أيام المرحوم حافظ الأسد، كان يقال إن السياسة السورية قادرة على الخروج من المآزق بأساليب ناجحة جداً، فقد دخلت حرب لبنان ونجحت بتثبيت وحدته ودخلت مع التحالف الدولي ضد غزو الكويت، وكسبت احترام العالم، وأيدت ثورة إيران والوقوف معها في الحرب العراقية الإيرانية، وكانت رؤيتها أوسع من بعض الآراء التي انتقدتها، لكن الأخطاء برزت بعد تلك النجاحات الكبيرة، وغياب صاحب القرار.. فقد تصرف الجيش السوري في لبنان بما عاكس مهمته الأساسية وجاء التمديد لرئيس الجمهورية بما فجر الصمت إلى العلن بانتقاد هذا العمل، ثم كان قتل الحريري، الذي اعتبره المجتمع الدولي جريمة أخذت أبعادها بأن دخلت مسؤولية الأممالمتحدة ومجلس الأمن، ومع اعتقادنا أن المحقق الدولي السيد ميليس الذي خرج بنتائج تحقيقاته مديناً شخصيات لبنانية وسورية واعتبر الأخيرة غير متعاونة، أدى إلى صدور القرار الأخير بإلزام سوريا التعاون مع المحقق الدولي، أو تحمّل خيارات أكثر صعوبة.. الإجماع على القرار جعله نافذاً حتى لو دار الجدل على قانونية التحقيق من عدمه، أو تسييس القضية لمصالح دول خارجية تستهدف سوريا بالذات.. المعادلة صعبة وحساسة، فالأشخاص المطلوب مثولهم للتحقيق هم من لحمة الدولة، وطالما سوريا تنفي تهمة الضلوع بجريمة اغتيال الحريري، فالمنطق أن تتساعد مع المحققين حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالأفراد مقابل صيانة وحماية وطن، إذا كانت بالفعل ليس لديها ما تخشاه من نتائج التحقيق.. الرئيس بشار الأسد أعلن عزمه على تقديم أي شخص يطاله الاتهام في قضية الحريري معتبراً إياها جريمة بكل أبعادها، وهذا يعني أن النافذة المفتوحة لم تغلق بعد، وطالما الطريق سالكة وأن ما ورد في تحقيقات ميليس مجرد اتهامات لم تصل إلى الإدانة، فسوريا ليس أمامها خيارات متعددة، ومعالجة القضايا التي أدخلتها النفق تحتاج إلى عمل سريع ومباشر، وواقعية في التصرف دون ردود أفعال متشنجة، لأن الخصومة لم تعد مع أشخاص أو دولة بل مع المجتمع الدولي، والمسألة هنا أصبحت امتحاناً لما عُرف أن سوريا لديها مفهوم «خطوة إلى الأمام، وخطوة إلى الوراء» إذا كانت السياسة تتطلب التقدم والتراجع في اللحظات الصعبة..