في الغالب الأعم تبدو صورة المثقف محفوظة في ملامح شخصيات نخبوية لا تخوض في الشأن العام، ولا تهتم بها إلا لمامًا.. فما الذي يحجب المثقف عن المشاركة بصورة فاعلة في قضايا الشارع العام، وكيف السبيل إلى تجسير هذه المسافة بينهما، وعلى أي وجه يجب أن تكون هذه المشاركة من قبل المثقف في قضايا الشارع العام.. الأربعاء استطلع اراء عدد من الاطياف الثقافيه حول هذا الجانب بداية يشيرالدكتور جبريل حسن العريشي أستاذ المعلومات بجامعة الملك سعود وعضو مجلس الشورى إلى أن المثقفين يتميّزون عن الأفراد الآخرين في المجتمع بكونهم ينتجون الأفكار، ويساهمون في تنوير الناس بقضاياهم الحيوية، والكشف عن أشياء التراث الواقع، والانخراط في حركة صنع المستقبل؛ فهم مدعوون إلى ألاّ تُستسهل مهمتهم في المجتمع ومسؤوليتهم الفكرية، كما أنهم مطالبون بالتخلي عن تقاليدهم المعتمدة على الاجترار وإعادة القول؛ لكي يتحولوا من أشخاص مُستعملين أو مستهلكين للفكر إلى أشخاص لهم فعالية ذات وقع خاص على الصعيد الفكري والاجتماعي؛ فالمثقفون لا يمكنهم أن يدعون إلى التنوير وهم موجودون في منطقة مظلمة؛ فيجب أن يبدأوا بذواتهم لكي يمتدوا إلى أطراف التبادل الاجتماعي والثقافي. مضيفًا بقوله: على المثقفين - إذًا- أن يعلنوا حضورهم العمومي بالخروج من انحسارهم الذاتي، والتحرّر من أوهامهم الصغيرة؛ للانخراط في الجهد العام الذي ينشد التحرر والتقدم والعدالة؛ « لأن المثقفين كانوا قليلي الجدوى في مجريات الأحداث والأفكار؛ فتاريخ تعاملهم مع قضاياهم ومع الواقع يشهد على إخفاقهم وهامشيتهم. لقد أثبتوا أنهم لا يعرفون كيف تُلعب اللعبة، وتُبنى القوة؟ وكيف تنتج الحقيقة، وتقرّ المشروعية؟، فمعظمهم لا يزالون غارقين في سباتهم الفكري، لا يحسنون سوى نقض الوقائع لكي تصحّ مقولاتهم أو نظرياتهم» (نقد المثقف، ص 42)؛ فقد آل وضع المثقف من العزلة والعجز والهشاشة؛ قياسًا بالدور المهم والخطير الذي أراد الاضطلاع به في قيادة المجتمع والأمة، والدفاع عن الحقوق الفكرية والثقافية، إلى الانخراط في مشروعات النهضة والتقدم. ويتابع العريشي حديثه مضيفًا: إن مهنة المثقفين والمفكرين تحديدًا هي الاشتغال على الأفكار؛ فالمطلوب منهم أن ينجحوا في هذه المهمة؛ حتى يكونوا منتجين في أعمالهم، سواء أكان بافتتاح منطقة للفكر أم باختراع طريقة للتفكير، أم بابتداع ممارسات فكرية تتيح إدارة الأفكار على نحو يجعلها أكثر واقعيةً وفاعليةً؛ لأن بعض المثقفين يتوهّم أنه صار في المؤخرة، وقد همّش دوره بشكل كبير. لكنني هنا لا أستطيع أن أعمّم الحكم في نقدي المثقفين؛ لأن ثمة مثقفين أخذوا يتعاملون مع ذواتهم بصورة نقدية، ويحاولون أن يعيشوا مع الواقع بمصداقية وإخلاص. إن مشكلة المثقفين هي في أفكارهم، وأن مأزق النخب يكمن في نخبويتهم خاصةً. فميزة المثقفين هي في رفاهة حسهم، وقدرتهم على إعادة ترتيب ما يحصلون عليه، ومعايشتهم الحقيقية لحركة الكلمة في فضاءاتها المختلفة؛ فهم المرآة التي تعكس الأحاسيس ومعانة الناس الجوهرية النابعة من الأعماق، وليس من سطح الأحداث، ومن ثَمّ المطلوب منهم أن يساهموا بوعي كامل في مسيرة الرقيّ والتقدم لمجتمعنا على مختلف مستوياته وأشكاله. تعميم مخل ويشارك الدكتور أبوبكر باقادر بقوله: لا نستطيع ان نحكم على جميع المثقفين بعدم اهتمامهم بقضايا المجتمع ومشاكله؛ ولكن البعض منهم لا يعير ذلك اهتمامًا ويغني على ليلاه. ولكن هناك مجموعة أخرى من المثقفين كأي بلد من بلدان العالم اهتموا كثيرًا بقضايا المجتمع، وأعتقد أن السرد من قصة قصيرة ورواية هي الأقدر والأجدر، وقد أصبحت مرآة ناطقة بواقع المجتمع ومشاكله لأنها تسمح بتعدد الأصوات وتقابل الآراء وتناظرها على عكس الأجناس الأخرى كالشعر الذي كان يعبر عن ضمير الأمة ولكن بصوت واحد، وتبقى الرواية أكثر عمقًا ومصداقية في تصوير الواقع، ولكن نتطلع أن يكون لكل المثقفين دور توعوي وتحفيزي وطلائعي لأبراز قضايا المجتمع ومحاولة معالجة هذه القضايا من خلال الإنتاج الإبداعي والأدبي. مسألة ملتبسة ويرى الدكتور صالح زياد أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة الملك سعود أن الشأن العام يعني هموم العيش المشترك للمجموعة الوطنية أو القومية أو الإنسانية، وهي هموم تغلب عليها الصبغة النفعية والعملية المباشرة: الخدمات والأنظمة والحقوق والعلاقات والأفكار والهموم الاجتماعية، وذلك في مقابل الشأن الخاص وهو ما يهم الفرد أو المجموعة ذات الاختصاص كالأدباء أو الفنانين أو الأطباء أو الأكاديميين... إلخ فالهموم والاشتغالات الخاصة هي مساحة نوعية وكمية في مقابل ما يسم الشأن العام من عموم. فليست جماليات الشعر أو القصة وليست دراسات الأدب المقارن من موضوعات الشأن العام تمامًا كما هي علوم التشريح والكيمياء الحيوية، إلا من وجه معين حين يكون النقاش في أحدها من وجه المنفعة المباشرة والعملية للكل. مضيفًا: لكن مسألة الشأن العام والخاص ملتبسة في بعض مستوياتها، فليس هناك خصوص معزول قطعيًا عن العموم. والثقافة وهي موضوع حديثنا هنا هي مرتكز أساسي في الشأن العام، وذلك إذا ما اتفقنا على أن الثقافة هي فعل التأثير في الوعي وإكسابه خبرات وتجارب ومفاهيم ومعاني والتأثير فيه. فهل يمكن أن نتصور الشاعر أو الروائي أو الفيلسوف أو المفكر أو الناقد بلا هموم عامة؟! كلا، لكنه يشتغل في مستوى نوعي وكمي له خصوص على مستوى الشكل والرؤية وعلى مستوى المضمون. إن تهمة المثقفين النخبويين أو ثقافة البرج العاجي، هي تهمة موجَّهة إلى ذوي الهموم المترفة، أو الهموم الفردية، وأحيانًا إلى الثقافة ذات الصبغة الرومانسية بما يطغى عليها من أحلام وحنين وغزل وشجن. لكن هذه التهمة لا يمكن أن نفهم منها أنهم بلا هموم عامة، فمن يقول إن الأحلام والأوهام والغزل والشجن والغنائية الفردية ليست حاجة عميقة في كل نفس؟! وليست شأنًا عامًا يشبه الحاجة إلى الرغيف ويواكب طور الخروج من قبضة الوجود الإقطاعي أو القَبَلي أو الثيوقراطي إلى مستويات أرفع إنسانيًا ومدنيًا. المثقف الحقيقي ويقول الكاتب عبدالله عمر خياط: في تقديري أن لا مشكلة بمعنى الكلمة، فالمثقف الحقيقي الذي يستحق بجدارة أن يكون ضمن قائمة المثقفين يعيش في عالم منعزل عن المجتمع وعن أهله ووطنه، ولذلك تراه يترفع عن الخوض في قضايا الرأي التي تتعلق بالشأن العام. والغريب أنه عندما تطلب منه الصحف، أو النوادي الأدبية المشاركة فيما يتداوله الرأي العام من قضايا تراه يتنصل عن الخوص فيها بدعوى انشغاله بما هو أكبر وأكثر أهمية. أما إن سألت عن هذا الذي أكثر أهمية، فإنك لا تجد الجواب الشافي ففي التلفزيون ما يشغله، وفي القراءة ما يُسليه، وفي لعب البلوت يقضي لياليه. ولهذا فهو لا يريد العكننة ولا أظن أن بقدرة أحد أن يخرجه من العالم الذي يعيش، وإن كان ذلك لا يعذره عن الدخول للحياة العامة – كما هو واجب عليه – ومعايشة مجتمعه ومشاكل للاسهام في معالجة القضايا والانشغال بالمطالب والسعي لتحقيق الأماني. نزول لقاع المدينة رؤية القاص محمد علي قدس صاغها بقوله: أعجبني بالفعل عنوان مقال نُشر مؤخرا للأديب الصديق د. سعيد السريحي (المثقفون الجدد) ما يعنينا بالفعل هو حال المثقفين اليوم، كأني بهم ليسوا معنيين بما يحدث ونجدهم يخوضون في أمور تجعل من حواراتهم وما يتم طرحه من قبلهم، إما يثير المزيد من الأسئلة أويعقد الأمور أكثر مما هي معقدة، ومن المفترض أن يكون دور المثقف في مجتمعه إيجابيًا ولا يتقاعس عن دوره ولا يتكل على الغير ليتخلى عن مسؤوليته، رغم أن المثقف والعالِم يحمل رسالة يبدو أنه أبى أن يحملها وتقاعس عن دوره الوطني والإنساني. ويضيف قدس: ما يربط المثقف بمجتمعه، هم الناس الذين لهم همومهم وقضاياهم التي لا يمكنهم التعبير عنها، ولا يستطيعون إيصال ما يفكرون به لمن يهمه الأمر وولاته، والمثقف كلما كان قريبًا من نبض الشارع، كان الأقدر على الإلمام بتكوينات الرأي العام، والأجدر بشرح ملابساته ووضع الحلول الممكنة والمقترحة لحل مشكلات الناس والبحث في قضاياهم، وفي اعتقادي أن الصحفي المثقف هو الذي يهمه بالدرجة الآولى رأي الشارع العام، وما يحدث في قاع المدينة وهو المعني في أن يكون إشكاليا حين يتبنى قضايا الناس وهمومهم، وهو يعلم أنه عرضة للنقد والمساءلة، ولكنه يثق في أنه ما دام على حق وليس له هدف سوى الوصول للحقيقة، ولديه كل الوثائق والأدلة التي تعزز رأيه وتحميه قانونيًا، فإنه لا يخشى في قول الحق لومة لائم. وأزعم أن فئة قليلة من المثقفين كُتّاب الأعمدة الصحفية، هي التي تسخر أقلامها للتعبير عن هموم الناس والبحث في قضايا المجتمع بجرأة وشفافية وصدق، صدى المجتمع ويلخص القاص خالد اليوسف رؤيته في قوله: المبدع يبدع للمجتمع وكل مثقف لا بد أن يكون صدى للجميع، وإن كتب لوحده بعيدًا عن الواقع سوف يمل، ولذلك الكاتب الواقعي لابد ان تتسم كتاباته الأدبية بجوانب تخيلية أو تأملية أو رغبات لتغير الواقع السلبي ورفضه ويحاول أن يقدم صورة مشرقة للواقع، والمبدع الحقيقي لا يكون بعيدًا عن الواقع. ونحن الآن في السعودية مثلا نمر بتغيرات سريعة وخصوصًا بعد الانفتاح، والكاتب القصصي هو الأبقى وخصوصًا الذي يلتصق مع الجميع، والرواية أصبحت ملامسة للواقع، فقد كانت الروايات في السابقة هروبًا، ولكن حاليًا أصبحت متلاصقة وبعيدة عن الخوف وأصبحت الرواية تقدم تفاصيل لمدن ومناطق كثيرة من المملكة. انفصام هوية وتحدث الشاعر محمد الشدوي بقوله: كان المثقف يأتي في الطليعة لتبني هموم المجتمع. وفي العصر الراهن بات المثقف في مؤخرة الركب وشهد انعزالاً عن المجتمع وجاء تابعًا لا متبوعًا لشعوره بالاحباط وانكفائه، وفي المقابل نجد أن هناك تقصيرًا من المنابر الثقافية والإعلامية الرسمية في تبني القضايا وتوجيه المثقف إلى تبينها بصفتها مؤسسات جامعة وموجهة للمثقفين. نحن الآن في العالم العربي نعاني من التشظي والتفتيت واصطدام جزئيات الثقافة «الطائفية القبلية والحزبية» بالهوية الوطنية الجامعة لهذه الجزئيات ولا أخفيك أن كثيرًا من المثقفين تركوا المنابر الثقافية والإعلامية لشعورهم بالتهميش وتوجهوا إلى منابر أخرى غير رسمية «الإنترنت» وكتبوا بأسماء مستعارة، وطرحوا قضايا وهموم اجتماعية بأسلوب متطرف.. لماذا؟ لأن المنابر الثقافية والإعلامية في وادي وهموم المجتمع في وادي آخر. بحث عن الأضواء حال الشعراء إزاء هذه القضية يصفه رئيس نادي الباحة الأدبي الشاعر حسن محمد الزهراني بقوله: للأسف الشديد في الوقت الحاضر بدأ الكثير من الشعراء لا يكتب في اي مجال اجتماعي سواء الهم الشخصي أم العربي، وبدأ حديث الشعراء عن أنفسهم وهمومهم وشجنهم الخاص. فالآن القضية السورية وانظر ماذا يكتب بالنسبة لما لدينا من عدد كبير من الشعراء نجد قله من الشعراء من كتب عن هذه القضية. بينما كنا في السابق نتسابق على الكتابة عن هذه الأمور ومشاركة المظلوم والمكلوب والحزين والقصيدة الحديثة ليست مهيأة بأن تكون ذات صيغة اجتماعية تتحدث عن هم المجتمع انما هي ترانيم داخلية يعبر بها الشاعر عن ذاته.. أيضًا دخول كثير من الشعراء في مجال الغموض الشعري تقليد كثير من القصائد لا تستوعب هذه القضايا وتجد الشاعر يكتب بأسلوب غامض وبعيد عن ملامسة الهم الاجتماعي والإنساني بشكل عام طرح القضايا المهمة كما تحدثت الدكتورة ثريا العريض بقولها: هناك فرق ما بين المثقفين، فهناك مثقف متخصص وآخر غير متخصص، وأعتقد أن المثقف المتخصص سوف يكون اهتمامه بقضايا المجتمع مفيد من خلال وضع الحلول المناسبة، فقد رأينا كثيرًا من المثقفين يطرحون قضايا غاية في الأهمية مثل قضية البطالة والإسكان والمشاكل الأسرية وقضايا المرأة والتوظيف وغيرها من القضايا الحيوية. وانا متفائلة من كثير من المتخصصين وخصوصًا من تم ابتعاثهم لخارج المملكة للعودة للوطن وتحمل المسؤولية في الاهتمام بقضايا المجتمع ووضع الحلول من خلال شركائهم وإدارتهم التي يعملون بها. مثقف ضعيف واكتفى الدكتور عبدالله مناع بقوله: المثقف الذي لا يهتم بالشأن العام ضعيف وحبيس نفسه، والمثقف هو صوت المواطن وضمير الأمة سواء كان شاعرًا أو قاصًّا أو روائيًّا أو كاتبًا أو غير ذلك من كل الأوجه الثقافية . وهم ضار الدكتورة أميرة كشغري قالت: هناك وهم كبير أطلق عليه الكاتب علي حرب في كتابه (أوهام النخبة أو نقد المثقف) مسمى «الوهم الثقافي» ويعني بذلك أن المثقف لا بد وأن ينتمي لمجموعة النخبة التي لا تعنيها قضايا الشأن العام. وهذا في رأيي من أشد الأوهام ضررًا على المجتمع والمثقف بل والثقافة بمفهومها الواسع. إن شيوع هذا الوهم وترسخه في أذهان المثقفين أدى إلى بروز ثنائية (الطليعة والجماهير) وتكريس هذه الثنائية أمر خطير لأنه يقود إلى استعلاء طبقة وتحكمها بينما يتم تهميش الجماهير وقضاياهم التي من المفروض أن يمثلها المثقف وبالتالي يبتعد المثقف النخبوي عن قضايا الشأن العام ليبقى خارج دائرة الحياة الديناميكية في الوقت الذي يظن أنه يمتلك السلطة «سلطة المثقف النخبوي» على الجماهير التي عادة ما يتم وصفها ب»الجاهلة» و»التابعة». أعتقد أن تلك هي واحدة من الأسباب التي تجعل المثقف ينأى بفكره وقلمه عن الخوض في قضايا الشأن العام. ولذلك فمن الضرورة أن يخرج المثقف في خطابه،إذا أراد أن يكون فاعلاً ومؤثرًا، من هذا الوهم النخبوي ويتفاعل مع الجماهير العامة وقضايا الشأن العام لأن ذلك هو الاختبار الحقيقي على قدرة المثقف على الحركة والديناميكية التي يتطلبها عمله باعتباره عنصرًا فاعلاً في قراءة الواقع الاجتماعي ومشاركًا في سيرورة تحولاته الاجتماعية والمعرفية والسياسية والمدنية. مختتمة بقولها: الطريق الأمثل للخروج من دائرة النخبة المثقفة هو انخراط المثقف في مؤسسات مجتمعه المدني؛ بمعنى أن يكون عضوًا فاعلاً في المؤسسات الثقافية غير الرسمية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والرياضية، وأن يتبنى قضاياها المطروحة بغض النظر عن موقفه هو منها. فعلى سبيل المثال فإن زيارة واحدة يقوم بها المثقف لجمعية حماية المستهلك أو جمعية المتقاعدين أو جمعيات المرضى أو الجمعيات الخاصة بحقوق الإنسان وذوي الاحتياجات الخاصة أو الجمعيات الشبابية الثقافية الناشئة كفيل بأن يجعل المثقف قريبًا من القضايا الحياتية المطروحة في تلك الجمعيات. ولا يغيب عنا أن وسائل الاتصال الجماهيرية العصرية عبر فضاء الإنترنت جعلت التواصل مع هذه الجمعيات أكثر سهولة وأعمق تأثيرًا وليس أدل على ذلك مما قام به الدكتور عبدالله الغذامي في تبني قضية السكن للمواطنين على صفحات توتر مما يجعلنا نقول بكل فخر أن ذلك هو نموذج لسلوك المثقف الحقيقي في تبنيه لقضايا الشأن العام. أعاصير التغييرات وترى الدكتورة عائشة يحيى الحكمي أن المثقف في كل الأزمنة هو قائد نهضة وزعيم تنويري ابن المجتمع وحين تتشكل ذاكرته الثقافية يحمل في طياتها نسخة من مجتمعه فإذا اسهم في تهيئته بصورة يرضى عنها سيظهر المثقف بكل ثقة أكثر التصاقًا ببيئته، تمامًا مثل نشأة وتربية الطفل بعض جوانب شخصيته فطري وآخر مكتسب. مضيفة: ولعل المثقف في عصرنا الحاضر وهو يمارس عملية الاتصال الفكري والإنساني التقليدي يواجه أعاصير من التغييرات والتحولات تعمل على تهيش جهوده المعتادة بفعل التطورات الهائلة في التكنولوجيا ووسائل الاتصال والمعرفة والاتجاه التجاري العنيف لوسائل الإعلام، ذلك المثقف النهضوي الأصيل لديه التزامات تجاه دينه ووطنه وأمته فإذا لم يكن واعيا لهذه المتغيرات التي تحاول تهميشه وسرقة التزاماته التقليدية سيصبح هو والمجتمع في ورطة وحيرة نظرًا لسيطرة الإعلام وجر المجتمع نحو الحداثة وفصله عن ثقافته الرصينة ذات الجذور، وسيقف المثقف مكتوف الأيدي إذا لم يطور ادواته والبحث عن بدائل تترجم إدراك المثقف لوجوده في الحياة إذ هو وجد لكي يظل دائما قائدا لكل جديد يخدم مجتمعه وثائرًا ومناضلاً ضد كل عوامل الهدم الخفية والظاهرة في العصور العربية والإسلامية الماضية كان المثقف علما حتى