أكد مختصون في علم الاجتماع على ان التغيرات الاجتماعية والتقنية الحديثة جعلت دور الوالدين في التربية ومحاولة النقاش والإجابة عن الأسئلة التى يبحث الأبناء عن إجابة لها ضعيفا، وذلك بسبب اختراق مواقع التواصل الاجتماعي لحياة الأبناء خاصة في ظل وجود فجوة بين جيل الآباء والأبناء وغياب احد الوالدين عن مسرح الحياة الأسرية بسبب ظروف العمل او بسبب الانفصال. تحصين الأبناء بالقيم الفاضلة وفتح الحوار معهم يضبطان سلوكياتهم البناء الاجتماعي وقال د. ابراهيم العنزي -اكاديمي وباحث في الشؤون الاجتماعية-: ان المجتمع السعودي مجتمع تقليدي والحياة الاسرية القديمة كانت متعايشة بشكل «وجها لوجه» وكان المجتمع عبارة عن مدينة صغيرة والأسرة كانت مطمئنة على ابنائها من خلال العملية التربوية، لأن الأسرة كانت هي المسؤولة وقتها عن التربية وبيدها زمام التربية، مشيرا إلى ان الإطار المجتمعي الذي كانت تعيش فيه الأسرة متماثل في الأسلوب التربوي، فهذا ابن عم وهذا قريب والكل يربي بمعنى الأب يربي ابناءه وأبناء جيرانه وأبناء عمومته وأقاربه وجميعها تسير في منظومة تربوية واحدة، ولا توجد متناقضات في الاساليب التربوية في الحياة، لافتا الى ان المجتمع السعودي انتقل نقلة سريعة والكثير من التنمويين يؤكدون ان انطلاقة التغير للمجتمع كانت في العام 1970. وأشار الى أن هذه القفزة السريعة اثرت على البناء الاجتماعي للمجتمع واتت على عوامل نوعية في التربية، ومن هذا التغير تدخل الأصدقاء والقنوات التلفزيونية والاتصال المفتوح في التربية، موضحا ان العالم اصبح كالقرية الواحدة وأصبح مكشوفا لبعضه بعضا في الوقت الذي نجد متناقضات في السلبيات فالأسرة اصبحت حائرة في تربية ابنائها، فنجد الابن في عمر سنوات عمره الأولى يتعامل مع وسائل التقنية والألعاب الفضائية خارج حدود الوطن وهذا جعل الاسرة دورها يضعف في التربية، ولم يعد باستطاعتها ان تربي كيفما تريد بل أصبحت تساير الأمور حتى تضع ابنها على برالأمان، لوجود قنوات اخرى دخلت على خط التربية بالمجتمع، لافتا الى ان المفاهيم تغيرت بين الأب وابنه وأصبحت هناك فجوة واسعة بينهم ولذلك نحن بحاجة لتغير يواكب هذا التغيرات الحديثة لكي يكون هناك خطان متوازيان عبارة عن الثقافة التقنية والثقافة المعرفية. وقال د. محمد الشريم - الكاتب التربوي والأسري وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود-: إن التغيرات الاجتماعية والتقنية الحديثة جعلت دور الوالدين في التربية أقل مما كان عليه في السابق، فقد اخترقت مواقع التواصل الاجتماعي كل بيت وأصبح من الصعوبة السيطرة عليها، والمدرسة التى يقضي فيها الطالب وقتا يصل الى ست ساعات من مصادر التأثير التى تقع خارج اطار سيطرة الوالدين، مضيفا ولدينا الشارع والذي تراجع دوره بسبب تنوع وسائل الترفيه المنزلية كالقنوات الفضائية والإنترنت الأكثر شعبية لدى فئات الأسرة الصغار والكبار، ولذلك اصبحت السلطة الأبوية والحضور القوي في حياة الأبناء من اجل جذبهم الى الواقع الآمن للإجابة عن اسئلتهم ومتابعة ما يشاهدونه في الإنترنت اضعف مما كانت عليه. ولفت د. الشريم الى ان الشركاء الحقيقيين للوالدين في ابتكار حلقات النقاش والإجابة عن الأسئلة هم المدرسة والطاقم التعليمي والزملاء، بالنظر الى الوقت الذي يمضيه الطالب معهم فهم يحتلون المرتبة الأولى ويليهم القنوات الفضائية والإنترنت. دور الأسرة التربوي بدأ ينحسر مع وسائل التواصل الاجتماعي التأثر السلبي وأضاف ان المنافس الآخر الذي لا يقل أهمية يتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي، فالإنترنت فتح أمامنا العالم بخيره وشره ولم يعد هناك قيود حقيقية سوى الجهات المشرفة على النت والتى تحاول حجب المواقع السيئة، إلا أن حجب التغير وزيادة المواقع وطرق التغلب على الحواجز على طرق الحجب جعل من المستحيل ان تكون مئة بالمائة، ولذلك لازالت هناك فرص للتأثر السلبي في القضايا العقائدية والدينية والأخلاقية والسلوكية والانحرافات، مضيفا ويزداد الأمر خطورة انها تفتح الباب للتواصل لبناء علاقات وصداقات مع اشخاص قد يكونون معروفين من الاقرباء او الزملاء في المدرسة وهؤلاء قد يكون أمرهم اهون، والفئة الأخطر الاشخاص المجهولين وكثيرا مانسمع عن حالات تحرش بأطفال من اشخاص استطاعوا استدراجهم عن طريق النت، وهذا يحدث في جميع دول العالم ولذلك والخطر قائم وهذا منافس جديد، مشيرا الى الطفل او المراهق عندما ينغمس في علاقة مع شخص لا يميل لمصارحة ابويه ولذلك تتم هذه الأمور بشكل مخفي حتى لا قدر الله قد تصل العلاقة الى مرحلة متقدمة، وحتى حالات الابتزاز والتعارف بين الشباب والفتيات والتى تتم بشكل سري قد تثق الفتاة في شاب يكون الهدف من التعرف عليها الاستدراج والابتزاز وكل هذه القنوات اصبحت منافسة وتؤثر على بناء العقلية والانعكاسات السلوكية وما ينتج عنها من اعمال قد تكون خطرة مثل الانخراط مع جماعات منحرفة فكريا او سلوكيات عنف او العلاقات المحرمة. وأكد د. الشريم على ان هؤلاء الشركاء من الممكن ان يحدثوا نوعا من الخلل في التربية وبشكل كبير في حالات مثل انحسار دور الوالدين والمؤسسة التربوية في توفير السكن والغذاء والمصروف، ما لم يكن هناك اهتمام كبير جد في الصغر ببناء القيم والوعي الكافي المتناسب مع المرحلة العمرية بهذه الأخطار، والذي لا يأتي فجأة ولكن بالتدريج وهنا يكمن جانب الخطورة فالوالدان قد يتفاجآن بأن ابنهما المراهق منخرط مع جهة ارهابية منحرفة او أن الابنة قد تهرب من المنزل اذا كانت ظروف المنزل لا تساعدها على ان تعيش بشكل مريح . ولفت الى ان تكرار حدوث مثل هذه الحالات في المجتمع يعني وجود خلل تربوي، مشددا ان وجود هذه الحالات يعتبر مدعاة للقلق ويستدعي ان يكون التربويون سواء في المنزل او في المؤسسات التعليمية والتربوية على حذر من هذه الأمور، وينبغي ان تعاد نظرتنا لأساليب التربية والتى كانت في السابق تعتمد على المنع وكان وقتها ناجح، لأن المؤثرات كانت محدودة ولكن الحاصل ان المنع اصبح يولد الرغبة في العناد والوصول للممنوع، ولذلك نحن بحاجة لبناء الوعي وإشغال وقت الأطفال والمراهقين بنشاطات اجتماعية مثل الرياضة والتى الكثير من المراهقين لا يمارسونها، ففي السابق كان بعض الآباء ينظر لخروج ابنه الى الشارع انه مضيعة للوقت ولكن النظرة الحالية ان خروج الابن للعب في الشارع بمثابة الحماية من الانخراط في امور اكثر ضررا، فمجرد ضياع الوقت -ان صحت تسميته بذلك- في أمور لا تضر اهون بكثير من ضياع الوقت فيما يضر، مضيفا اننا بحاجة لأن نعيد النظر في برامج للطفولة وللشباب تثري اوقاتهم بالمناسب وتكون بمثابة حماية لهم في الأوقات الحرجة من الانحرافات. تغير الأدوار وأكد د. صالح الدبل -استاذ علم الجريمة بكلية الملك فهد الأمنية- على ان دور الأسرة الرئيسي في التربية لم يعد كما هو مأمول بل اخذت بعض المؤسسات الأخرى موقع البيت حتى ان المدرسة لم تعد تقوم بدورها وأبناء العمومة والأقارب والأصدقاء لم يعد لهم دور كما في السابق، موضحا اصبح الدور الرئيسي لوسائل التواصل الاجتماعي بل انها اصبحت تأخذ كل الأدوار واذا كانت الأسرة لها دور تربوي فإنها تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي في ايصال التوجيهات والتعليمات ومسائل التربية، ولذلك اصبح المناخ التربوي مفتوحا بلا حدود بمعنى لم تعد امكانية لضبط عملية التوجيه والتربية، فأصبح الإنسان هو الذي يضبط عملية توجيه وأسلوب تربيته بوجود وسائل التواصل الاجتماعي بدءا من توتير والانستغرام والواتس وفيما يتعلق بسناب شات الذي اصبح يأخذ دور الجميع، مؤكدا على ان التحصين مطلوب ومتى ما كانت الأسرة تقوم بدورها التحصيني بشكل ممتاز فسيكون هذا هو دورها المستقبلي للأسرة. الحوار الأسري مع الأبناء مهم لضبط توجهاتهم مبكراً ولفت د. الدبل الى ان هذه التدخلات في التربية اصبحت أمرا محتوما، فالأسرة لم تعد قادرة على التربية بمفردها مهما كانت تملك من قوة وليس امامهم سوى الاستفادة من هذه الوسائل وان يحاولوا ان يحصنوا ابناءهم من التأثيرات السلبية، ولا يشترط ان يقوم الاب بالتوجيه المباشر، بل قد تكون الرسائل الإليكترونية افضل بكثير وسهلت عملية التواصل وقد لا يشترط ان يقوم الأب بالتوجيه المباشر بل قد تكون الوسيلة المثالية للتوجيه الوسائل الإليكترونية، وقد اثبتت بالفعل هذه الوسائل انها قوية بالتوجيه لان الوالدين يستطيعان معرفة شخصية ابنائهما ومن عدة زوايا من خلال رسائلها والمقاطع التى يرسلها وأصبحت الصورة واضحة لتشخيص الابن، مضيفا مثلا عندما يقوم احد الابناء باستخدام عبارات نابية في التواصل يقوم باقي أفراد الأسرة بإرسال رسائل خاصة عبارة عن تنبيه لإصلاح سلوكه وتكون رسالته المرسلة بالوعد بتحسين سلوكه، فلم تعد القوة هي وسيلة التربية مؤكدا على ان هذا التدخل لا يعتبر انفلاتا بل اسلوب عصري للتربية. الجلسات العائلية واشار احمد السعد -اختصاصي اجتماعي- الى اننا نواجه واقعا مريرا ولا يمكننا انكاره وخاصة مع انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة والتي اشغلت جميع فئات المجتمع، فنرى ان الجلسات العائلية والأسرية قلما توجد الا في مناسبات رسمية او احتفالات مما قد يؤثر على الترابط والألفة بين الاسر، بالإضافة الى ان هذه التكنولوجيا شكلت عائقاً تخاطبيا بين الابناء وابائهم حيث انتقل التواصل بين الابناء والآباء بواسطة برامج التواصل الاجتماعي حينما يرغب بعض الابناء بالتواصل مع والده او والدته لطلب حاجة ما يقوم بمراسلتهم وهذا الحاجز له اضرار سلبيه، حيث ان لغة الاعين مفقودة ولا يمكن للوالدين التنبؤ بشعور الابن ولا يمكنهم الاحساس باحساس ابنهم لماذا يطلب هذا الطلب. واضاف لعله من هذا المدخل تنتج لدينا قلة الاجتماعات الاسرية وعدم اللقاءات بين الاباء والابناء نظراً لانشغال الاب بالعمل والابناء بالمدارس على سبيل المثال، مما يجعل هناك فجوة بالتواصل الايجابي وجهاً لوجه مع الوالدين ولعلي اشدد على اهمية وجود تواصل من هذا النوع بين الاباء والابناء ولما فيه من تقييم وتقدير للمواقف، وان يكون الآباء والامهات هم المرشدون لابنائهم وذلك من خلال الجلوس معهم وتوجيههم واعطاء الوقت للاجابة عن تساؤلاتهم، فنجد مع مرور الوقت وانتقال الابن او البنت بين مراحل العمر تطرأ عليهم بعض التغيرات الجسمانية وبعض الافكار الجديدة والتي يحتاجون الى تفسيرات لها من قبل اشخاص ثقة، مضيفا لعلنا لن نجد شخصا اكثر ثقة من الابوين فيجب عليهما ان يتحريا تلك الفرص ومراعاة متابعة انتقال ابنائهما بين مراحل العمر والاجابة عن جميع تساؤلاتهم التي تتوافق مع اعمارهم، وعدم تركهم للجوء الى اشخاص اخرين قد يكونون في غير محل ثقة وينقلون معلومات او تفسيرات خاطئة تؤثر على نشأتهم نشأة اجتماعية صالحة، بالاضافة الى عدم لجوئهم الى مواقع الانترنت، مؤكدا جميعنا يعلم بأن بعض المعلومات قد لا تكون صحيحة وقد يبنى عليها افكار وتفسيرات خاطئة، كما يجب الاخذ بعين الاعتبار بأن امور الدين والامور الجنسية بالذات يجب ان تؤخذ من قبل الابوين ونظراً لوجود بعض الحرج والحساسية في هذه المواضيع، موضحا ان من اهم الوسائل لعودة تلك اللقاءات والنقاشات الاسرية وعودة الاجواء الاسرية الجميلة والتي يصحبها ألفة ومودة هو حرص اصحاب القرار وهم غالباً الابوين او الاجداد وكبار السن الذين لهم تأثير في الاسرة، مثل اكبر الاعمام سناً وغيره كي يكونوا قدوة في التحفيز والترغيب بلم شمل الاسرة والاجتماع بشكل دوري، بالاضافة الى الاجتماع بشكل يومي داخل الاسر الصغيرة في الاوقات المناسبة والمتاحة للجميع، موضحا مثل اجتماع الاسرة على قهوة المغرب وايضاً توجيه الابناء بضرورة مناقشة والديهم وجهاً لوجه والجلوس معهم والاخذ برأيهم مما يجعل النقاش والحديث شيق ويجذب الجميع للتشاور.