يتخلّى بعض أفراد المجتمع عن أداء واجباتهم تجاه المساهمة في رفع الأذى أو مقاومة المظاهر الخاطئة التي يرونها أمامهم في العديد من الأماكن العامة، وأكبر دليل على ذلك ما نلاحظه أحياناً من تسجيل هؤلاء بعض المشاهد لمواقف سلبية تحدث أمامهم دون أن يُحرّكوا ساكناً حيال تغيير هذا الواقع الذي شاهدوه بأعينهم قبل أن تسجّله عدسات "كاميرات" هواتفهم المحمولة، فأحدهم التقط ب"كاميرا" جواله مشهداً حدث أمامه لطفل يتعرّض للتحرّش داخل أحد الأسواق التجارية، فما كان منه إلاَّ أن وثَّق الحادثة ونشرها بعد ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مُحذِّراً الأسر من إرسال أبنائهم إلى المحال التجارية بمفردهم دون أن يُكلّف نفسه عناء التدخّل لانقاذ هذا الطفل من شراك هذا المُتحرّش الذي تجرّد من كل معاني الإنسانية بتهجّمه على هذا الطفل المغلوب على أمره. د.الخضيري: نحتاج مواطناً يسهم في بناء وتقدم وطنه والمواقف في هذا الشأن كثيرة، فكثيراً ما نشاهد مقاطع "فيديو" يوثّق فيها أصحابها مواقف أخرى سلبية، ومن ذلك الاعتداء على بعض المرافق العامة بالتشويه أو التكسير، أو تصوير مشاهد أخرى لتعرّض بعض الفتيات للتحرّش من قبل بعض الشباب، دون أن يكون لهؤلاء أيّ موقف إيجابي تجاه تغيير هذا الواقع، سواءً بالتدخّل المباشر أو إبلاغ الجهات المختصة، وبالتالي فإنَّ مشاهد السلبية و"أنا وش دخلني" ورفع اليد أصبحت كثيرة ومتعددة إزاء العديد من المواقف الحياتية اليومية من قبل نسبة لا يستهان بها من أفراد المجتمع، الأمر الذي يجعلنا نتساءل هنا عن أسباب انتشار هذه المظاهر السلبية، وعن الأطراف المسؤولة عن صناعة المواطن الإيجابي؟ وعن كيفية إعادة بناء روح التعاون الإيجابي لدى أفراد المجتمع؟. انفتاح إعلامي وقال د.عبدالعزيز الخضيري -نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الغد-: "إنّ ممَّا ساهم في انخفاض روح المبادأة والايجابية لدى البعض غياب الرؤية الوطنية الهادفة لزرع هذه الروح، إلى جانب عدم وجود البرامج التي تعزز من دور الشباب في بناء وطنهم، وكذلك الانفتاح الاعلامي التجاري الذي يسعى فيه مقدمه إلى بناء شخصيته الإعلامية الأنانية، التي لا يهمها الوطن والمواطن بقدر ما يعنيها أن تكون الأميز والأشهر والأكثر إثارة للجدل، إضافةً إلى غياب الأنظمة والعقوبات وتجريم الاعتداء على المنجز الوطني والسعي إلى تهميشه". وأكَّد على أنَّ الوطن المتطلع إلى التقدم والإنجاز يحتاج إلى المواطن الايجابي، الذي يساهم في البناء والتقدم، لأنَّ المواطن السلبي لن يبني أبداً، بل على العكس قد يصبح أداة هدم، مُضيفاً أنَّه لابُدَّ من الفصل فكرياً ما بين مفهوم الحكومة ومفهوم الدولة، وذلك لبناء الإنسان الإيجابي، مُبيِّناً أنَّ الحكومة جزء من منظومة الدولة، إذ إنَّ مكونات الدولة الخمس هي القطاعات الحكومية والأكاديمية والخاصة والإعلامية والمدنية. د.أروى الحقيل: الاهتمام بالمادّيات يخفض روح المبادرة وينمّي السلبية والتقصير إيجابية متوازنة وشدَّد د.الخضيري على أهمية أن تعمل هذه المكونات الخمس جميعها بتوازن كامل لحمل رسالة الدولة، حيث إنَّ الدولة تضع رؤيتها وهذه المؤسسات الخمس تعمل لتحقيق هذه السياسة من خلال الاستراتيجيات التي تخدم الوطن، موضحاً أنَّ الوطن هنا أرض وإنسان، ويكون منطلقها سياسة ورؤية الدولة بشكل متكامل فيما بينها، وبالتالي فإنَّ الدولة لها سياسة والحكومة لديها استراتيجية لتنفيذ هذه السياسة، كما أنَّ لديها عشرات القطاعات لتنفيذ استراتيجيتها المنطلقة أساساً من سياسة الدولة. وأشار إلى أنَّ الإيجابية التي نحتاجها هي الإيجابية المتوازنة التي لا تُقزِّم المنجزات الضخمة على حساب الأخطاء الصغيرة، مُضيفاً: "نرى –مثلاً- في كل يوم (هاشتاق) عن الحفر، كأنَّ مسؤولي الدولة كلهم فاسدون، وكأنَّه لا يوجد مسؤول واحد نظيف، حتى أصبح كل مسؤول يقول: أنا متهم في كل حالاتي، فلماذا لا أصبح فاسداً؟"، مُبيِّناً أنّ المسؤولية الأولى لبناء المواطن الإيجابي تقع على عاتق المنظم، وهي الدولة، ثمَّ المُنفِّذ، وهي الحكومة، ثمَّ بقيَّة القطاعات. سياسة تنموية وبيَّن د.الخضيري أنَّه إذا صلح رأس الهرم صلح الهرم كلَّه، وبالتالي فإنَّ على الدولة أن ترسم السياسات، كما أنَّ على الحكومة أن تتابع التنفيذ، وكلٌّ يعمل في مجاله، مُضيفاً أنَّ سياستنا التنموية التي بُنيت على بناء الأماكن وليس على بناء الإنسان بحاجة إلى إعادة نظر، موضحاً أنَّ حوادث المرور مثال صارخ على هذا الأمر، فنحن أعطيناهم أحدث السيارات وأفضل الشوارع وغفلنا عن من يستخدم السيارات والطرق. وأضاف انَّنا نرى العديد من مستخدمي الطرق ينشغلون بالجوال وتعديل الشماغ ومتابعة الموسيقى ولا يحترمون قواعد المرور، والنتيجة حوادث بالجملة، على الرغم من أنَّنا ننتمي لدين يحث على الإيجابية، فتبسُّمك في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة. روح المبادرة ولفتت د.أروى الحقيل -عضو هيئة التدريس بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن-، إلى أنَّه كلَّما ابتعد اﻹنسان عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وأخلاقياته العظيمة ووجَّه وحصر اهتمامه في الماديَّات فقط، بدأت تنخفض عنده روح المبادرة والإيجابية ونمت السلبية والتواكل والتقصير في مختلف مناحي الحياة، مُضيفةً أنَّ شرعنا المطهر ونبينا العظيم -صلى الله عليه وسلم- هما أكبر محرك ودافع نحو اﻹيجابية وروح المبادرة والمواطنة الحقَّة. وأوضحت أنَّه في ظل النهضة المتسارعة المادية في العالم بأسره يكمن لدينا سر التوازن المادي والروحي، فإنجاز اﻷهداف التنموية الكبرى للدولة تحتاج إلى المواطن اﻹيجابي الذي يعي واجباته، التي منها مواكبة ركب التطور السريع بالتوجه للتدريب الجيد والمبادرة بالمزيد من الإخلاص في العمل وتحقيق اﻹتقان للوصول ﻷعلى درجات اﻹحسان التي حثنا عليها ديننا القويم، موضحةً أنَّ الإيجابية هنا هي كل ما سوف ينتج إذا وضع اﻹنسان مراقبة الله تعالى ومخافته في السر والعلن نصب عينيه. تحمّل المسؤولية وأضافت د.أروى الحقيل أنَّه حينئذٍ تتحقق اﻹيجابية ويؤدي المواطن واجباته وأدواره المنوطة به ويستشعر مسؤولياته الفردية والمجتمعية على أكمل وجه، وتتضاءل السلبية ويزول التواكل والتقاعس الذي ﻻ ينتج عنه إﻻَّ التأجيل والتسويف والتراجع، موضحةً أنَّ صناعة المواطن اﻹيجابي ترتكز على تربيته منذ نعومة أظفاره طفلاً داخل اﻷسرة على تأدية كل عمل بإتقان وإحسان وتحمل المسؤولية وتنمية الوازع الديني وإتاحة الفرصة له لاكتساب ومعايشة الخبرات المختلفة في المبادرة لخدمة المجتمع. ورأت أنَّ المدرسة تتساوى مع الأسرة في صناعة وبناء المواطن اﻹيجابي المبادر البنَّاء، مؤكِّدةً على أنَّ المواطن الصالح اﻹيجابي هو الاستثمار الحقيقي والثروة الوطنية المتجددة، وهو من يفكر ويخطط وينفذ بإتقان وإحسان ويصنع الفرص ويبادر بسواعده وبتكاتف إخوانه وبتعاون العقول المفكرة لينهض المجتمع بأسره وتحقق الدولة أهدافها التنموية الكبرى، لافتةً إلى أنَّ العنصر البشري المُدرَّب الذي يستوعب اﻷحداث ويدرك الواقع ﻻبُدَّ أن يملك اﻷخلاق العظيمة والمبادئ الراسخة ليطلق الإرادة القوية لتطويع المستحيل. فاطمة العنزي: الدولة بحاجة للمواطن الإيجابي المخلص والمنتج ومراكز الأحياء عليها دور وأشارت إلى أنَّه لكي يكون الفرد قادراً على البناء والإيجابية، فإنَّه ﻻبُدَّ أن يتسلَّح بالدين والعلم واﻷخلاق والوعي واكتساب الخبرات، ومن ثمَّ يمضي قُدماً متوكلاً على الله –عزَّ وجلّ- محتسباً اﻷجر، مُضيفةً أنَّ اﻹرادة واﻹصرار والنية الصادقة للتغيير للأحسن والتطوير الشامل كفيلة بأن تُحوِّل المواطن إلى إيجابي ضمن سواعد البناء، داعيةً إلى أن يكون شعارنا دائماً وأبداً "بتكاتف الجهود نجاح بلا حدود". مواطن سلبي وبيَّنت فاطمة العنزي -مُعدَّة ومُقدّمة برامج بإذاعة الرياض-، أنَّ الأسرة هي الأساس والمؤسس الأول في الدولة، مُشيرةً إلى أنَّها لكي تكون ذات أساس قويّ، فإنَّه لابُدَّ من أن تتضافر جميع جهود مؤسسات الدولة لأجلها، مع التركيز على الزوج والزوجة منذ الطفولة وفي مراحل الدراسة كافة إلى أن يصبحوا أركان أسرة متينة ويُعمِّقوا في نفوس أبنائهم ما رسخ في نفوسهم، وأن يؤدي كل فرد دوره بكل حب لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه الكبير. ورأت أنَّ التواكل والسلبية هي تراكمات إحباط في الأسرة والفرد، مُشدِّدةً على ضرورة الأخذ بيد الأسرة في جميع جوانب الحياة الصحية والتعليمية والتنموية حسب دور كل مؤسسة وما تقدمه بإخلاص وأمانة للمواطن، الذي يجد نفسه مندفعاً لتقديم ما هو مطلوب منه، مُضيفةً أنَّ التواكل ما هو إلاَّ حصاد ما يزرع فينا، موضحةً أنَّ الأوطان لا تُعمَّر بمواطن مُحبط، مُبيِّنةً أنَّ عدم حصول المواطن على الخدمات الأساسية التي يحتاجها قد يجعل منه مواطناً سلبياً مُحبطاً. مسؤولية اجتماعية وأضافت فاطمة العنزي أنَّ المواطن في هذه الحالة قد لا يعنيه المساهمة في رفع الأذى أو مقاومة المظاهر الخاطئة التي يراها، موضحةً أنَّ المُحبط حتى وإن أنتج، فإنَّ إنتاجه يكون متأرجحاً بين الوسط والرديء، وبالتالي فإنَّه ليس هذا هو المواطن الذي نريد ويحتاجه الوطن، إذ إنَّ الدولة بحاجة لمواطن إيجابي يساهم في البناء ويشارك في التنمية بأمانة وجد وإخلاص، لاستشعاره أنَّه جزء مهم في مسيرة التنمية، له قيمة وهو يعرف أنَّ مردود ذلك له ولأسرته في المستقبل. وقالت: "َكما تعمل المؤسسات على تطوير أداء مستوى موظفيها بالدورات والتحفيز المادي والمعنوي، فإنَّ المواطن أيضاً يحتاج من الدوله الاهتمام به، وهنا الدور على كل المؤسسات الحكومية وأصحاب المال والأعمال الذين عليهم واجب تجاه الوطن من منطلق المسؤولية الاجتماعية الاهتمام بالمواطن ومد يد الدعم له، وبطبيعة الحال فإنَّ ولي الأمر له الدور الأول في أعلى الهرم بالدولة، وها نحن نشاهد ذلك ممثلاً بخادم الحرمين الملك سلمان -حفظه الله- حينما خاطب المواطن". وأوضحت أنَّ خطابه السامي -أيَّده الله-، تضمَّن حرصه على المواطن، إذ قال -حفظه الله-:"هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وأعمل معكم على تحقيق ذلك"، ومن هنا نلاحظ أنَّ الملك لم يقل: سأعمل على ذلك، بل قال: سأعمل معكم على ذلك، وهذا المعنى له أهمية كبيرة، حيث أنَّه أشرك جميع أبناء الوطن في عملية البناء والتنمية، ليحقق أهداف عدة تتضمن مصلحة الوطن والمواطن. وشدَّدت على أهمية وجود مراكز بكافة الأحياء تُقدِّم لأفراد الأسرة غذاء العقل والفكر والإنارة في الجانب الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، وليس التركيز على الجانب الديني فقط، ولابُدَّ أن تكون هذه المراكز مهيأة كما يجب، مُشيرةً إلى أنَّ لدى المواطن استعداداً فطرياً لهذا بما جُبلنا عليه من الفزعة الايجابية، التي رُبَّما طمسها تغيّر الأحوال وتسارع وتيرة الحياة، لكنَّها موجودة فينا وتحتاج إلى جهد بسيط لتعاود الظهور من جديد جليةً وواضحةً وقويةً كما هي في الأصل. التقنية الحديثة ساعدت المواطن الإيجابي على استشعار مسؤولياته الفردية والمجتمعية الاتكالية والسلبية لاتخدمان المجتمع ولاتحلان المشكلات المواطن الإيجابي يسهم بمقترحاته في بناء وطنه مقاومة المظاهر السلبية أولى من توثيقها ونشرها على الإنترنت