دخل الابن منزل الأسرة.. ألقى التحية على والدته وأخته وأخيه الأصغر، وتوجه مباشرة إلى غرفته وأغلق الباب خلفه، وبشكل شبه آلي فتح التلفزيون ليشاهد "الفيديو كليب" على إحدى القنوات الفضائية، ولم تمض دقيقة حتى أصابه الملل، فأمتدت يده إلى هاتفه الجوال ليتحدث مع أحد الأصدقاء، تواعد معه على اللقاء مساء للذهاب إلى أحد المجمعات، في هذا الوقت ارتفع صوت أمه وإحدى أختيه، حيث كانتا تتجادلان وارتفعت سخونة الحديث. الأم تتهم الابنة بأنها تحمل في رأسها أفكاراً طائشة، بينما الابنة تنعت أمها بالتخلف في مفاهيمها وبأنها تحمل مبادئ لا تناسب هذا العصر. ولم يقطع الجدال الساخن سوى صوت الهاتف الذي ارتفع من غرفة الابنة، فهي أيضاً تملك هاتفها الخاص في غرفتها الخاصة. فدخلت الابنة غرفتها وأغلقت الباب خلفها وانهمكت في حديث طويل مع إحدى صديقاتها. أما الأب فلم يكن قد عاد بعد من لقاء بعض الأصدقاء، وهو لم يجلس مع أبنائه منذ ثلاثة أيام، ولم يتبادل الحديث معهم سوى لدقائق.. وبواسطة الهاتف الجوال. وعندما يلتقي بهم فإن الأحاديث بينه وبين أبنائه مقتضبة، حيث أن كل ابن يرفض أفكار ومفاهيم أبيه، والأب يرى أن أبناءه يعيشون حياة غريبة ويتبنون مفاهيم لم يكن هو يجرؤ على التفوه بها عندما كان في مثل سنهم. أنها يوميات عادية في حياة أسرة انقطع الحوار بين أفرادها، وأقام كل منهم لنفسه بيتاً داخل البيت يجهزه بكل وسائل الاتصالات والاستقلال من هاتف وتلفزيون وإنترنت. البعض يطلق على ذلك اسم التفكك الأسري والبعض الآخر يطلق عليه اسماً مخففاُ وهو ضعف الروابط الأسرية. ترى.. ماذا فعل بنا الزمن؟ ولماذا تحولت بعض بيوتنا إلى مجموعة بيوت تحت سقف واحد؟ دور وسائل الاعلام ترى "ف. الجبيلان" - معلمة دين- أن هناك بالفعل عزلة كبيرة بين الآباء والأبناء، بشكل ملحوظ، يخشى معها أن تصاب الأسرة السعودية بالتفكك، فلكل فرد مشاغله وهمومه الخاصة به. وتقول: أن واقع بعض الأسر هو عكس ما كان عليه في الماضي حيث كان رب الأسرة يحرص على التواجد مع أسرته. وتلقي الجبيلان باللوم على الوقت الحالي الذي أصبح أكثر تعقيداً وزادت مشاكله.. لكنها تستدرك قائلة: على الرغم من ذلك، فلابد من وجود تلك الرابطة الاجتماعية التي تحفظ صلة الرحم وتقضي على العزلة الاجتماعية التي تتعرض لها الأسرة. وتضيف: أن بعض الأسر مازالت متمسكة بالروابط الأسرية القوية، حيث يجتمع الأب مع أبنائه وأسرته كل يوم، وهذا يمنع حدوث تلك الفجوة التي يعاني منها الكثير من الآباء والأبناء في حياتهم العائلية، وبرأيي فإن لوسائل الإعلام دور كبير في توضيح مخاطر ضعف الترابط الأسري والاجتماعي. ليست ظاهرة ويوافق "عبد الله الشهري" - على وجود العزلة وانعدام الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة في البيت الواحد، ولكنه لا يرى أن الأمر وصل إلى مرحلة الظاهرة التي تستدعي استنفار الخبراء والمختصين لمحاربتها. ويقول: نحن متفقون على أن لغة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة شبه مفقود اليوم، ولكن ليس بدرجة واسعة كما يرى البعض، فهي لم تصل إلى مستوى الظاهرة. لكنها محدودة وتعاني منها بعض الأسر في هذا المجتمع الذي طرأت عليه متغيرات كثيرة منذ ربع قرن، ودخلته عوامل غيرته من حال إلى حال جراء استقطاب عوامل ثقافية جديدة من دون تخطيط مسبق يضمن تفادي المخاطر والأضرار. ويعتقد الشهري أن أهم أسباب الفجوة بين أفراد الأسرة الواحدة انشغال الأب والأم معاً بشؤون مستجدة، مادية واجتماعية وغيرها، وما صاحب ذلك من أعباء جديدة في ظل الحياة المعقدة، فلقد تشعبت اهتمامات رب الأسرة وكثرة أشغاله ومهامه اليومية. هذا إلى جانب ما يقدم إلينا من وسائل التكنولوجيا الحديثة التي هي سلاح ذو حدين، مثل الدش وشبكة الإنترنت. لابد من الاجتماع الأسري أما " مها السماعيل" فترة أن انقطاع التواصل بين الآباء والأبناء له آثاره السلبية، أولها ضياع الأبناء وتخبطهم في متاهات الحياة المعقدة، بسبب غياب المرجعية والقيادة الأسرية الضرورية لوضع الأمور في نصابها. وتقول بأن الطريقة الوحيدة لمواجهة هذه المشكلة هي العودة إلى الأصالة والعادات السابقة وإلى الاجتماع الأسري بصورة منتظمة. وترى "عهود العليان"- أن الوضع المادي الذي وفر لكل شاب وشابة كل الإمكانات والوسائل، إضافة إلى انشغال أو غياب الوالدين وانعدام الرقابة والمتابعة للأبناء، كلها أمور ساعدت على وجود العزلة بين أفراد الأسرة غرف وأجهزة خاصة أما "عبد الله الحزامي"- فلا يختلف رأيه عن السابقين حيث يقول: كانت طبيعة الحياة، ولفترة ليست بعيدة، تحتم على الشاب أن يكون قريباً من والده، سواء في عمله أو مجالسه، ولهذا فهو يفتقد لو غاب عن مجلس أعتاد الناس أن يروه فيه. وكذلك الفتاة عندما تبلغ سناً معينة يصبح الاعتماد عليها كبيراً في كثير من المسؤوليات المنزلية التي تجعلها لصيقة بوالدتها، فتستفيد من خبراتها وتجاربها وتحاول أن تحاكي والدتها في كثير من أمور حياتها. ولكن يبدو أن الأمور تغيرت، فقد أصبحت بعض المنازل بيوتاً في بيت! وأصبح لكل شاب أو شابة عالمه وحياته الخاصة ولا تعرف الأسرة غالباًُ شيئاً عن هذا العامل الخاص. وقد يختلي الشباب بأنفسهم أو مع الأصدقاء لفترات طويلة داخل غرفهم الخاصة ولا يعرف أحد ماذا يجري وراء هذه الخلوة؟!.. لقد اختفت في كثير من المنازل تلك الجلسات العائلية المشتركة التي يتواصل فيها الحوار بين الأجيال لوصل الماضي بالحاضر ولتشترك الأسرة بأكملها في مناقشات يتعلم الصغار فيها من الكبار كثيراً من أمور الحياة ولتطرح استفسارات وأسئلة يجدون فيها التوجيه السليم والرد المناسب الذي يجنبهم كثيراً من مشاكل الحياة ومخاطرها. وفي رأيي ان نمط الحياة الذي نعيشه والوضع المادي للأسر ساعد كثيراً على إنشاء هذه الغرف المغلقة. ويدعو الحزامي إلى تدارك هذا الأمر قائلاً: يجب معالجة هذه المشكلة المنتشرة قبل أن يأتي اليوم الذي نعض فيه أصابع الندم. والعلاج برأيه يتمثل في: أن نكون قدوة أمام أبنائنا في جميع تصرفاتنا وأخلاقياتنا. فالأب قد يحذر أبناءه من بعض المحرمات ويأتيها، ويحذرهم من رفقاء السوء وهو لا يفارقهم، ويمنعهم من السهر خارج المنزل وهو لا يأتي المنزل إلا في أوقات متأخرة. والأم لابد أن ترتبط بعلاقة صداقة حميمة مع بناتها وتهتم بمشاكلهن واحتياجاتهن من مرحلة إلى أخرى. فلكل مرحلة من مراحل العمر احتياجاتها. وللفتيات همومهن وأسرارهن التي أن لم يجدن في الأسرة من يبحن بها لجأن إلى الصديقات أو إلى غيرهن لتبدأ مشكلات من نوع آخر. وبرأي الحزامي أن الفضائيات والإنترنت والهواتف الخاصة في غرف الشباب ساعدت على انعزالهم. ويتساءل قائلاً: هل من الضروري أن يكون لكل أبن أو ابنه أجهزتهم الخاصة؟ ولم لا تنظم هذه الأمور ويكون استخدامها مشتركاً تحت سمع وبصر الأسرة؟. وفي نهاية حديثه دعا الحزامي إلى إحياء العادات والتقاليد التي كادت أن تختفي، إلا وهي الزيارات المتبادلة بين الأهل والجيران، حيث يصطحب الأب أو الأم الأبناء لزيارة الأقرباء أو الجيران بشكل مستمر، خصوصاً في المناسبات المختلفة لتوطيد العلاقات ولتزداد أواصر المودة بين الأسر. ويضيف الحزامي: لابد من تنظيم الحياة اليومية داخل المنزل ضمن برنامج معروف لجميع أفراد الأسرة من أوقات للمذاكرة وأوقات للاجتماع على مائدة الطعام وأوقات لجلسات السمر والمناقشة وأوقات لمتابعة برامج التلفزيون وأخرى للقيام بالعمل والمساعدة في المنزل، بحيث يعتاد أفراد الأسرة على هذا النظام في حياتهم وينشغلون بما هو مفيد. الطفرة المادية وتؤكد الدكتورة "نجاة القديمي"- على وجود ظاهرة الانعزال والتفكك في بعض الأسر، فتقول: بالفعل، يوجد تفكك أسري نتيجة دخول مؤثرات ثقافية كثيرة في مجتمعنا الحالي، بحيث أصبح لكل فرد في السرة اهتماماته ومشاغله الخاصة به، وأصبحت الأسرة لا تلتقي كما كانت في السابق. فقد أصبح الأب مشغولاً أكثر، وكذلك الأم والأولاد. وترى الدكتورة نجاة أن الطفرة المادية مسئولة عن تولد العزلة والتفكك في بعض الأسر. فحسب قولها الطفرة المادية جعلت في مقدور الأسرة اقتناء الكثير من وسائل التكنولوجيا الحديثة، بل أن في بعض البيوت يقتني الأولاد أجهزة تلفزيون خاصة بهم، ما يجعلهم يمضون معظم الوقت في غرفهم، بعيداً عن باقي أفراد الأسرة. وتضيف قائلة: لكن الأمر كله بيد الوالدين، وبالذات الأم، خصوصاً المتعلمة، التي يجب أن تدرك خطورة مثل هذا الوضع وتعمل على توجيه الأسرة نحو التماسك والاجتماع. للأسف .. اتسعت الفجوة من جهة أخرى تعز"و هيفاء الحمود" العزلة الموجودة بين أفراد الأسرة إلى أسباب عدة أهمها اختلاف الثقافة بين الأجيال واختلاف طرق التفكير. وترى هيفاء أن وسائل الاتصال نقلت الجيل الجديد من الدائرة الإقليمية إلى الدائرة الأوسع للعالم الخارجي. كذلك أدى التقدم الحضاري إلى اختلاف الممارسات ولا ننسى دور القنوات الفضائية وتأثيرها على سلوكيات أفراد المجتمع، مما أدى إلى اتساع الفجوة الثقافية بين الآباء والأبناء. وأدى توسع هذه الفجوة انشغال معظم أفراد الأسرة بالعمل لرفع المستوى الاجتماعي والمعيشي. وقد يكون لضعف الوازع الديني لدى الأجيال الجديدة أثر في هذه العزلة وفي ضعف صلة الرحم والبعد عن الاجتماع الأسري. وتعتقد "الحمود" انه لكي نتخطى هذه الفجوة لابد ان نزرع في نفوس افراد الاسرة منذ الصغر اهمية الترابط الاسري والاجتماعي. م . "السمحان" عاصر هو الآخر جيل الآباء وجيل الأبناء، وعاش التغيرات بين الجيلين. وهو يرى أن ظاهرة ضعف الروابط الأسرية جديدة في مجتمع المملكة، وهي ليست مقتصرة على مجتمعنا فحسب بل توجد في مجتمعات أخرى، وأسبابها عديدة، منها الأسر وتباعد المناطق السكنية ودخول وسائل الإعلام المتعددة، وانتشار مراكز الترفيه. وهذا الأمر يضع الآباء في مأزق إذ من الصعب حبس الأبناء داخل البيوت، كذلك من الصعب تركهم يفعلون ما يشاءون لأنهم سيتعرضون عندئذ للخطأ والانحراف. ويضيف: إننا نعيش هذا الوضع ونعاني منه وتبدأ المشكلة في مرحلة المراهقة عندما يسعى المراهق إلى إثبات رجولته.وهنا يحتاج الأمر إلى وقفه من أولياء الأمور، إذ لابد من ضوابط تمنع الانحراف فالمراهق قد يقع ضحية الاغراءات ومالا يجده في أسرته يجده بين رفاقه . ويرى السمحان أن التربية ليست مسؤولية المدرسة وحدها بل هي أيضا مسؤولة البيت. ولابد لولي الأمر من متابعة الابن حتى يكتشف الخلل إذا حدث، وعليه ألا يترك الأمر لوالدته فقط لأنها قد تغطي أخطاءه أحياناً خوفاً من العقاب. ويستطرد قائلاً: كل بين يعاني من مشكلات الشباب، ولا أستطيع أن أصف أبنائي بأنهم ملائكة، ولذلك أتابعهم باستمرار لأعرف أصدقاءهم ومن يعاشرون، فالشباب يحتاج لرعاية دائمة من الآباء. ويعتبر السمحان أن للإعلام دوراً كبيراً في هذا الأمر في وقت صرنا فيه نعاني من غزو الفضائيات التي لا ضابط لها. فهل يمكن أن نمنع أبناءنا من مشاهدة هذه القنوات الفضائية؟ لا أريد أن يعتبرنا أبناؤنا متخلفين فنصبح كالطير الذي يغرد بعيداً عن سربه. لابد أن نغرد معاً لنمنع هذا الغزو الفكري المدمر. أنا لا أستطيع حرمان أبنائي من مستجدات العصر، لكنني لا أسرف عليهم حتى لا يفسدوا. الحلو موجودة ويعتبر "علي المديفر" عن رأيه قائلاً : إنها مشكلة موجودة بالفعل، ولكنها ليست عديمة الحل، والحل هنا بيد الأسرة نفسها، فبعلاقات الأبوين الطيبة بأبنائهما وبالتربية الصحيحة يمكن زيادة الترابط وغرس مفاهيم العلاقات الأسرية الصحيحة في داخل كل ابن أو ابنه. وتقول "لطيفة" : إن الترابط الأسري موجود ولكن ليس بالصورة الماضية، لان مشاغل الحياة صارت أقوى، فصار الأب مشغولاً، وصار الأبناء أكثر تعرضاً للمغريات. لكنها ترى أن هذه المؤثرات لا يجب أن تمنع اجتماع الأسرة. وهي ترى الحل في توعية الأبناء منذ الصغر على أهمية الاجتماع الأسري وزيارة الأهل . وتشاركها الرأي "هناء النصار" فتقول: بالفعل هناك عزلة بين الآباء والأبناء فالشباب توافرت لديهم العديد من وسائل الترفيه والسيارات فصاروا يقضون معظم الوقت خارج البيت. والفتاة كذلك صارت مشغولة بالتلفزيون والهاتف. وهذه المستجدات أضعفت العلاقات مقارنة بالماضي. وتضيف قائلة : عندما يصل الأبناء إلى سن معينة تصبح لديهم اهتمامات خاصة. كذلك فإن دخولنا في عصر العولمة قد أدى إلى التراخي في تبادل الزيارات والاكتفاء بالحديث الهاتفي الذي لا يغني عن العلاقة الأسرية. وترى "بدرية خالد" أن المشكلة تعود إلى أننا نعيش في مجتمع لكل فيه همومه الخاصة ومشاغله وتفكيره في المستقبل في معزل عن الجميع. وتضيف: إن هذا المفهوم خاطئ لأن أفراد الأسرة يجب أن يشكلوا دعائم بناء واحد متماسك. وهي تدعو وسائل الإعلام إلى تعزيز مفهوم الترابط الأسري وذلك بإلقاء الضوء على المشكلة وعلاجها عن طريق الإقناع والتوعية وبالمخاطر. وماذا يقول الأبناء؟ كيف ينظر الشباب إلى ضعف الروابط الأسرية وضعف الحوار بينهم وبين ذويهم؟ تختلف إجابات الشباب على هذا السؤال. فالبعض منهم يقدمون نموذجاً لعلاقة أسرية متماسكة، فيما يتعرف آخرون بأنهم يعيشون حياة مستقلة داخل المنزل الأسري ينقصها الترابط مع باقي أفراد الأسرية. يقول بدر العبدالله) طالب في المرحلة الثانوية : نلتقي وقت الغداء ونتبادل الأحاديث أثناء الطعام عن اليوم الدراسي والمشكلات التي تواجهني، وأحكي لأسرتي تفاصيلي الصغير. كذلك نلتقي حول التلفزيون للتسامر وبعدها يذهب كل واحد إلى واجباته. ويقول بدر إنه يقيم مع والديه وجدته وأخوته وهم يتناقشون في كل الأمور . "علي السحيمي" طالب جامعي يؤكد أيضا أنه يلتقي أسرته يومياً، أثناء الوجبات الرئيسية، ويتحدث بصراحة مع والديه حول ما يصادفه. ويقول: إن والدي كلما وجد الوقت، يحدثنا عن الماضي والقيم والأخلاق والظواهر الجديدة في مجتمعنا. وهو وإن كانت لديه غرفته الخاصة إلا أنه يستخدمها للنوم والمذاكرة وليس فيها أجهزة تلفزيون أو كمبيوتر أو هاتف. احتفظ بمشاكلي إلا أن "خالد" طالب جامعي يعترف بأنه ليس من النوع الذي يتحدث عن مشاكله كثيراً ويقول: أفضل أن أحتفظ بها لنفسي وهذا طبعي، إلا إذا تطلب الأمر مناقشة أسرتي بها. والأسرة تجتمع إذا اعترض أحدنا مشكلة، فهي مترابطة رغم انشغال الجميع . "عادل" 27 عاما يقول: لدي غرفتي وملحق خاص بالبيت، فأنا شاب وفي المنزل بنات، ولكل خصوصياته التي يجب أن تراعى وتحترم. والأجهزة التي في غرفتي من تلفزيون وكمبيوتر وهاتف، هي من دخلي ولا تشكل إرهاقاً للأسرة، بل تكون لديهم الفرصة لمشاهدة ما يريدون . فهناك أطفال يريدون مشاهدة برامجهم المفضلة وكذلك النساء بالبيت، فلماذا أزاحمهم على جهاز واحد ؟ . وتقول "مشاعل" 22 عاما موظفة : لدي غرفتي الخاصة وهي مزودة بهاتف وتلفزيون وكمبيوتر بالإضافة لجهاز ستيريو وأستخدم هذه الأجهزة في غرفتي لكي لا أزعج الآخرين. وأفضل أن أشاهد برامجي المفضلة بمفردي. كما أن هاتف المنزل يستخدمه الآخرون وأنا لي محادثاتي الخاصة مع صديقاتي وأفضل أن أجريها بعيداً ولا أعتبر هذا انفصالا عن الأسرة، فنحن نتناول الوجبات الرئيسية معاً ولا نلتق بالضرورة كل يوم، فلكل فرد منا كيان وعمل خاص به. وأنا الآن شابة لي اهتماماتي الخاصة ولكن هذا لا يعني أنني بعيدة عن أسرتي وهمومها . رأي الطب النفسي حول هذا الموضوع تحدث أخصائي الأمراض النفسية" د. بهجت حمدان" الذي يرى: أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست قوة ولا نفوذ إلا إذا سمح لها الإنسان !! بذلك فهي مجرد وسيلة لتسهيل أمور الحياة ولا يجب أن تسيطر علينا وتتحكم في علاقاتنا. ويقول د. حمدان: الكل متفق على أن الأسرة هي الوحدة الأساسية لبناء المجتمع ولكن المقصود بالأسرة ليس مجرد تواجد أو تعايش مجموعة من الأشخاص، بل هي تبادل عاطفي وتفاعل مشترك بناء يتم من خلاله تواصل الأجيال وانتقال التراث وخبرة الآباء والأجداد إلى الأبناء. فمن البديهي أن تحدث تغييرات في العلاقات الأسرية وأن تتأثر بالتطور التكنولوجي الحاصل، ولكن يجب ألا نلقي باللوم كله على وسائل التكنولوجيا لحدوث التفكك الأسري وانحراف الأحداث، فالتكنولوجيا لهها أيضا دور إيجابي في حياتنا وعن طريقها يسهل التواصل بين الناس، والتعارف والحصول على لمعلومات الاستفادة من خبرات الآخرين. ولكن المشكلة هي أن النمو السريع في النواحي الاقتصادية والانتشار السريع الواسع لوسائل التكنولوجيا لم يتفق مع التطور الاجتماعي سواء على مستوى المجتمع أو على مستوى العلاقات الأسرية والمفاهيم الشخصية. ويرى د. حمدان أن الحل الناجح لتلك المعادلة يتحقق من خلال وعي الأسرة لما يحدث لها، والعمل على تنمية روح الانتماء داخل الأبناء منذ الصغر وتهيئة الجو الأسرى الذي يحقق للفرد رغباته وميوله ويساعده على بناء شخصيته. وإذا ما تحقق له ذلك شعر بالاطمئنان والانتماء والوفاء للأسرة .