يناقش الكاتب والإعلامي عبدالعزيز الخضر في كتابه الصادر حديثاً "السعودية : سيرة دولة ومجتمع" مجمل القضايا المتعلقة بالمخاضات التي عاشها المجتمع خلال العقود القليلة الماضية، من خلال معايشته لهذه التحولات بالدرجة الأولى، وما كُتب حولها في مصادر صحفية وبحثية مختلفة، معتمداً بشكل أساسي وكثيف على رصده الشخصي لأحداث تلك المرحلة، معالجاً بعض القضايا الملتبسة، ومتحدثاً حول الشخصيات الأساسية التي أثرت هذه الفترة على الصعيد الديني والثقافي والإعلامي والتنموي. حمل الكتاب والذي صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، العنوان الفرعي "قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية" ليحدد المجالات التي قاربها الكاتب، بالإضافة إلى المدة الزمنية التي غطاها، بدافع تزويد الباحث بتصور شامل حول التحولات التي عاشتها الدولة والمجتمع، في ظل ضآلة ثقافة التدوين المنظمة – حسب المؤلف - وعدم وجود مؤسسات فكرية ترصد الحالة السعودية دون خدمة "مصالح انتقائية مؤقتة" ولا صحافة عالجت قضايا المجتمع السعودي بصورة مفصلة ومهنية، ويمكن من خلال هذه المعالجة تشكيل تصور عن تحولات الدولة والمجتمع كما نرى في الصحافة العربية. يقول الخضر: لمواجهة هذا الإشكال كنت مضطراً لمتابعة راصدة لمختلف الخطابات المحلية والدينية والثقافية والسياسية، في أزمنة سعودية مختلفة، لفهم ما يحدث ومواجهة هذه الثقافة الشفهية غير العفوية في كثير من مظاهرها. عبدالعزيز الخضر بداية يتحدث الخضر عن "خصائص التكوين" ويشير إلى التكوينين السياسي والاجتماعي، ويشير إلى تفهم بعض الاختلافات في المجتمع السعودي عن باقي المجتمعات العربية والإسلامية، دون التعصب لفكرة "الخصوصية" التي لها جوانبها المتفهمة. ومن القضايا التي أشار إليها الكاتب في حديثه عن تكوين المجتمع، أسباب ممانعته للتحول إلى الوعي الاجتماعي الحداثي، ويتحدث في هذا السياق حول عدم حدوث تأثير اجتماعي متبادل مع الآخر داخل المجتمع، خاصة أن أغلب الأجانب في فترة الثمانينيات كانوا من الآسيويين (لا يتحدثون العربية ويعملون في مهن يحتقرها المجتمع) كما أشار إلى عدم فاعلية البعثات في تلك الفترة في خلق تغير اجتماعي بارز، بسبب نمو الطبقة الوسطى وتحول المجتمع إلى الثقافة الاستهلاكية مما ساهم في تحجيم الاختلاف بين المبتعثين بعد عودتهم من الخارج وبين عموم أفراد المجتمع. بعدها تحدث الخضر حول "العقل الديني" والذي يشير فيه إلى الفكر السلفي كمكون أساسي بالإضافة إلى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة النجدية. وأشار الباحث إلى مجموعة من التحولات الاجتماعية التي أدت إلى موجة تشدد وانعزال ديني رافقت نمو النزعة الاستهلاكية في المجتمع بالفترة التي أطلق عليها اسم "اللحظة الليبرالية" والتي حددها بين 1969م و1980م، ووصف موقف المجتمع من أصحاب هذه النزعة المتشددة ب" صورتهم شبه منبوذة في المجتمع، وتختلف من مدينة إلى أخرى". ومن الأمور التي يذكرها الخضر في رصد تلك المرحلة، أن تلك الفترة شهدت تمازجا فكريا بين تيارات سلفية مختلفة، أما من الناحية التنموية فقد شهدت "استمرارية الأداء الإداري التنموي الحكومي من دون خطاب تحديثي موازٍ في الإعلام والتعليم". تحت عنوان "الصحوة السعودية .. والجلطة الحداثية" يصنف الخضر الفترة الممتدة ما بين 1980م إلى 1991م، ويصف التحولات الاجتماعية التي تلت حادثة الحرم "جهيمان" وتأثيرات الثورة الإيرانية، والحرب العراقية الإيرانية، بالإضافة إلى دعم الجهاد ضد الشيوعية. ثم يصف المؤلف الفترة بين 1990م و2001م بفترة "الصحوة السياسية" ويقول عنها: لم تكن الصحوة المحلية وحدها أمام تحول تاريخي في هذه المرحلة، وإنما التحول كان يشمل المنطقة ككل. حول ما أسماه "عقل الصراعات" ، وبلغة حاسمة يبدأ يؤكد الخضر "الفشل في إدارة الصراعات الفكرية أنتج بيئة عقيمة في حواراتها العلمية والثقافية، فاصطدم المجتمع بالكثير من الحواجز التي تعيق نموه الحضاري". يشير الكاتب ضمن عقل الصراعات إلى "سيرة المرأة السعودية" والصراعات التي خيضت حولها من قبل الخطابات الفكرية المتعددة، من خلال العادات والتقاليد، الصحوة، النفط، النقاب، التعليم، الاختلاط، العمل، قيادة المرأة للسيارة. ويشير الكاتب إلى صراعات أخرى نذكر منها الصراع على المناهج، جهاز الحسبة، الحداثة. أما في حديثه عن "العقل الثقافي" وتحديداً في جزئية "عوامل ضعف النقد الثقافي" فيشير الخضر إلى أن مشكلة "الحالة السعودية" عدم تقديم المثقف خلال فترات طويلة محاولة جادة لزحزحة بعض الأفكار التقليدية واستبدالها بوعي جديد "فأصبحت اللغة الثقافية برستيجا اجتماعيا، وطريقة للبحث عن المصالح". ثم يفصل بالحديث عن بعض القضايا الثقافية، نذكر منها: أدوار المثقف المختلفة في المجتمع من خلال التعليم والإعلام، وعلاقته بالسلطة، والثقافة في المؤسسات، ورموز ما قبل مرحلة النفط وما بعدها، بالإضافة إلى ما أسماه ب "المثقف الوافد". تحت عنوان "عقل التنوير" قرأ الخضر علاقة التنوير بالدولة، وبالصحوة، وتحولات أحداث سبتمبر، ..الخ. وعزا المؤلف التحولات السريعة التي عاشها بعض التنويريين إلى "ضعف الوعي الثقافي والسياسي ...\ الانخراط في أنشطة دعوية وسياسية وحركية بشكل مبكر قبل تحقيق الحد الأدنى من الوعي والإدراك..." ثم يؤكد أن هذه العوامل أدت "إلى التسرع في تغيير الآراء والاقتناع المتعجل، والانتقال من فكرة إلى أخرى قبل نضجها". وأشار كذلك إلى المؤثرات في ظاهرة التنوير، وإيجابيات هذه الظاهرة، واتجاهاتها، والآراء الخارجية حولها، وموضوعات الخطاب التنويري، بالإضافة إلى رصد مفصل بعض الشيء إلى أبرز ما كتب قبل وبعد "الحدث السبتمبري". في "العقل الإعلامي" يصف الخضر الإعلام السعودي بقوله "كان بصحافته وإذاعته وتلفزيونه الرسمي أكبر صانع للذهنية السائدة شعبياً خلال أكثر من نصف قرن". ومن القضايا التي ناقشها الكاتب في هذا الفصل: الإذاعة والتلفزيون، والمهنية الصحفية، مدارسنا الإعلامية، مصداقية صحافتنا، وأسباب عدم وجود صحافة سعودية مستقلة، بالإضافة إلى الرقابة الدينية، ورؤساء التحرير، والإعلام السعودي الخارجي.. بالإضافة إلى الحريات في المقالة الاجتماعية، سمات الخطاب الاجتماعي، ثم يرصد الخضر في "عقل التنمية" دور النفط الذي أدى إلى ما وصفه بالانقطاع الحقيقي عن السعودية القديمة، ثم يتحدث عن النخب الاقتصادية، وتشكل الوعي بالتنمية، وعلاقة التنمية بالقيم والإنسان، ومشكلة الإقليمية في التنمية، والبرجوازية والتنمية.. الكاتب والإعلامي عبدالعزيز الخضر، عمل كرئيس تحرير لصحيفة المحايد الأسبوعية بالفترة ما بين 1999م و2002م، وكاتباً في صحيفة الوطن من 2000م إلى 2005م، ثم الشرق الأوسط إلى 2006م، كما عمل كرئيس تحرير لمجلة المجلة بين 2004م و2005م. "السعودية: سيرة مجتمع ودولة" يقع في 864 صفحة من القطع الكبير.