماية الأمة. أما ثقافة القوة فلا يمكن أن تغلب قوة الثقافة على المدى البعيد. ولا يخفى على العالم أنه أصبح قرية واحدة بتلاشي الحدود الجغرافية والأرضية في الإعلام والاتصالات والمواصلات. فإن الحدود الثقافية والحضارية لا يتصور تلاشيها ولا زوالها. وإن تلاشت الدولة الجغرافية فلا تتلاشى أمة الفكر والثقافة ولا تتآكل. وأشار فضيلته أن رياح التغيير لا تنهش إلا الثقافة الهشة سريعة العَطَب أما الثقافات التي تملك جذور التراثية ورصيد الفطرة وحفظ الوحي والقدرة على البناء المشترك الإنساني فهذه الثقافة ثابتة محفورة بما تَكَفَل الله بحفظه وجعله مهيمناً وظاهراً على الدين كله. مؤكداً أن الدين الحق والقيم الرفيعة التي تواجه ثقافة القوة والإكراه والاغتصاب والابتلاء، تواجهها بثقافة الاقناع والاعتراف بالخصائص البشرية والتنوع الإنساني وقيم التعارف والتنوع. مشيراً أنه يجب التأكد أنه لا يمكن التأكد أن تستعيد الأمة مكانتها وتسترد عزتها وتقيم نهضتها ومجتمعها إذا كانت الخلافات تمسكها وتعصف بها، مؤكداً أنه يجب سلوك مسلك الوسط والاعتدال فديننا دين الحق والوسطية والاعتدال. لا مكان للإصلاح حيث تسود الكراهية وتدور الأحقاد والضغائن والبغضاء. وإن المحبة والرفق وحُسن الخُلق والعفو والصفح وحُسن الظن هي الضمان بعد الإيمان بالله في صلاح الأمة واستقرار المجتمع وأمان الوطن. واختتم إمام وخطيب المسجد الحرام أن المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين وخادمتهما وراعيتهما بإذن الله وعونه وقلب المسلمين النابض تحرص على مسؤوليتها. فحين يذكر اجتهاد المسلمين وتضامنهم وهمومهم وآمالهم تأتي هذه البلاد بفضل الله ومنته رائدة في هذا كله، هي الموقظة للهمم والآمال وهي الساعية لوحدة المسلمين وتضامنهم، وها هي تعيد الكرة وتوجّه الدعوة لمؤتمر لقادة المسلمين يجمع شملهم ويرسم اتجاههم ويوضح دورهم العالمي والحضاري في عالم يموج في المتغيرات بل بالأطماع والنزاع وإيقاظ الصراعات واستغلال الخلافات. بل ان العالم في كثير من مواقعه يعيش توتراً وبؤراً ساخنة في هذه الأجواء والظروف يجب أن يلتئم أمر القادة وولاة الأمر ليروا أنفسهم بمرآة صافية صادقة تعكس لهم صورتهم الحقيقية وما أصدق أن يكون المؤمن مرآة أخيه صدق في الاجتماع وفكر في النقاش وإخلاص في النوايا وعمق في التناصف من غير القاء بالتبعات على الآخرين. فيجب النظر في النقد والإصلاح والعيوب والنقائص بمصداقية وحيادية ومن ثم علاجها بتخطيط وعلم وتعاون مفتوح في كل هموم الأمة في الدين والاقتصاد والسياسة والأمن والتعليم والعمل. محكوم ذلك بالاعتزاز بالدين وترسيخ للرابطة الإسلامية والتحليل الدقيق بمصادر القوة والضعف وعناصرهما. مؤكداً أن كل مسلم يؤمن إيماناً أن الإسلام دين الحق والعدل والبناء والحضارة والعمران. وهي دعوة سعودية مسلمة لمواجهة الذات وبناء الصفح وتوثيق اللحمة. وبغير مواجهة الذات بمصداقية وواقعية وعدل ورحمة وسلامة قصد وحب للأمة وخوف عليها لا يتفق المسملون بعمل جماعي وحدوي.