«يا ذيب» أحد المفردات الغامضة التي أوردها العديد من الشعراء الشعبيين القدماء في مطلع قصائدهم.. وإن اختلف المعنى من شاعر لآخر.. فنجد أن كل شاعر منهم يُسخر هذه المفردة لأداء غرض معين كالرمز أو الإشارة لشيء ما.. أو التشبيه.. وأياً كان هذا الغرض فإن أغلب الشعراء لا يقصدون باستخدام هذه المفردة مخاطبة الذئب ذاته.. يدل على ذلك العديد من الأبيات الشعرية منها قول الشاعر: يا ذيب يا للي تجر عواك أزعج مع الصوت صوتيني يا ذيب أنا غافل لولاك فصلت لقلبي شواطيني كما يورد أيضاً أحد الشعراء هذه المفردة في مستهل قصيدته قائلاً: يا ذيب أنا أوصيك لا تاكل الذيب كم ليله عشاك عقب المجاعه فلم تكن مخاطبة الذئب تحت اسم غيره هي الرمز الوحيد الذي استفاد منه الشعراء.. ولكنهم استفادوا استفادة بالغة من عواء الذئب أيضاً.. فعواء الذئب عُرف عنه النبرة العالية التي تمثل أقوى النبرات الحزينة وهؤلاء الشعراء شبهوا هذا العواء الحزين بما يختلج في نفوسهم من آهات.. يقول الشاعر شالح بن هدلان: ذيب عوى وأنا على صوته أجيب ومن ونتي جضت ضواري سباعه وفي ذات السياق يورد الشاعر هذا البيت: عويت أنا عويت الذيبي اللي عوا وأرقب القارة هذا.. ولم يقتصر عواء الذئب على هذا الحد من التشبيه البليغ بل إنه استخدم - كشفرة - ورمز خاص عند بعضهم.. وتذكر القصص العديد من المواقف التي رصدها الشعر الشعبي ومن بين تلك القصص المشهورة.. إن عواء الذئب كان إشارة بين حبيبين كل منهما من قبيلة مختلفة معادية للقبيلة الأخرى.. وحدث ذات مرة أن فرضت قبيلة الفتاة حراسه أمنية مشددة للحماية من اللصوص.. جعلت من قدوم الحبيب مخاطرة عليه لهذا رفعت الفتاة صوتها وهي تردد هذه الأبيات قبل أن يسمع الحبيب صوت الذئب فيأتي للقاء بها تقول: دربيك اللي تباه من أول يا ذيب مرصود حالوا عليه الحرس يا ذيب واسيرتك سيره لو كان ماني بها تفعل العربان منشود لا شك ما أبيك يا ذيب الغلا تاقع عثيرة وعندما سمع الحبيب هذه الأبيات أدرك أنه هو المقصود فعاد من حيث أتى وهناك قصة أخرى مشابهة للقصة السابقة.. فيذكر أن أحد الرجال أُجبر على مفارقة زوجته بعد خلاف بين قبيلتهما.. وهنا استخدم الرجل عواء الذئب كوسيلة للاتصال بها فقلد الزوج صوت الذئب ثلاث مرات حتى عرفت الزوجة صوته وخرجت خفية للقاء به.. وبعد اللقاء الزوجي عادت الزوجة لمنزل والدها.. وشاء الله أن تحمل الزوجة من جراء ذلك اللقاء.. لم يصدق أهلها ما قالته من مجيء زوجها في تلك الليلة واتهموها بالسوء. ولقطع دابر الشك قاموا بدعوة زوجها للمجيء وعن طريق الربابة أنشد شقيق الزوجة قائلاً: يا ذيب يا للي تالي الليل عويت ثلاث عويات على ساق وصلاب سايلك بالله عقبها وش سويت يوم الثريا داوست والقمر غاب فهم الزوج الأمر وأجاب: أنا أشهد إني عقب جوعي تعشيت وأخذت شاه الذيب من بين الأطناب وهكذا برأت ساحة الزوجة وعادت إلى زوجها. وهكذا نجد أن شعراء البادية استفادوا من الذئب كرمز وإشارة لما يصعب التصريح به.. فالذئب تارة الحبيب وتارة الأخ وتارة الزوج.. وأحياناً كثيرة يجهل المقصود به ليبقى المعنى في بطن الشاعر كما يقال.