في الأسبوع الماضي التقي الملك سلمان بمجموعات كبيرة من الإعلاميين والمثقفين وكتاب الرأي والفنانين ومجموعات أخرى لها علاقات متداخلة مع الثقافة والإعلام، وتفاعل المجتمع الثقافي والإعلامي بجميع وسائله مع هذا اللقاء بشكل كبير ومن أسباب ذلك كون الملك سلمان من أكثر الشخصيات في الأسرة الحاكمة معرفة بالمثقفين والكتّاب والأدباء. المثقفون وكتّاب الرأي والفنانون يجب أن يواكبوا تحولات الحياة لما بعد الحداثة التي حولت كل «مظاهر الحياة إلى سلع قابلة للاستهلاك» وعندما تتحول مظاهر الحياة إلى هذا النمط من التعامل يصبح التعبير الذاتي كبيراً ومؤثراً أكثر من أي تأثيرات سياسية أو اجتماعية الملك سلمان تاريخياً مسؤول بشكل مباشر عن ملف الإعلام والثقافة في السعودية، وهذا ما جعله يعرف كل الإعلاميين والكتّاب ورواد الثقافة في السعودية، اليوم من كان يتولى قيادة هذا الملف الإعلامي والثقافي في المجتمع لعقود طويلة أصبح هو الملك الذي يقود السعودية، لذلك فهذا اللقاء شكل محور اهتمام ورسالة كبيرة للمثقفين في المجتمع. الإعلام والثقافة اليوم أكثر تعقيداً من السنوات الماضية فقد تجاوز انتشار الإعلام فكرة الصحافة والتحليلات والمقالات المكتوبة إلى قضية الإعلام الشائك والذي أصبح أكثر انتشاراً بين فئات المجتمع بعد أن كان مقصوراً على المثقفين والكتّاب وأصحاب الرأي، حيث كانت تعبيراتهم ملتزمة بوجود منبر إعلامي يحتضنهم مثل الصحف أو التلفزيون، اليوم أصبح المنبر الإعلامي موجوداً في كل بيت وأصبح تأثير (هاشتاق) في موقع تويتر يمثل منبراً إعلامياً وثقافياً يمكن من خلاله قراءة المجتمع بكل اتجاهاته السياسية والثقافية. اليوم وبعد هذه التطورات المتواترة تقنياً في المجال الإعلامي أصبحت الثقافة المجتمعية فيما يخص الإعلام تحديداً مطالبة بمراجعة صادقة لاعتباراتها في كيفية التعاطي مع المجتمعات في القرن الحادي والعشرين، السؤال المهم والرسالة الأساسية في دور الإعلام والثقافة تنبع من قدرة المثقفين والكتّاب والفنانين على استيعاب دورهم بشكل صحيح في إطار لا يغفل ما يمر به العالم العربي من تحولات وعدم استقرار في المنطقة بأكملها. الثقافة في السعودية بكل مكوناتها تبدو لي وكأنها تمر في مرحلة انتقالية طبيعية ذات ثلاثة مستويات: الأول مرتبط بالأدوات والمفاهيم الثقافية التي تغيرت من خلالها أوراق الثقافة ومصادرها وأدواتها وتقنياتها، المستوى الثاني ويمثل آلية الانتشار الواسعة التي ساهمت في دخول كم كبير من المجتمع في إطار العمل الثقافي والمساهمة الثقافية، وهذا ما ساهم في صعود نجوم إعلاميين جدد لا يمكن تقييمهم من خلال كمية المعرفة التي يمتلكونها بقدر ما يتم تقييمهم من خلال قدرتهم على جلب الانتباه المجتمعي عبر تفاعلهم بشكل واقعي ومبسط مع معطيات الثقافة من حولهم. المستوى الثالث ويمثل آلية استيعاب الإعلام والثقافة الجديدة ومرحلة ما بعد التقليدية الإعلامية، وقد ساهم هذا المستوى في تنامي الحس الأمني في المجتمع تجاه هذه التطور والتحولات في مسار الإعلام كونها غريبة ولكنها ذات تأثير فعال يساهم بشكل سريع إلى الوصول نحو مرحلة ما بعد الحداثة. الثقافة في السعودية والتي تدخل هذا المعترك الجديد في الإعلام والثقافة بحاجة ماسة إلى جسر متين لفهم حركة التحول في المجتمع - وذوبان المحلي في العالمي ثقافياً - على جميع الأصعدة، وهنا تصعب عملية السيطرة على الأفكار والمفاهيم التي تخترق حدود الثقافة وإطار المجتمع، السؤال المهم الذي يواجه السياسة الثقافية في السعودية هو القدرة على تطويع الثقافة والسيطرة على تعارضها في سبيل العثور على طريق مشترك لفهم الدور الإعلامي من جانب المثقفين تجاه وطنهم. المثقفون وكتّاب الرأي والفنانون يجب أن يواكبوا تحولات الحياة لما بعد الحداثة التي حولت كل "مظاهر الحياة إلى سلع قابلة للاستهلاك" وعندما تتحول مظاهر الحياة إلى هذا النمط من التعامل يصبح التعبير الذاتي كبيراً ومؤثراً أكثر من أي تأثيرات سياسية أو اجتماعية، وهذا ما يفسر صعود نجوم جدد في المجتمع تم صناعتهم عبر ثقافة الاستهلاك التي شكلت منتجاتهم الثقافية وخاصة الاستهلاك الثقافي للمعرفة والغور في تفاصيل المجتمع ونماذج تفكيره، ليبقى السؤال المهم حول تلك التعقيدات الهائلة والتداخل المفرط في مجتمعنا بين الثقافة التقليدية وبين ثقافة الحداثة التي تكتسح المجتمع. لابد من الاعتراف بوجود بعض التأثيرات المتبقية لثقافة الإعلام التقليدية، ولكن ذلك لن يدوم مع صعود قيم إعلامية جديدة تساهم في تسريع ثقافة الاتصال بين المجتمعات والشعوب، وهذا بالتأكيد سيخلق نوعاً من التأثير المباشر على المجتمعات وسوف تنشأ تلقائياً أزمات في داخل الثقافة ومكوناتها كنتيجة طبيعية لدخول مكونات وعناصر مستحدثة. هذا الإطار العلمي لأزمة الثقافة والإعلام مهم لفهم حالة التحول التي سوف تفرض علينا تعاملاً مختلفاً مع واقع جديد، وأعود هنا إلى لقاء الملك سلمان بالإعلاميين والمثقفين وكتّاب الرأي والفنانين، حيث كانت الرسالة واضحة في هذا اللقاء، كون القيادة الثقافية في السعودية تدرك أن التحولات المتسارعة في الإعلام والتواصل قد تضع الثقافة وروادها أمام خيارات متعددة في كيفية المساهمة في دعم وتعزيز الوطنية والولاء الوطني من خلال قبول حقيقي للمعطيات الجديدة ومحاولة تكييفها قدر الإمكان مع المجتمع. صراع التقليدية والحداثة في المجتمع لازال يستهلك الكثير من الجهد والوقت وخاصة خلال العقود الأربعة الماضية وهذا ما ساهم في بروز مساحات من المواجهة بين مكونات الإعلام لم تكن مقصورة على المحلية بل شهدت مشاركات خارجية من فئات إعلامية لم يكن هدفها الإصلاح بقدر ما هو طرح مزيد من الأسئلة السلبية على المجتمع. بلغة أخرى فإن تداخل الثقافة المحلية مع الثقافة الإقليمة والدولية بهذه السرعة في المجال الإعلامي يتطلب فهماً وترتيباً للأولويات السياسية والاجتماعية في المجتمع، فهذه الظروف المحيطة بالمجتمع والتحولات الكبرى تستوجب من الإعلاميين والمثقفين وكتّاب الراي والفنانين الالتفاف حول ثقافة المواطنة والدفاع عن الوطن بعيداً عن الادعاء بالدفاع عن الثقافة وتقاليدها القابلة للتحول مع ثورة التغيير التي تجتاح العالم. لا يمكن اليوم أن تقف المجتمعات مهما كانت في وجه تلك الأنهار الجارفة من التحولات الثقافية التي تجتاح كل شعوب العالم وتتأثر بها الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، لذلك لابد من المسارعة في فهم الواقع المحيط وإلا سوف يكون البديل هو الالتفاف حول تقليدية غير مفيدة للمجتمع سواء تقليدية ذات علاقة بالايديولوجيا أو السيسولوجيا أو غيرها من التقاليد بالإضافة إلى فهم حقيقي للحركة التاريخية التي تقول إن هزيمة الفكر المؤدلج وتجاوزه حقيقة تاريخية ثابتة عبر العصور، لذلك فالمكان الرئيس الذي يجب أن تدور حوله كل المعطيات هو الوطن والمواطنة بمفهوم متطور يحفظ الكيان ويسمح بالتنوع بكل صفاته وفقاً لمفهوم جغرافي وسياسي فقط بعيداً عن أي مؤثر لثقافة تدعي السيطرة على المجتمع.