يُوجه الشاعر علي الضوي خطابه إلى شاعرٍ مجهول قائلاً: "ستكتب كلاماً مُبهماً بلغة مُغلقة ومعانٍ لا تؤدي لشيء، وسيثني عليك أنصاف المثقفين لا لجمال ما تكتب، ولكن خوفاً من اتهامهم بالغباء لعدم الفهم". وهذا الخطاب موجه بالتأكيد لجميع الشعراء الذين يحاولون خداع المتلقي بقصائدهم الغثة الغامضة التي يزعمون أن الغموض فيها غطاء يُخبئ تحته الكثير من الجمال الذي يتطلب منه إجهاد عقله لكي يتمكن من الكشف عنه والاستمتاع به وتذوق لذّته. ويؤكد الدكتور أحمد المعتوق في كتاب (اللغة العليا) ، بعد إيراد آراء النقاد المؤيدين للغموض في القصيدة، على مسألة مهمة وهي أن "النقاد الذين وجدناهم يعتبرون خفاء المعنى أو غموضه في الشعر البديع مصدر لذة ومتعة، يفرقون في الواقع بين الخفاء أو الغموض الملهم الباعث على الاشتياق والمثابرة والغوص للبحث والكشف عن المعنى والفرح به والأنس باكتشافه والوقوف عليه، وبين الغموض المُعتم الذي ليس وراءه طائل (...) كما أنهم يفرقون بين الغموض الإيجابي المثري وبين ذلك الإبهام أو التعقيد الناشئ عن التمحل والتكلف والإدعاء أو عن سوء التركيب وضعف التعبير". ونجد لدى بعض الشعراء وعياً تاماً بوجود من يُمارس الخداع والعبث الشعري ويعمد إلى الإغراق في الغموض لتغطية جوانب القصور في قصيدته أو ليوهم المتلقي بالتميز والعمق، يقول المُبدع نايف معلا مُخاطباً أحد شعراء الطلاسم: يا الشاعر الغامض محبيك غشوك وش عاد لو سوّوا لشعرك مراسم الناس تبغى شعر واضح وأنا أخوك ما عندها وقتٍ تفك الطلاسم ويُمكن القول بأن غموض الشعر يؤدي في كثير من الأحيان لحدوث خداع مُتبادل بين الشاعر والمتلقي، فالشاعر يحاول خداع المتلقي بإدعاء العمق والقدرة على الخروج عن مألوف الشعراء، وفي المُقابل يخدع المتلقي الشاعرَ الغامض بالتظاهر بالفهم والاستمرار في التصفيق تحرجاً من التصريح بعدم الفهم وخوفاً من الاتهام بالغباء ..! ومما يُعلي من قيمة الوضوح في الشعر أن جميع القصائد التي تُعد من عيون الشعر هي تلك التي تتسم لغتها بالسلاسة والوضوح لدرجة تُحتم على المتذوق حفظها والاستمتاع بترديدها. أخيراً يقول شاعر مُبدع يكتب تحت اسم "ساحوق": لقيت بعض الشعر كنّه دوا للجروح ويشيع ويذيع ساعة شاعره يلفظه كم بيت شعرٍ يمر الذاكرة ما يروح حتى ولو ما تحاول تحفظه، تحفظه