بدت الجلسة الثانية لملتقى المثقفين في يومه الأول أكثر سخونة مما كانت عليه الجلسة الأولى على الرغم من الجمود والأكاديمية البحتة التي صبغت بعض البحوث لاسيما بحث الدكتور إبراهيم البعيز الذي وصفه بعض الحضور بأنه مجرد درس أكاديمي، لم يشفع له شرح الدكتور حمزة بيت المال الدي ألقى البحث بدلاً منه. تناول بحث البعيز والذي جاء بعنوان (التصنيع الثقافي.. الخيار والطموح) عن التلفزيون مشيراً إلى أنه لم ينجح في الدول العربية في دوره التنموي المأمول بحيث يكون أداة ووسيلة للحوار والتفاعل الاجتماعي والثقافي، ولم يقتصر هذا الفشل على الوظائف الثقافية بل شمل الجوانب الترفيهية أيضاً. ثم تحدث البحث عن الخدمة التلفزيونية المتاحة مشيراً إلى الطفرة في القنوات الفضائية والتي يشهدها الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، تشمل نقلة نوعية في طبيعة الخدمة التلفزيونية. وعدد البحث أبرز مظاهر هذه النقلة بأن التلفزيون لم يعد وسيلة إعلام محلية محصورة ضمن الحدود السياسية للدولة فقد تحول إلى وسيلة إعلامية دولية أو إقليمية على أقل تقدير. ثم تنقل ببحثه حول الثقافة السياسية وقضايا أخرى كالنظام الاجتماعي والمحاذير الثقافية وعلاقة وسائل الإعلام بالحكومة والخصائص التنظيمية والتقنية لوسائل الإعلام... كل هذه النقاط من خلال تبيانه الاحصائيات والارقام التي اعتمد عليها البحث. واختتم بحث البعيز تحت عنوان (التوصية والخيار المتاح) بالقول: إنه من الواضح ان ما وصلت إليه الطفرة في القنوات الفضائية ليست من الخيارات المتاحة للوصول إلى صناعة إعلامية تساهم في التنمية بكافة جوانبها وأبعادها الثقافية والسياسية، فهده القنوات وما تشتمل عليه من مضامين ترفيهية وما يحركها من أهداف تجارية لن تخدم العملية التنموية.وأضاف: إن القنوات الفضائية التجارية تركز على البرامج الترفيهية ليس فقط لأن الجمهور يطلبها لكن لأنها الأكثر جدوى اقتصادياً. المنتج الثقافي إبراهيم التركي قرأ الورقة الثانية بعنوان رؤية حول المنتج الثقافي وظروف الإنتاج (الإصدارات الثقافية نمودجاً) تحدث في البداية عن أهمية اختصار الموضوع نظراً لضيق الوقت وقال في كتابه (أسطورة الإطار) المترجم ضمن عالم المعرفة 2003 ركز المفكر كارل بوبر على الوجود بوصفه مشتملاً على ثلاثة عوالم العالم المادي والعالم الذاتي والعالم المعرفي.. وتتداخل هذه العوالم في علاقات متشابكة ليبقى العالم المعرفي عالماً متغيراً بما يشمله من فكر وعلم وفن وأدب وسياسة وتقاليد وأعراق وقيم أو ما يمكن وصفه بحسب التركي بالعالم الثقافي وأهم مكوناته النقد بحيث تقل الاخطاء وتتواصل الأجيال ويستمر البناء. ثم انتقل إلى القول: انه في استعادة التاريخ القريب ما يشير إلى آفاق الآتي إذا استطعنا الخروج من نفق الخوف من التحولات القادمة برغبتنا وبضدها واذا اتفقنا على تحديد الثوابت في إطارها المرجعي الشرعي المجمع عليه بين علماء الأمة في كل أزمنتهم وسائر أمكنتهم. ويضيف قائلا: طغى الهمس أزماناً وربما اختفى فلم يعد للمشكلات العامة التي تمس الوطن حضور منتديات المثقفين والجلسات العامة واستهلكت الجميع تفاصيل الحياة اليومية المملة أو الهروب من الواقع والاكتفاء النخبوي بمناقشة الأبعاد النظرية للفكر المتعدد. ثم واصل التركي استقصاء الأبعاد المختلفة في حياة المثقفين وصولاً إلى تشريحه وانتقاده حالة الإقصاء وانتقادها بشكل شفاف وتفصيلي. واختتم التركي ورقته بالقول: إن الإصدارات الثقافية الدورية ومنها المجلات والملحقات لا تستطيع التواؤم مع معطيات الواقع الثقافي أو الصعود إلى استشرافاته إلا في جو انفتاحي يضيق فيه دور الرقيب وإن تمنينا. ولعل أهم توصية يمكن لهذه الورقة أن تنتهي إليه هو إعطاء المثقف كاتباً ومبدعاً ومحرراً مساحة أكبر للإنطلاق في فضاءاته التي يجيد التحليق فيها مع ضمان حق الآخرين للتحليق في فضاءاتهم وتقليص الركون إلى مصطلحات عائمة تؤصل فلفكر الحجر فيضيق الواسع وينكفئ الممتد مع التأكيد على قصر الثوابت في مدارات النصوص الشرعية قطعية الثبوت والدلالة التي حازت على الاجماع ولم تعرف فيها اختلافات أو اجتهادات. واقع الصحافة أما الورقة الثالثة فكانت للكاتبة إيمان القويفلي التي لاقت إعجاب الكثير من الحضور نظراً لكونها تتحدث عن واقع الصحافة الثقافية وجاءت باقتراحات عملية بشأن تأسيس مجموعة اقتراحات حول هذه المجلات. فانطلقت في بداية بحثها بالقول: أعوام طويلة مرت على انطلاق المطبوعات الثقافية التقليدية في المملكة في السبعينات الميلادية متمثلة في المجلة العربية والفيصل وبضع دوريات أخر انطلقت قبلها أو بعدها حتى منصف الثمانينات الميلادية صادرة عن الجهات الحكومية والأندية الأدبية وهيئات ومؤسسات مختلفة توقف بعضها واستمر البعض الآخر مكافحاً في ظل تضاؤل أرقام التوزيع وضعف الانتشار حتى تناهى هدفها إلى مجرد المثابرة على الصدور ضائعة عن هدفها الثقافي الأصلي. وتواصل القويفلي وصفها قائلة: بعد عام 1990 وحتى اليوم تحركت سوق النشر وظهرت بالجملة مطبوعات شهرية ونصف شهرية وحتى مطبوعات تصدر ب (البركة) و (حسب التساهيل) كلها متفرغة إما للشعر أو للصحة والأسرة أو حتى خالطة كل هذه الموضوعات بتنسيق قليل أو بفوضوية عارمة، تضيع فيها شذرات الكتابة. وتضيف القويفلي قائلة: ما زالت المملكة حتى اليوم مفتقرة إلى الدوريات الجادة الرصينة ذات الرؤية والمنهج التي تخدم القارئ والكاتب السعودي بصفة خاصة، والقارئ والكاتب بصفة عامة، والتي لاتتحفظ على التأثر بالمناخ الثقافي والتأثير فيه. واقترحت القويفلي لتأسيس عدد من الدوريات بإشراف وزارة الثقافة والإعلام وتقديم التصورات حول منهجها بعدة نقاط منها أن اهتمام الوزارة بإصدار دوريات ثقافية وفق شروط إعداد ونشر عالية هو تحول أساسي في دورها الرقابي ومنها أن المملكة لا تزال مفتقدة للإصدارات الثقافية التي تقدم الحراك الثقافي المحلي للخارج، وفي هذا السبيل قدمت القويفلي اقتراحات أولية ولطريقة تأسيس وإدارة الدوريات الثقافية هناك مايلي: أولاً: أن تكون هذه الدوريات غيرتابعة للوزارة مباشرة وسيكون من الأفضل أن تصدر بإشراف المجلس الأعلى للثقافة. ثانيا:ً ان إصدار هذه الدوريات مشروع تثقيفي غير ربحي. ثالثاً: أن تكون لهذه الدوريات هيئة رقابية داخلية مستقلة. رابعاً: أن يشرف على صدورها عدد من الكتاب والباحثين منهم عناصر شابة. المجلات والملاحق د. خالد باطرفي كانت ورقته تحت عنوان (المجلات والملاحق الثقافية والأدبية بين التقليدية والتطوير) هل انتهى عصر الأدب المطبوع وهي دراسة كتبها بنية مواصلة البحث فيها فقد حاول من خلالها رصد الملاحق الثقافية في الجرائد السعودية مشيراً إلى أن أول ملحق صدر هو الأربعاء عن جريدة المدينة والذي يشرف عليه هو شخصياً في الوقت الراهن. وأشار باطرفي إلى نشوء هذه الملاحق متابعاً إياها في جميع الصحف السعودية لافتاً إلى أهمية كل ملحق على حدة ومدى تبنى تيارات معينة لهذه الملاحق الأمر الدي أدى إلى نشوء معارك أدبية ونقدية على صفحات هذه الملاحق، حيث استشهد على ذلك بما كان يكتبه الدكتور الغذامي عن الحداثة وما رد به عليه خصومه على صفحات الجرائد. وترتب على هذا التحير بحسب الباحث تكتل مؤيدي كل جانب إلى طرفي الصراع وإقصاء الجانب الآخر فلا تنشر أخبار ونصوص الطرف الآخر إلا ما كان منها مسيئاً وفي معرض النقد والتطاول، مشيراً إلى أن هذه الشحنات لم تنته بنهاية المرحلة وإنما استمرت وإن بنسبة أقل إلى يومنا هذا فعكاظ والرياض مازالتا على موقفهما وانضمت إليهما الوطن والمدينة والندوة والبلاد. والجزيرة لاتزال على حالها والفارق الوحيد هو انطفاء حدة الخلاف وتخفيف حدة النقد والمواجهة. الجوائز والمجلات وختام الأوراق كانت لحسين بافقيه رئيس تحرير مجلة الحج متحدثاً فيها عن رؤية تخطيطية للجوائز والمجلات الثقافية في المملكة حيث تحدث فيها عن هذين البعدين بإسهاب مقدماً اقتراحات كثيرة ومستشهدا ببعض التجارب الخليجية والعربية كالكويت والأردن. واستشهد في البداية بفرنسا التي تقدم 300 جائزة سنوية وأسبانيا كذلك والولايات المتحدة والسويد. وأكد بافقيه على أهمية الجوائز الأدبية ودورها في دعم المثقف والمبدع لكي يعطى له بعض مما أنفقه من فكر ووقت وجهد، ملمحاً إلى أهمية أن تنهض جائزة الدولة التقديرية للآداب والعلوم وسائر الفنون الأخرى كما هو حاصل في البلدان الاخرى. وعدد أصناف الجائزة بين الآداب والعلوم. والتكنولوجيا والعلوم الاجتماعية وأخيراً جائزة الدولة التقديرية للفنون وكذلك اقترح بافقيه جائزة الدولة التشجيعية والتي تنصب على الأدباء والعلماء والمثقفين الشباب في نفس الميادين تقريباً وقال: ان هذه الجوائز مقارنة بالجوائز الأخرى إدا أقرت في المملكة فإنها ستبعث حراكاً ثقافياً وفكرياً رائداً ننافس به البلدان الأخرى. وأكد بافقيه على أهمية دعم المؤسسات المدنية وأصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات التمويلية مثل البنوك لهذه الجوائز والمناشط الثقافية والعلمية والتربوية إجمالاً مؤكدا ان بلدا مثل الأردن لديه جائزة يدعمها بنك معروف على مستوى الشرق الأوسط وهو يدعم جائزة كبيرة معروفة مثل جائزة شومان الثقافية والتي تقدم أنشطة وجوائز كبيرة على مستوى الوطن العربي. كما تحدث في القسم الثاني من ورقته عن المجلات والدوريات الثقافية قائلا: إن السوق السعودية تعد من كبريات الأسواق العربية استهلاكاً للمجلات على اختلاف مضامينها وهذا ما يعني أن هناك متابعة جيدة من المواطن لتلك المجلات التي تعنى في غالبها بأخبار الفن ونجوم السينما والغناء وهي تفرض قيمها الاستهلاكية على فئات متنوعة خاصة الشباب. وقد أثرت المداخلات الموضوع حيث بدأها د. نبيل محيش بقوله: إن القنوات الموجودة لاتكفي للمثقفين وذلك من أجل إيصال صوت المثقف داخل وخارج المملكة ونحن بحاجة إلى الصحف اليومية الجديدة والنظر في تعديل المؤسسات الموجودة لمواكبة التطورات العالمية لإتاحة المجال لنشاط أهلي في الحراك الثقافي. من جانب آخر قال المحيش: إننا نرفض ثقافة الإقصاء والشللية وينبغي أن تتاح كل المنابر للجميع لينشروا ما يريدونه ونرفض استخدامها للتجريح الشخصي. الدكتور عالي القرشي تحدث عن أهمية المواءمة بين طموح وزارة الثقافة وما تفعله فطموحها على ما يرشح منها في مثل هذا الملتقى ومجلة الإعلام والاتصال طموح يعنى بالشأن الثقافي وبمرونة عالية لكن ما يقدم في التلفزيون ليس بهذا المستوى. الفنانة حميدة السنان قالت: جميل أن تكون هناك علاقة بين الثقافة والإعلام فالثقافة بحاجة إلى دعم إعلامي وتوفير دورات تدريبية واعية للفرز والتخصص في جميع القنوات الإعلامية. وتحدثت الكاتبة لطيفة مشاري عن مداخلة إبراهيم التركي وعن الحصر للمثقف وتساءلت أين المعاول التي تهدم هذه الأطر التي تحجز المثقف؟ وأشادت بورقة حسين بافقيه مؤكدة على ما ذكره من أهمية السينما والمسرح وقالت: أليس من المخجل أن يقوم البعض بالسفر إلى دولة قريبة من أجل مشاهدة فيلم سينمائي ثم يعود في اليوم. أما د. عبدالمحسن القحطاني فقد نفى ما دكره باطرفي من أن هناك معارك أدبية وقال: إنها معارك شخصية فقط، وفضل وصف ما يجري بالحوار بدلاً من كلمة معركة. وعن الجوائز قال: أتمنى أن تتاح الفرصة لأبناء الوطن بأن تكون جوائزهم محلية وألا نسمع عن هجرة الجوائز كما هي هجرة النشر. حزام العتيبي جعل الحضور يصفق لمداخلته حينما قال: سمعت أن هناك استقالة جماعية لرؤساء الأندية الأدبية، وتساءل من جانب آخر لماذا لا تحظى الثقافة بربع ما يحظى به الرياضيون: فترى شاباً في العشرين ليس لديه أي شهادة وهو مليونير بينما مفكر في السبعين يموت والديون تطارده؟! الصحفية حليمة المظفر قالت إن الثقافة المحلية خاصة بالنسبة للشباب متدنية فما يعرفونه عن العقاد أكثر مما يعرفون عن حمزة شحاتة وغيره من مفكري وأدباء السعودية وقالت: إن الآن باتت تعتمد على الصورة مشيرة إلى دور السينما في جعل الشباب يلتفتون إلى ثقافتنا عبر هذه الصورة. هداية درويش صاحبة موقع هداية نت أشارت إلى أهمية دور الإنترنت وقالت لماذا لا يلتفت إليه في هذا الملتقى؟ وهل نحن المثقفين غير قادرين على التأقلم مع هذه التطورات العالمية الهامة.