من بين أشكال السرقة، العديدة والمتفاوتة في درجة تجليها وخفائها، استطاع الشاعر إيجاد طريقة مشروعة للتعبير عن إعجابه بقصائد الشعراء الآخرين والاستفادة من بعض عناصرها وجمالياتها، كما أتاحت له تلك الطريقة الإبداع ومنافسة الشعراء ومحاولة التفوق عليهم. وتتجسد هذه الطريقة في معارضة الشاعر للقصيدة التي تعجبه بنظم أبيات على نفس البحر والقافية مستفيدًا من فكرتها وساعيًا إلى وضع إضافته الخاصة فيها، وقد تابعنا خلال الأيام الماضية التفاعل الكبير والمتنوع في تلقي قصيدة "واكبدي اللي من الهجران منفطره" التي أبدعها الشاعر عبدالعزيز الرشيد وقام بأدائها المنشد عبدالعزيز العليوي، وكانت المعارضة شكلاً من أشكال التعبير عن الإعجاب بها، واستطاع بعض الشعراء التميز في معارضتها كما فعل الشاعر المبدع سعيد بن مانع. المعارضة أو المجاراة أسلوب ذكي وشريف يلجأ إليه الشاعر في بعض الأحيان لاقتسام كعكة النجاح أو ضوء الشهرة مع صاحب القصيدة الناجحة، ويلجأ إليه في أحيان كثيرة كشكل من أشكل الإعجاب والتأثر نظرًا لتشابه التجربة الشعورية بينه وبين صاحب القصيدة الأصلية، ويمكن أن تبيّن لنا المعارضة مقدار ما يتمتع به الشاعر الثاني من مهارة وذوق وحس شعري. ونتذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر تميز معارضات أمير الشعراء أحمد شوقي لقصائد رائعة للبوصيري والبحتري، وتميز معارضات الشاعر عبد الهادي بن راجس لإبداعات خلف بن هذال وبدر بن عبدالمحسن. وأعتقد أن معارضة القصيدة الناجحة تمنح السعادة وشعور الرضا لكلا الطرفين: فشاعر القصيدة الأولى يسعد برؤية ثمرة جهده وبما حققته قصيدته من وصول إلى المتلقين، لاسيما الفئة الأكثر إدراكًا لمعاني الشعر وهم الشعراء، كما يشعر الشاعر الثاني بنوع من الرضا لوجود ما يثيره ويستفزه للكتابة والإبداع. ومن المؤكد أن تأثير المعارضة سينتقل إلى طرف ثالث هو المتلقي العادي الذي تتيح له المعارضات فرصة اختبار أدواته النقدية والموازنة بين أساليب الشعراء واكتشاف ما يعتور قصائدهم من أخطاء. وإذا قلنا بأن المعارضة أسلوب شريف لاقتسام كعكة النجاح مع المبدع الأول، فلابد من القول بأن السرقة تُعد محاولة تتسم بالجشع والطمع للاستحواذ على كعكة النجاح كاملة من دون بذل أي جهد، كما تدل دلالة واضحة على انعدام الموهبة لدى السارق أو إحساسه بقصورها عن منافسة المبدعين. أخيرًا يقول سامي العرفج: لا انطويت وصارت عيوني شموع البكاء نعمه، وأنا قلبي وجل وش يضرّ إن طاح من عيني دموع كل يوم يطيح من عيني رجل